الشيخ محمود غيط: أخلاق النبي ﷺ كانت من أهم وسائل دعوته
سلوي عثمان
أكد الشيخ محمود غيط من علماء وزارة الاوقاف أن النبي ﷺ نشأ من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظاته محليا بكل خلق كريم مبتعدا عن كل وصف ذميم فهو أعلم الناس وأفصحهم لسانا وأقواهم بيانا وأكثرهم حياء يضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف أدبه الله فأحسن تاديبه مشيرًا الي انه صلي الله عليه وسلم ارجح الناس عقلا وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكملهم قوة وشجاعة، وأصدقهم حديثاً، وأوسعهم رحمة وشفقة، وأكرمهم نفساً، وأعلاهم منزلة، ويكفيه شهادة ربه عز وجل له بقوله:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } "القلم:4".
وقال الشيخ محمود غيط إن كل خلق محمود يليق بالإنسان فله - ﷺ - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك القاصي والداني، والعدو والصديق، ومن ثم كانت مكارم الأخلاق، سمة بارزة في قول النبي ـ ﷺ ـ وفعله وسيرته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ـ ﷺ ـ، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر ، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق )( البخاري ).
ويشير غيط الي ان اخلاق النبي صلي الله عليه وسلم كان لها الاثر الطيب في دخول الناس للاسلام فعندما سأل النجاشي ـ ملك الحبشة ـ جعفر بن أبي طالب : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟، قال جعفر : أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات .. .
ويقول غيط ان أخلاقه ـ ﷺ ـ كانت من أهم وسائل دعوته للناس، وخاصة قريش الذين عايشوه صبيا وشابا قبل بعثته، وكانوا يسمونه "محمد الأمين"، ومن ثم أعلنها رسول الله ـ ﷺ ـ واضحة:( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ( أحمد ).
وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ:( خدمت رسول الله ـ ﷺ ـ عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعتُه لم صنعتَه، ولا لشيء تركته لِم تركته، وكان رسول الله ـ ﷺ ـ أحسن الناس خُلقا ) ( البخاري ).
ويقول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:( لم يكن النبي ـ ﷺ ـ فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول ـ ﷺ ـ : إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) (متفق عليه).
وكيف لا يشهد له العدو والصديق بمكارم الأخلاق، وقد هذبه القرآن وربَّاه، ولما سأل سعد بن هشام ، أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق النبي ـ ﷺ ـ؟، قالت له: ( ألست تقرأ القرآن؟، قال: بلى، قالت: فإن خلق النبي ـ ﷺ ـ كان القرآن ) ( مسلم ).
وكان حسن أخلاقه ـ ﷺ ـ يشمل ويعم جميع من حوله، فكان ـ ﷺ ـ يعامل زوجته بالإكرام، والود والحب، والتلطف والمداعبة،ويقول:( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) ( الترمذي )، وكان يعين أهله ويساعدهم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:( كان رسول الله ـ ﷺ ـ يخيط ثوبه، ويخصف نعله ) ( أحمد ). فكان عطوفا ودودا طوال حياته مع أهله، حتى مع مرضعته حليمة السعدية ـ رضي الله عنهاـ، كان يفرش لها رداءه، ويعطيها من الإبل ما يغنيها في السنة الجدباء.
ويلفت غيط الي ان النبي صلي الله عليه وسلم كان مع أصحابه يؤلفهم ولا ينفرهم، ويتفقدهم ويعودهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، حتى يظن جليسه أنه ليس أحدٌ أكرم منه، وكان لا يواجه أحداً منهم بما يكره.
وكان ـ ﷺ ـ مع كثرة أعبائه ومسؤولياته، يداعب طفلا ويسأله عن عصفور لديه، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ ﷺ ـ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، كان يقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير(طائر صغير يشبه العصفور) ) ( البخاري ).
بل شمل عطفه ووده وحسن خلقه الحيوان، فكان يقرب للهرة(القطة) الإناء لتشرب .
ويضيف الشيخ محمود غيط حديثه بقوله انه من حياته وسيرته ـ ﷺ ـ نرى حسن أخلاقه حتى مع أعدائه، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ:( أن يهود أتوا النبي ـ ﷺ ـ، فقالوا السام (الموت) عليكم، فقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم، فقال ـ ﷺ ـ : مهلا يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟، قال: أولم تسمعي ما قلتُ؟، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في ) ( البخاري ).
بل انظر إلى شفقته ـ ﷺ ـ مع من آذاه.. فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال:( كأني أنظر إلى رسول الله ـ ﷺ ـ يحكي نبيا من الأنبياء (يعني نفسه)، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ( البخاري ).. وحينما تعرض له أهل الطائف بالضرب والإيذاء، جاءه ملَك الجبال ليطبق عليهم الجبلين، فرفض النبي ـ ﷺ ـ، وقال : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا )( البخاري ) .
قال القاضي عياض رحمه الله: وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ ﷺ ـ..