
«نتنياهو» يتحكم فى البيت الأبيض

كتبت - وسام النحراوى
لقد أظهر العام الذي مر على حرب غزة مدى التشابك الكثيف بين السياسة الرئاسية الأمريكية ومسار الأحداث فى الشرق الأوسط، فكل منهما يمارس قوة جذب على الآخر، وغالبًا بطريقة ضارة لكليهما، فنادرًا ما تكون السياسة الخارجية مهمة كثيرًا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن هذا العام قد يكون استثناء، ففى منافسة من المرجح أن تحسم بهامش ضئيل لأحد المرشحين، فإن التداعيات الناجمة عن الصراعات فى غزة والضفة الغربية ولبنان، مع احتمال اندلاع حرب مع إيران، قد يكون لها تأثير كبير على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
وعلى جانب آخر، فإن نتيجة الانتخابات فى الخامس من نوفمبر ستؤثر على الشرق الأوسط بطرق غير متوقعة وقد تكون بالغة الأهمية، فرغم القيود الواضحة على قدرة واشنطن على السيطرة على إسرائيل، أهم حليف لها، تظل الولايات المتحدة إلى حد بعيد القوة الخارجية الأكثر نفوذًا فى المنطقة.
وأدى دعم جو بايدن الثابت لإسرائيل فى مواجهة الخسائر المدنية الجماعية فى غزة، وتحدى بنيامين نتنياهو الواضح للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإرساء وقف إطلاق النار فى غزة ولبنان، إلى تنفير العديد من الديمقراطيين التقدميين.
ولم تبعد كامالا هاريس نفسها بأى شكل من الأشكال عن سياسة “بايدن” فى الشرق الأوسط، وهى تواجه الآن معركة صعبة بشكل خاص فى ميشيجان، موطن مجتمع عربى أمريكى كبير، إذ إن خسارة تلك الولاية من شأنها أن تعقد بشكل كبير مسار هاريس إلى الرئاسة.
ومن المرجح أن يؤثر انتشار الحرب واندلاع الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران على الحملة الرئاسية للديمقراطيين إلى ما هو أبعد من ميشيجان، حيث تجتمع أزمتا الشكوك حول كفاءة فريق بايدن-هاريس فى السياسة الخارجية وتهديد ارتفاع أسعار النفط فى أسوأ وقت ممكن على هاريس لتكون هذه “مفاجأة أكتوبر” القاتلة فى هذه الانتخابات.
وكما يمكن للشرق الأوسط أن يؤثر على السياسة الأمريكية أكثر من أى جزء أجنبى آخر من العالم، فإن السياسة الأمريكية تمارس تأثيرًا واضحاً ومستمرًا على الشرق الأوسط، فقد أصبح الدعم الظاهر لإسرائيل شعارًا لكل من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين والديمقراطيين، بغض النظر عن تصرفات إسرائيل. وأشارت دانا ألين، وهى زميلة بارزة فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، إلى أن عدم قابلية إسرائيل للمس فى الساحة السياسية الأمريكية قد تطورت بمرور الوقت، فهذه لم تكن الطريقة التي تحدث بها الرؤساء فى عهد ريتشارد نيكسون.. وأشارت ألين إلى أساليب نتنياهو التي ركزت على حشد قوة المشاعر المؤيدة لإسرائيل فى الولايات المتحدة ضد أى رئيس حاول كبح جماحه، فعندما أعلن باراك أوباما أنه يجب وقف بناء المستوطنات فى الضفة الغربية، كشف نتنياهو عن خدعته وتجاهله، وعندما أوقف بايدن تسليم القنابل الأمريكية الصنع التي تزن 2000 رطل والتي كانت تستخدم لتسوية المناطق السكنية فى غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى أن هذا “غير مقبول”، وقبل لاحقا دعوة من الجمهوريين لمخاطبة الكونجرس والاجتماع مع ترامب.
وعلى الرغم من أن بايدن، أكثر رئيس أمريكى لديه تعلق شخصى بالقضية الإسرائيلية حيث سافر إلى إسرائيل بعد أيام من بداية حرب غزة وعانق نتنياهو حرفيا على مدرج المطار، إلا أن نتنياهو انقلب عليه عند أول علامة شك، حيث كانت رسالة نتنياهو واضحة، أى تردد فى توفير الأسلحة أو الدعم الدبلوماسى سيتسبب فى تكلفة سياسية باهظة، وسيتم تصوير الرئيس الأمريكى المسؤول على أنه خائن لإسرائيل.. كانت نتيجة هذا التكتيك إحجام عميق من جانب الرؤساء المتعاقبين عن استخدام نفوذ الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل على الإطلاق.