عاجل
الأربعاء 16 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
ذكرى انتصارات أكتوبر مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي

اللواء زكي باقي : تدمير خط باريف باندفاع المياه أخذتها من عملي في السد العالي

اللواء أركان حرب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى باقى زكى يوسف
اللواء أركان حرب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى باقى زكى يوسف

باقى زكى يوسف مواطن مصري، فى عينيه لمعة برق خاطف أضاءت نفسها بنفسها من شموع مقام مار جرجس بحماس لاينتهى وإيمان بالإنسان المصري وعبقريته، إيمان بالبسطاء الذين يوقدون شموعا ويتمنون ويتوسلون بالدعاء للقديسين، والبسطاء الذين يرسلون الرسائل للسيدة زينب وسيدنا الحسين ويهتفون «هتاف الصامتين»، يتمنون عبور هزائمهم الصغيرة أمام مال لايجئ أو دواء لايشفى.. وهم أنفسهم الذين بمقدورهم أن يحققوا المعجزات فى الحروب وفى الثورات وفى معارك البناء والتنمية.



 

باقى زكى يوسف مواطن مصري.. فى قلبه دقات مرهفة لأجراس كنائس، وأذان مساجد، وذكريات لشهداء مصريين لاقوا ربهم ولسانهم رطب بذكر الوطن هم الآن عند ربهم أحياء يرزقون، يحقق المصريون انتصاراتهم ويثبتون أن مصر ليست فقط عبقرية المكان كما قال جمال حمدان ولكنها أيضا عبقرية الإنسان التي تجلت فى نصر العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر عام 1973 أهم حدث فى تاريخ مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين والذي لفت أنظار العالم إلى الجندى المصري الذي حقق معجزته فى تحطيم خط بارليف، وأسطورة «أن الجيش الإسرائيلى لايقهر» كما كان قادتهم العسكريون يقولون.

 

 

 

.. اللواء أركان حرب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى باقى زكى يوسف صاحب فكرة فتح الثغرات فى الساتر الترابى من خلال تدفق المياه باندفاعات أدت إلى انهيار الساتر المنيع فعبر الجنود فى زمن قياسى، وأحدث بفكرته نقلة فى الزمان والمكان.  

 

باقى زكى يوسف مواطن مصري يؤمن بأننا يمكن أن نغير العالم بالفكر، والابتكار وإعمال العقل فالأفكار تحقق المستحيل.

 

 

∎ نحن والعالم  

 

 قلت له: حدثنى عن الفكرة التي ولدت من قطرة الماء التي فتت الحجر، الماء الذي حول الساتر الترابى المنيع إلى رمال؟

 

قال: «الأفكار هى التي تحرك البشر، وتغير الأجيال، نحن نستطيع أن نغير العالم بالفكر، وبما لنا من ميراث تاريخى، وقدرات موروثة ومكتسبة، الإنسان المصري طاقة كامنة، وتتفجر هذه الطاقة عندما يجد نفسه فى تجربة أو لحظة أو خطة فائقة الصعوبة، وقد مررت بهذه اللحظة عندما كنا ندرس مشاكل العبور وعلى قائمتها مشكلة فتح الثغرات فى الساتر الترابى، وهو حائط ارتفاعه عشرون مترا، وميله من ناحية القناة ثمانون مترا، وفى أحد الاجتماعات خطرت لى فكرة استخدام المياه فى فتح الثغرات، واستخدام التجريف فى فتحها، كان الساتر كله رملة طبيعية فاقترحت وجود طلمبات ماصة كابسة توضع على زوارق خفيفة وتسحب المياه من القناة وتضخها باندفاع كبير من خلال مدافع مياه يتم توجيهها إلى الساتر الترابى فتقوم بتحريك الرمال وتنزل بثقلها فى القناة ومع استمرار تدفق المياه بهذا الاندفاع الكبير سيتم فتح الثغرات بعمق الساتر الترابى، تراءت لى الفكرة من خبرتى فى العمل كمهندس فى عمليات بناء السد العالى فقد عملت فى أسوان فى الفترة من عام 1964 إلى أوائل عام 1967، أزلنا وقتها عشرة ملايين مكعب من الجبال المحيطة بالسد لنبنى بها السد العالى نفسه، كنا نأخذ المياه من النيل ونضخها على جبال الرمال من النوع المناسب لجسم السد، المياه تقوم بإنزال الرمال فى حوض خليط حول الجبل، وتقوم الطلبمات بسحب الخليط من هذه الأحواض إلى جسم السد العالى.

 

 

 

قلت: ولدت الفكرة إذن فى مناخ يعتمد التفكير العلمى والإفادة من خبرات سابقة فنجحت

 

قال باسما: «نعم.. ولدت فى لحظة شعرت فيها بقلق السؤال الذي تحول فى لحظات إلى حل، صور بصرية كانت تتوالى على ذاكرتى رأيتها أثناء بناء السد العالى اعتمدنا فيها على فكرة التجريف، كنا نعمل فى اليوم أربعا وعشرين ساعة إلا قليلا، كان الكل يعمل فى تواضع وصبر لدرجة أن أحد العاملين خاطب صدقى سليمان وزير السد العالى فقال له: معالى الوزير فرد عليه صدقى: «لست بمعالى الوزير أنا مقاول أعمل فى خدمة السد».

 

كانت هناك إعلانات ولافتات فى الشوارع تقول: «باقى من الزمن تسعة وعشرون يوما»، «باقى من الزمن سبعة وعشرون يوما على اكتمال بناء السد» كنا نعمل بكل طاقتنا، السد العالى كان معركة تنمية.

 

 

 

∎ معجزة المصري

 

قلت: التف الجميع حول فكرة، حول مشروع قومى فتحقق بناء السد العالى

 

قال: وحتى فكرتى فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى كانت فكرة تعهدها الجميع بالرعاية فكان هناك عندئذ من استمع إلىّ كمهندس شاب يفكر، كنت قد عرضت الفكرة على قائد الفرقة - رحمه الله - اللواء أركان حرب سعد زغلول عبدالكريم فاهتم بها وبعد اثنتى عشرة ساعة تم نقل فكرتى إلى أعلى مستوى فى القوات المسلحة، وذهبت مع قائد الفرقة إلى قائد الجيش والتقيت مع رئيس هيئة العمليات وأعطيته صورا خاصة بالتجريف فى السد العالى وبعدها تم عرض الفكرة على الرئيس عبدالناصر فأمر بتجربتها وتنفيذها فى حالة نجاحها، تم إجراء أكثر من ثلاثمائة تجربة على ساتر فى حلوان فى سبتمبر 1969 بطلمبة من السد العالى استغرقت ثلاث ساعات، ونصف، وفى يناير 1972 تمت التجربة على ساتر طبيعى مشابه للساتر الترابى شرق القناة فى جزيرة «البلاح» وفتحت الثغرة فى ثلاث ساعات ووقتها تقرر استخدمها التجريف كأسلوب فى فتح الثغرات، لقد نجحت الفكرة لأن الجميع تحمس لها وظلت الفكرة تتطور حتى تم تنفيذها فى حرب أكتوبر 1973 عندما اتخذ الرئيس السادات قرار العبور، لقد تجلت عظمة الإنسان المصري فى حفظ سرية الفكرة والالتزام الجاد بتنفيذها وتمت تجربتها على مراحل زمنية مختلفة حتى تم تنفيذها، الفكرة حقنت دماء الكثيرين فأى حلول أخرى للعبور كان سيكون من نتيجتها خسائر كبيرة فى الأرواح، الأفكار تحقق المعجزات.  

 

 

.. تأملت المواطن المصري لواء أركان حرب باقى زكى يوسف، والذي عمل كرئيس فرع مركبات الفرقة 19، وعمل كمهندس فى عمليات بناء السد العالى «خضنا معارك كثيرة. السد العالى معركة تنمية حرب أكتوبر: معركة تحرير الأرض.

 

تأملته.. فى وجهه سمرة حنان النيل، بين ضلعيه مقامات المحبة للوطن وللأرض فقد كان أول تقرير يرسله من جبهة القتال هو ظرف به خفنة من رمال سيناء، هذا الرجل العاشق لوطنه يقول للأجيال القادمة. علمتنى الحرب أن «لا حياة مع اليأس، ولايأس مع الحياة».

 

 

وأجمل لحظة فى حياتى هى اللحظة التي رأيت فيها فكرتى رأى العين وهى تنفذ فينهار الساتر الترابى تحت ضغط واندفاع الماء من خراطيم المياه، كنت مع قوات الجيش الثالث الميدانى فقد كنت رئيسا لفرع مركبات الجيش، فى السادس من أكتوبر كنت على شط غرب القناة، وعبرت يوم 7 أكتوبر فى السابعة والنصف صباحا مع القوات إلى شرق القناة.. تاريخ لاينسى، كل لحظة مفعمة بالمعانى والتضحيات، الإنسان المصري عاشق لبلاده بالفطرة «بالچينات الوراثية، دقات قلبه تقول: «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا».. سألته عن أحب القصائد الشعرية أو الأغنيات التي عبرت عن نصر أكتوبر من وجهة نظره فوجدته محبا لكلمات الشاعر عبدالرحيم منصور والتي تغنت بها وردة:

 

«حلوة بلادى السمرة

 

بلادى الحرة بلادى

 

وأنا على الربابة بغنى

 

وأبارك كل خطوة تعدى ع الطريق الصعب

 

تحيا مصر..

 

وأنا على الربابة بغنى غنوة الحرية

 

قول معايا يا شعب

 

تحيا مصر  .. تحيا مصر

 

عبقرية المكان والإنسان

 

 

أجريت معه الحوار عدد الثلاثاء 8 يوليو 2014 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز