عمرو جوهر
أين أمريكا مما يحدث في لبنان؟
لطالما كان لبنان بمثابة نقطة محورية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تميز بالانقسامات السياسية الداخلية والأزمات الاقتصادية ووجود حزب الله، وهي جماعة شيعية مسلحة مدعومة من إيران.
وبينما يستمر لبنان في النضال ضد الفساد المستشري والبنية التحتية المنهارة والمشهد السياسي الهش، تلعب الولايات المتحدة دورًا حاسمًا ولكنه معقد في شؤون البلاد.
غالبًا ما يُنظر إلى اغتيال شخصيات رئيسية، وخاصة زعيم حزب الله حسن نصر الله، على أنه نقطة اشتعال محتملة يمكن أن تزيد من زعزعة استقرار لبنان وتثير صراعًا إقليميًا أوسع.
إن فهم موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بلبنان وحزب الله وإمكانية حدوث مثل هذا الحدث المهم أمر بالغ الأهمية لفهم الديناميكيات الأوسع نطاقًا في المنطقة.
منذ عام 2019، كان لبنان في حالة من السقوط الاقتصادي والسياسي الحر، حيث انخفضت قيمة عملتها، وارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل كبير، وأصبحت الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والرعاية الصحية غير موثوقة.
لقد أدى الجمود السياسي والفساد إلى شل حكومة لبنان، ومنع الإصلاحات ذات المغزى، في حين تستمر التوترات في الارتفاع بين الفصائل الطائفية المختلفة في البلاد.
أصبح حزب الله، الذي يعمل كحزب سياسي وقوة شبه عسكرية، أحد الجهات الفاعلة المهيمنة في لبنان. بدعم من إيران، يمارس حزب الله نفوذاً كبيراً في حكومة لبنان ويسيطر على ميليشيا قوية تنافس القوات المسلحة اللبنانية.
في حين ينظر العديد من الشيعة اللبنانيين إلى حزب الله على أنه حركة مقاومة ضد إسرائيل، فإن قوته السياسية والعسكرية، إلى جانب تشابكاته مع إيران، جعلته هدفًا للعقوبات الأمريكية والعمليات العسكرية الإسرائيلية.
الدور الأمريكي
تتبنى الولايات المتحدة نهجًا متعدد الأوجه تجاه لبنان، يتميز بالمساعدات العسكرية والمساعدات الإنسانية وفرض العقوبات الاقتصادية، والتي تستهدف في المقام الأول حزب الله.
وتنظر واشنطن إلى لبنان باعتباره ساحة لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، في حين تحاول أيضا استقرار البلاد لمنع المزيد من الفوضى التي قد تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لطالما قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للقوات المسلحة اللبنانية، حيث ترى في القوات المسلحة اللبنانية شريكا حاسما في الحفاظ على الأمن الداخلي ومواجهة الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة.
وبما أن حزب الله يحتفظ بميليشياته الخاصة، فإن واشنطن تدعم القوات المسلحة اللبنانية كقوة موازنة محتملة.
ومع ذلك، فإن هذه المساعدات ليست خالية من الجدل، فقد علقت الولايات المتحدة أو راجعت مساعداتها العسكرية بشكل متكرر، معربة عن مخاوفها من أن نفوذ حزب الله السياسي على لبنان قد يمتد إلى الجيش، مما يجعل من الصعب ضمان عدم استفادة حزب الله من المساعدات الأمريكية بشكل غير مباشر.
بالإضافة إلى المساعدات العسكرية، تقدم الولايات المتحدة مساعدات إنسانية كبيرة للبنان، الذي يستضيف أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري. وكان الضغط الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن أزمة اللاجئين عاملاً رئيسياً في عدم استقرار لبنان.
وتهدف المساعدات الأميركية إلى تلبية هذه الاحتياجات، مع التركيز على توفير الغذاء والرعاية الصحية والمأوى للفئات الأكثر ضعفاً.
العقوبات على حزب الله
في صميم السياسة الأميركية في لبنان تكمن جهودها الرامية إلى الحد من نفوذ حزب الله، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة على حزب الله، استهدفت شبكاته المالية والأفراد المرتبطين بالمنظمة.
وقد اشتدت هذه العقوبات كجزء من حملة الضغط الأوسع نطاقًا التي تشنها الولايات المتحدة ضد إيران، تعتقد واشنطن أنه من خلال قطع الموارد المالية لحزب الله، يمكنها إضعاف نفوذ المجموعة في لبنان والحد من القوة الإقليمية لإيران.
ومع ذلك، أدت العقوبات أيضًا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث أصبحت العمليات المالية لحزب الله متكاملة بشكل عميق في النظام المصرفي في البلاد.
ومع تفاقم العقوبات، تعاني الطبقة المتوسطة والقطاع المصرفي في لبنان، مما يضعف البلاد بشكل أكبر ويعقد الجهود الرامية إلى استقرارها.
اغتيال حسن نصر الله.. نقطة اشتعال
يعد اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله أحد أكثر الأسباب المحتملة لصراع كبير في لبنان، وباعتباره أحد أقوى الشخصيات في لبنان، فإن نصر الله يحظى بالاحترام والازدراء في الوقت نفسه.
إن زعامة نصر الله لحزب الله منذ تسعينيات القرن العشرين عززت من مكانة الجماعة كقوة مهيمنة في لبنان ولاعب رئيسي في استراتيجية إيران للنفوذ الإقليمي.
إن اغتيال نصر الله من شأنه بلا شك أن يرسل موجات صدمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولن يؤدي مثل هذا الحدث إلى زعزعة استقرار لبنان فحسب، بل قد يؤدي أيضًا إلى رد عسكري مكثف من حزب الله، مما قد يؤدي إلى صراع كامل النطاق مع إسرائيل.
اعتبرت قوات الدفاع الإسرائيلية حزب الله أحد أخطر خصومها، نظرًا لمخزون الجماعة من الصواريخ ووجودها العسكري على الحدود الشمالية لإسرائيل.
ستكون الولايات المتحدة أيضًا متورطة بشكل عميق في تداعيات اغتيال نصر الله، وفي حين لا يوجد دليل يشير إلى تورط الولايات المتحدة المباشر في مثل هذه العملية، فإن الدعم الأمريكي للأفعال الإسرائيلية في المنطقة من شأنه أن يدفع الكثيرين إلى إلقاء اللوم على واشنطن لدعم أو تسهيل الحدث.
وقد يؤدي الاغتيال إلى إشعال فتيل هجمات انتقامية على المصالح الأمريكية في المنطقة وتصعيد التوترات مع إيران، والتي من المرجح أن تضاعف دعمها لحزب الله.
إن عواقب مثل هذا العمل ستكون وخيمة على لبنان، ومن المرجح أن يلجأ حزب الله، الذي أصبح راسخًا بالفعل في الهياكل السياسية والعسكرية في لبنان، إلى الانتقام العنيف، مما يغرق البلاد في المزيد من الفوضى.
وقد ينهار النظام السياسي الهش في لبنان بالكامل، مما قد يجر البلاد إلى حرب أهلية أخرى، تمامًا مثل تلك التي دمرت البلاد من عام 1975 إلى عام 1990.
نظرًا للمخاطر العالية، فإن النهج الأمريكي تجاه لبنان في أعقاب اغتيال نصر الله سيكون بالغ الأهمية، ومن المرجح أن تواجه واشنطن قرارًا صعبًا بشأن ما إذا كانت ستدعم الإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله أو تسعى إلى اتخاذ تدابير دبلوماسية لمنع صراع إقليمي أكبر.
ومن المرجح أن تواصل إدارة بايدن، مثل أسلافها، استراتيجية المشاركة الحذرة في لبنان، إن الولايات المتحدة لا تزال متورطة بشكل عميق في لبنان، ولكن نفوذها مقيد بالديناميكيات المعقدة على الأرض.
إن اغتيال حسن نصر الله من شأنه أن يشكل نقطة تحول، مع إمكانية إطلاق العنان لموجة من العنف وعدم الاستقرار التي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط.