فن الدبلوماسية .. والإعلام الدبلوماسي السياحي
كثيرٌ من المفاهيمِ التَّكتيكيَّة اِختلفَ في البعثات الخارجيَّة ومركز الوزارة المرسِل لخططِ العملِ الوارد تطبيقها بأعلى درجات الحرفيَّة. وبما أنَّ هذه البعثات تعتمد اعتمادًا كُليًّا على فنِّ ومهارات الدبلوماسيَّة لمختلفِ الدَّرجات الوظيفيَّة وحتَّى محاسبِ السّفارة؛ لكونه يُمثِّل بلده في البعثة مع بقاء المفاهيم الاستراتيجيَّة لدَى البعثة دُونَ تغيُّر استنادًا إلى المصالح المتبادلة بَيْنَ الطَّرفَيْنِ. المدارس والمعاهد الدبلوماسيَّة المُتخصِّصة ـ في أوروبا عامَّة وفي المملكة المُتَّحدة خاصَّة ـ تُغيِّر من مسار فنِّ الدبلوماسيَّة وتبعُد قليلًا عن الرُّكون والتَّقوقعِ في مقرِّ السّفارة إلى الخروج إلى ساحة العمل بأعلى درجات النَّشاط والهِمَّة العالية؛ لغرضِ التَّعريف بالبلدِ وإمكاناته بمختلفِ المجالات ومِنْها السِّياحيَّة. بدأت هذه المدارس بإنشاء أقسام بالكُليَّات العريقة في نهاية القرن الماضي بتأسيس مفاهيم ونظريَّات (الدبلوماسيَّة السِّياحيَّة)، وإدخالها كجزءٍ أساسي في جوهر مهارات واجبات الدبلوماسيِّين في البعثات الخارجيَّة، مؤكِّدين على كفاءة وحنكة الدبلوماسي بمفاتيح بلده بمجال السِّياحة، بحيث ربطتِ السِّياحة بالصُّندوق السِّيادي والموازنة الماليَّة الختاميَّة لكُلِّ بلدٍ؛ لكونها ترفد من مدخولات الدَّخل القومي للفرد، بالإضافة إلى تنمية وتطوير بقيَّة المجالات ومن ضِمْنها تشغيل الباحثين عن العمل. بدأ الدبلوماسيُّون المُخضرَمون بدراسة أصول وأنواع السِّياحة والمردودات الماليَّة الَّتي سوف تجلبُ إلى البلد ومدَى تأثيرها على العلاقات الدبلوماسيَّة، سواء على المستوى السَّياسي أو الاقتصادي للطَّرفَيْنِ مستبعدينَ التَّوتُّر واختلاف الأيديولوجيَّات بَيْنَ البلدان، سواء الانتماء إلى المعسكر الشُّيوعي الشَّرقي أو المعسكر الرَّأسمالي الغربي واضعينَ نصْبَ أعْيُنِهم الفوائد الجمَّة من خلال الاستثمار السِّياحي للبلد. من أهمِّ الأولويَّات الواجب اتِّخاذها الَّتي وضَعَها الخبراء في هذا المجال هو الإعلام الدبلوماسي السِّياحي. والمقصود فيه أن تمارسَ السّفارة دَوْرها الإعلامي بِنَشْرِ مُقوِّمات السَّياحة بمختلفِ أنواعها في ساحة عملِهم بعيدًا عن التَّخندق في مكاتب السّفارة أو الأداء الإداري الرّوتيني المعتادِ، وإناطة المسؤوليَّة لأحَد الدبلوماسيِّين العاملين بالسّفارة والَّذي يجِبُ أن يكُونَ متسلِّحًّا بأعلى درجات الإعلام ووسائل الاتِّصال والتَّواصُل بمختلفِ أنواعه؛ لغرضِ الوصولِ إلى أكبرِ عددٍ ممكن من شرائح المُجتمع، سواء الرَّسميَّة أو القِطاع الخاصّ أو مجموعات المُجتمع، بالإضافة إلى عمل الدِّعايات التليفزيونيَّة على المنصَّات المُختلفة والمُتاحة ضِمْنَ الخططِ الموضوعة والأمنيَّة مع اتِّخاذ الاحتياطات الأمنيَّة من استغلال الشَّركات الأخرى للمفردات الَّتي سوف تروّج لها مُحقِّقةً الدِّعاية لها بصورةٍ غير صحيحة. المُقوِّمات السِّياحيَّة في كُلِّ بقاعِ الأرض موجودة منذُ الأزل فقَدْ أنعمَ الله عَلَيْنا بها، وعلى العقول النيِّرة الأكاديميَّة والوطنيَّة إبراز هذه المُقوِّمات لكافَّة الشَّرائح من خلال العمل الدؤوب، وهذا لا يأتي إلَّا بالإعلام الدبلوماسي السِّياحي الرَّصين الَّذي هدفُه الأساس التَّرويج لمُقوِّمات بلدِه السِّياحيَّة؛ فنلاحظ هناك شركات بريطانيَّة تخصَّصت في التَّرويج للقلاعِ التَّاريخيَّة في اسكتلندا، وهناك أخرى تخصَّصت في التَّرويج فقط لمعالِم نهر التَّايمز، وأخرى تأخذُك إلى الفرقاطة النَّوويَّة في نهر التَّايمز الَّتي خرجت عن الخدمة بعد الحرب العالَميَّة الثَّانية، وكذلك في روسيا، ثمَّة شركات مُتخصِّصة للتَّرويج عن المتاحف تقريبًا (عددها أكثر من 30)، حيث تأخذك لزيارةِ أفضلِ المتاحف، ومِنْها أرموري التَّاريخي، متحف علوم، متحف الدير الحكومي وقصر الشِّتاء.. وغيرها من المتاحف المُتخصِّصة في كُلِّ مجال، وهذا لم يأتِ من فراغ، وإنَّما جاء من عقولٍ أكاديميَّة مُتخصِّصة معتمدة على الإعلام الدبلوماسي السِّياحي بِنَشْرِ هذه المعلومات، وبالتَّالي تحقيق الهدف المنشود. الإعلام الدبلوماسي السِّياحي يعتمد بالدَّرجة الأساس على الموارد البَشَريَّة المُثقَّفة وذات هِمَّة وحِرفيَّة عاليَّة وتعمل ليل نهار بعيدًا عن بصمة الدَّوام اليوميَّة؛ لأنَّ الإعلام لا يعرفُ تَوقيتات مع الأخذ بالاعتبار فَرق الوقت بَيْنَ البلدان. الإعلام الدبلوماسي السِّياحي هو الَّذي يتعامل مع كيفيَّة التَّرويج وتعزيز الوجهات السِّياحيَّة بمختلف أنواعها وحتَّى الأكاديميَّة والثقافيَّة والطبيَّة.. وغيرها عَبْرَ وسائل الإعلام المختلفة، واستخدام استراتيجيَّات إعلاميَّة لجذبِ الزوَّار وتسويق الوجهات السِّياحيَّة، من خلال أدوات مِثل (الإعلانات: وسائل التَّواصُل الاجتماعي: المواقع الإلكترونيَّة المُدوَّنات والمراجعات: العلاقات العامَّة الصوَر والفيديوهات. الإعلام الدبلوماسي السِّياحي يؤدِّي دَوْرًا حيويًّا في بناء صورة إيجابيَّة للبلدِ من ناحية الجانب الأمني والاستقرار الاقتصادي، ممَّا يساعد في جذب الزوَّار وتحقيق أهداف التَّنمية السِّياحيَّة. الإعلام الدبلوماسي السِّياحي هو مجالٌ متنوِّع ومُتخصِّص يركِّز على إدارة وتوجيه الرسائل الإعلاميَّة المرتبطة بالشُّؤون الاقتصاديَّة السِّياحيَّة والَّذي يهدف إلى تعزيز التَّواصُل الفعَّال بَيْنَ الدوَل. في الختام، إنَّ الإعلام الدبلوماسي السِّياحي يساعد الدوَل في إدارة سُمعتها الدّوليَّة بأفضل ما يكُونُ من ناحيَّة الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي والثَّقافي، وبناء علاقات قويَّة مع الشُّركاء الدّوليِّين بمختلف مُسمَّياتهم.دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت