"سوكسيه"..أشرف عبد الباقي!
سنوات من الكفاح والمعافرة يعيشها أصحاب فرق ومؤسسات المسرح المستقل أو فرق مسرح الجامعة التي تطمح في الاستقلال بحثا عن أماكن تأويهم لممارسة شغفهم بالفن والمسرح؛ تضيق المساحات والسبل؛ يطمح هؤلاء في دأب ومعافرة طويلة للحصول على يوم أو يومين لتقديم عمل مسرحي شقي أصحابه حتى يخرج للنور؛ بدءا من توفر أماكن لاحتواء البروفات والتدريبات الأولية على العمل الفني؛ ومرورا بتوفر مسرح يمنحهم عددا محدودا من الساعات والأيام لتقديم تجربتهم على خشبته مقابل مبلغ من المال في اليوم الواحد.
يقدم أهل المسرح المستقل أو الفرق صاحبة الإنتاج المستقل بعيد عن المؤسسة الرسمية الممثلة في وزارة الثقافة والبيت الفني للمسرح مواسم مسرحية متفرقة على خشبات مسارح متنوعة بحسب ما تم تحديده لهم من عدد أيام؛ تصبح هذه العروض مرهونة بفراغ المسرح في أوقات محددة ثم انخفاض أسعار الإيجار في اليوم؛ وبين كل هذا التشتت الذي يعيشه هؤلاء؛ فاجئ الفنان أشرف عبد الباقي مجموعة من فريق شباب الجامعة البريطانية يوم حضوره أحد ليالي عرضهم الأخير "عريس البحر" للمخرج وليد طلعت على خشبة مسرح روابط؛ عندما أعلن المخرج مع نهاية العرض أن هذا اليوم هو يومه الأخير في روابط.. بينما أثناء إلقاء كلمته في تحية العرض قال عبد الباقي.. "أنكم ستعرضون في مسرح الريحاني الفترة المقبلة"!
مفاجأة مدوية فجرها الفنان أشرف عبد الباقي يوم حضوره لعرض "عريس البحر" أعلن على إثرها في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أنه أطلق مشروعه الجديد "سوكسيه" على خشبة مسرح الريحاني..وهو مشروع يهتم بإسضافة الأعمال الناجحة للشباب الباحثين عن أماكن تحتوي تلك العروض سواء عروض مسرح أو "ستاند أب كوميدي" أو عروض لفرق موسيقية؛ وبهذا الإعلان يفتح عبد الباقي باب آخر ومساحة جديدة لشباب الفنانين أصحاب المشاريع الناجحة والتي قد تظلمها ظروف محدودية الأماكن وأيام العرض ولا تحظى بمشاهدة جماهيرية كافية تناسب حجم إبداع شبابها والجهد المبذول فيها والأمثلة كثيرة.
ينتمي أشرف عبد الباقي لجيل تربى على المسرح؛ عاش سنوات ازدهار وتراجع القطاع الخاص وشارك بالعديد من أعماله الناجحة.. ثم كان له هو نفسه الفضل في تقديم حلول بديلة ومحاولات مميزة واستثنائية لإعادة مسرح القطاع الخاص بأشكال وصور متعددة الأوجه؛ بدءا من مسرح مصر ثم حصوله على مسرح الريحاني وإعادة هيكلته وتهيأته لاستقبال تجارب مسرحية مختلفة.. الأولى تمثلت في عرض "جريمة في المعادي" الذي شهد تقديم تجربة لم يعهدها المسرح المصري من قبل بالحصول على حق عرض عمل إنجليزي وإعادة تقديمه ب"فورمات" مصري؛ ثم "اللوكاندة" قدم فيها رؤية مسرحية مختلفة لا تشبه الرؤى السابقة مسرح في هيئة "ست كوم"؛ لكن لأسباب ربما اقتصادية توقف مشروع مسرح الريحاني ومشروع عبد الباقي فترة من الزمن؛ ليفاجئ جمهوره وأهل المسرح بعودة جديدة برؤية مغايرة في مشروع "سوكسيه".
"سوكسيه".. يلتصق هذا التعبير بالمسرح وهو مرتبط برد الفعل اللحظي والتلقائي من الجمهور حول مدى إعجابه وانسجامه مع العرض ونجمه الذي يمنحه جائزته الكبرى بهذا "السوكسيه"..اسم جاذب ولافت يلخص بشكل دقيق العلاقة المباشرة اللحظية بين الجمهور والعرض المسرحي؛ ربما يسهم هذا المشروع في إحياء الحركة المسرحية خصوصا في مجال القطاع الخاص وبأسلوب مختلف يعتمد على استضافة وإعادة تقديم فرق ناجحة تفتح نافذة للإقبال الجماهيري على نوع من المسرح قد لا تتاح لهم مشاهدته؛ فهذه العروض التي يعتمد أصحابها على موارد إنتاج ذاتي وأحيانا من الجامعات الخاصة بهم قد لا يشاهدها قطاع كبير من الجماهير؛ تجارب منعزلة عن الجمهور العادي مغلقة على نوعية محدودة من الجمهور المتفاعل بشكل أكبر مع مواقع التواصل الاجتماعي وغالبا هم المقربين من صناع العمل الفني؛ بينما في مسرح الريحاني يفتح لهم عبد الباقي أفق أرحب وأوسع في شكل الإقبال الجماهيري لعرض منتجهم الفني على نوعية من الجمهور لم يألف مشاهدة تجاربهم ولم يألفوا هم أنفسهم عرض تجاربهم عليه من قبل؛ وبالتالي سوف يدخل هؤلاء الشباب في تجربة قياس النجاح بمعيار سوق القطاع الخاص الأكثر احترافا والأرحب اتساعا من معيار سوق المستقلين الأقرب للمسرح الفقير في محدودية نوع وعدد الجمهور الذي اعتاد التردد على مسارح بعينها لمشاهدة تلك التجارب في ظروف عرض خاصة جدا لا تشبه شكل وظروف إنتاج القطاع الخاص المعتمدة في الأساس على السعي في تحقيق "السوكسيه"؛ آلية أخرى وشكل جديد في مدى إمكانية احتواء منتج محترف ونجم يستغل اسمه ومسرحه في الدعاية لتجارب شباب المسرح المستقل أو التجارب الناجحة بشكل عام إلى جانب تغيير النمط السائد في سلوك المشاهدة الجماهيرية بتبديل نوعية العروض التي اعتادوا عليها بعرض منتج فني ثري بمواهب شابة يشاهدونهم لأول مرة ليس بينهم نجم بينما العمل نفسه نجما في ذاته؛ تجربة جريئة من فنان إعتاد التجريب بالقطاع الخاص يستحق عليها السوكسيه!



