شريف عرفة .. أول رسام كاريكاتير مصري يسجل اسمه في صفحات لوموند الفرنسية
من روزاليوسف إلى لوموند.. رحلة فنان مصري إلى العالمية
داليا عبد المعز
في صورة يعود التقاطها لأكثر من عشرين عامًا، وقف فنان مصري شاب وسط أساتذته من عمالقة فن الكاريكاتيرالمصري، في لقاء جمعهم بالفنان الفرنسي الشهير بلانتو أثناء زيارته لمصر، غير مدرك أن القدر يُخبئ له إنجازًا مميزًا. فما بدا حينها وكأنه لحظة عابرة، أصبح اليوم شاهدًا على مشوار فني حافل بالإبداع والسعي نحو التمييز. ففي سبتمبر من العام الجاري، أضاءت إحدى رسومات هذا الفنان صفحات أشهر الصحف الفرنسية، حيث نشرت له جريدة "لوموند" اليومية كاريكاتيرًا في صفحتها الأولى، ليصبح بذلك أول رسام كاريكاتير مصري يُنشر له عمل فني عبر صفحات هذه الصحيفة. ولتكون تلك اللحظة بداية فصل جديد في مسيرته الفنية.
إنه الفنان المصري شريف عرفة، رسام الكاريكاتير والكاتب والباحث في التنمية البشرية وعلم النفس الإيجابي. حصل على بكالوريوس طب وجراحة الفم الأسنان بجامعة القاهرة، ثم أكمل مسيرته الأكاديمية نائلًا درجة الماجستير في علم النفس الإيجابي، حيث حققت كتبه مكانه رائدة كأكثر الكتب مبيعًا في هذا المجال. قدم عرفة عددًا من البرامج التلفزيونية، بالإضافة إلى محاضراته في العديد من الجامعات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية. كما حصد العديد من الجوائز والدروع والشهادات تقديرًا لأعماله المتميزة، وتم ترشيحه لجائزة الصحافة العربية.
في حوار خاص لـ"بوابة روزاليوسف" يشارك الفنان شريف عرفة رحلته من بداياته في مدرسـة "روز اليوسف" العريقة إلى تحقيق إنجازات دولية، موضحًا كيف يعكس فنه قضايا العصر. كما يتناول الحوار تحديات الجمع بين الكتابة والرسم، إلى جانب نصائحه للشباب الطموح الراغب في تحقيق إنجازات دولية في مجال الكاريكاتير.
وإلى نص الحوار:
كيف كانت بدايتك في عالم الكاريكاتير.. حدثنا عن رحلتك حتى وصلت لهذا المستوى من الاعتراف الدولي؟
بدأت مسيرتي في مدرسة "روز اليوسف" العريقة، فأنا ابن هذه المدرسة التي تتميز بتفردها في فن الكاريكاتير، والتي اعتبرها بداية انطلاقي في هذا المجال، حيث كانت أول صحيفة تُنشر بها أعمالي وأنا في سن 19. كنت محظوظًا بحماس أساتذة كبار لهذه الخطوة، مثل الأستاذ عمرو سليم الذي له الفضل في تقديمي، والأستاذ عبد الله كمال، رحمه الله، الذي دعم مسيرتي في بداياتها، والأستاذ جمعة فرحات الذي شجعني وعرفني على الجمعية المصرية للكاريكاتير. ومع مرور الوقت، تطورت مسيرتي الفنية، وأصبحت أنشر أعمالي في أماكن عديدة، وأراسل مواقع ومعارض الكاريكاتير الدولية.
حدثنا عن الرسمة التي تم نشرها في صحيفة "لوموند" اليومية الفرنسية، وما موضوعهـا؟
تُعبر الرسمة عن تسارع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العصر الحديث وتأثيرهما البارز على حياتنا النفسية. حيث تُظهر الرسمة طفلًا يمسك بريموت كنترول يحرك به روبوتًا، بينما يلعب الروبوت بطائرة ورقية بدلاً من الطفل. فالرسمة تعكس الواقع الأليم الذي يعيشه العديد من الأطفال اليوم، وهو الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الذي أدى إلى انعزالهم عن العالم الخارجي، وحرمانهم من الاستمتاع الحقيقي بطفولتهم.
كيف تم اختيار هذه الرسمة تحديدًا للنشر في صحيفة "لوموند" اليومية الفرنسية؟
الرسمة التي نُشرت في صحيفة 'لوموند' اليومية الفرنسية هي معاد نشرها، حيث نُشرت في البداية بجريدة 'الاتحاد' الإماراتية. وبعدها أعجبت 'لوموند' بالرسمة وطلبت نشرها. وبالفعل نُشرت الرسمة في 25 من سبتمبر الماضي، في المساحة التي كانت مخصصة للفنان الفرنسي الكبير بلانتو، قبل اعتزله الرسم في عام 2021.
ماذا يعني لك أن تكون أول رسام كاريكاتير مصري ينشر في صحيفة "لوموند" اليومية الفرنسية، وكيف ترى هذا الإنجاز بالنسبة للفن المصري؟
أشعر بالكثير من الفخر والاعتزاز في كل مرة أشارك في المعارض الدولية أو أحقق إنجازًا على المستوى العالمي. يغمرني شعور بالسعادة عندما ينادونني بـ'الفنان المصري شريف عرفة'، ويزداد فخري عندما يُذكر اسم مصر في المحافل الفنية.
ماذا تعلمت من الفنان بلانتو؟ وهل يمكنك أن تحدثنا عن الرسامين أثروا بشكل كبير في مسيرتك الفنية، وكيف انعكست أعمالهم على أسلوبك وإبداعك الشخصي؟
الفنان "بلانتو" هو شخصية تاريخية في عالم الكاريكاتير، يمتاز بأسلوب فريد ومدرسة فنية مختلفة. وتعلمت منه المواظبة على الرسم اليومي، حيث حافظ على هذه العادة لفترات طويلة.
أما بالنسبة للأساتذة الذين أثروا في مسيرتي، أذكر الأستاذ عمرو سليم، فنان الكاريكاتير الوحيد الذي ينجح دائمًا في إضحاكي برسوماته، والأستاذ مصطفى حسين، الفنان التشكيلي العظيم وصاحب الأسلوب المميز والمتماسك. والأستاذ جمعة فرحات من مدرسة روزاليوسف، الذي أبدع في رسم البورتريهات بدرجة عالية من التميز، وكذلك الأستاذ محيى الدين اللباد، الذي جمعني به لقاء واحد، ورغم ذلك تعلمت منه الكثير في مجالات الكتابة، الرسم، والإخراج الصحفي، فهو علامة بارزة في الفن المصري.
وأؤمن أن التعلم لا يتوقف عند جيل معين؛ فأنا أستمر في التعلم من أساتذتي الكبار، ولا أمانع في اكتساب المعرفة من الجيل الشاب الذي يتميز بالإبداع.
باعتبارك كاتبا ورساما، هل تعتقد أن الكتابة تسهم في إثراء الأفكـار التي تقدمها في رسوماتك؟
أحيانًا يتصادف أن أرسم كاريكاتيرًا مرتبطًا بما أكتبه، لكن هذا لا يحدث دائمًا، فأنا لا أستطيع الكتابة والرسم في الوقت نفسه، فالكتابة تتطلب التركيز على الجوانب العلمية والاطلاع المستمر، وهو أمر يختلف تمامًا عن رسم الكاريكاتير الذي يعتمد على الخيال دون قيود. أما بالنسبة لرسوماتي الموجودة في كتبي، فأقوم برسمها بعد الانتهاء من الكتابة تمامًا، حيث أعود لقراءة النص بعقلية ورؤية رسام، مما يساعدني على خلق الأفكار الفنية كما لو أنني شخص آخر.
في رأيك، ما التحدي الأكبر الذي تواجهه ككاتب ورسام في الوقت نفسه، وهل ترى أن الجمع بين مهارتي الكتابة والرسم يسهم في تعزيز إبداعك؟
يُمثل كوني كاتبًا ورسّامًا في الوقت نفسه تحديًا كبيرًا، حيث أرى أن الكتابة والرسم أداتان تعبيريتان مختلفتان تمامًا، إما أن أتقمّص عقلية الكاتب أو الرسّام، فممارسة الأمرين في الوقت ذاته أمر صعب بالنسبة لي. ولكل أداة مميزاتها وعيوبها؛ فالكتابة تتيح لي مناقشة الأفكار المركّبة بعمق ومن زوايا متعددة. أما الكاريكاتير فهو لقطة مركزة تحتمل التأويل، ولا أتمكن من خلالها طرح أكثر من فكرة واحدة. لكن ما يميّز الكاريكاتير، خاصة الخالي من التعليق، هو قدرته على الوصول إلى الجمهور الدولي دون الحاجة إلى ترجمة، على عكس الكتابة التي تعتمد على اللغة، مما يجعل انتشارها أكثر تحديًا.
كيف تنعكس مبادئ علم النفس الإيجابي التي تكتب عنها في رسوماتك الكاريكاتيرية؟ وهل تجد أن الكاريكاتير وسيلة فعّالة لنقل الأفكار الإيجابية والتأثير في الجمهور بشكل مختلف؟
أرى أن الأهم في الفن هو أن يكون ممتعًا ويحتوي على أفكار تستحق التأمل، أو ربما تدفع الشخص للسخرية من أوضاع معينة، مع قدرته على إيصالها للناس بشكل بسيط. وليس من الضروري أن يكون دور الفن دائمًا توجيه رسائل توعوية أو إيجابية أو وعظية. كما لا يجب على الفنان أن يتعمد أن يكون إيجابيًا في كل رسوماته، لأن هذا التعمد يُخرج الفن من إطار المتعة والإبداع.
ما نصيحتك للشباب الذين يسعون لتحقيق إنجازات دولية في مجال رسم الكاريكاتير؟
نصيحتي للشباب ألا يركزوا على السعي وراء العالمية أو البحث عن اعتراف الآخرين بهم فقط، الأهم أن يسعوا لأن يكونوا أفضل ممن حولهم. فمن يرغب في أن يصبح عالميًا، عليه أن يضع نفسه في مستوى من سبقوه ويسعى ليكون الأفضل. فالمثابرة أمر أساسي، وتعلم اللغات المختلفة يفتح أمامهم العديد من الفرص والمدارك.
عليهم أن يطوروا أنفسهم دائمًا، ويحسّنوا من أدواتهم، وألا ييأسوا مهما كانت التحديات. فالحياة رحلة طويلة من التعلم والتطور والسعي المستمر.
ما خططك المستقبلية؟ وهل لديك مشاريع جديدة قد تخرج عن إطار الكاريكاتير المحلي إلى الساحة العالمية؟
في مجال الكتابة، أعمل حاليًا على إعداد رواية نفسية، وهي خطوة جديدة في مسيرتي المهنية. إلى جانب ذلك، مستمر في عملي الفني، حيث أشارك في المعارض الدولية والمسابقات العالمية، وعلى تواصل دائم مع المواقع المتخصصة في الكاريكاتير، وأحظى بحضور فيها.