فن الدبلوماسية .. والإعلام عملة واحدة ذات وجهين
يُعَدُّ الإعلام بكافَّة أنواعه هو الواجهة الرئيسة لكُلِّ العلوم والأنشطة ومجالات الحياة، سواء الرسميَّة أو الاجتماعيَّة، ولذلك فإنَّ البعثات الخارجيَّة تعتمد اعتمادًا كُليًّا على حرفيَّة وحنكة وكفاءة السَّفير أو رئيس البعثة من خلال تحرير نشرة إخباريَّة صحفيَّة وإعلاميَّة لا تزيد عن صفحة واحدة باللُّغات المعتمدة في مجلس الأمن توزَّع عن طريق (فاكس) أو الوسائل المُتاحة لنشْرِ هذه الصحيفة الإعلاميَّة الَّتي تتضمن خلاصة لجميع أخبار بلده ومِنْها:(السياسيَّة، الاقتصاديَّة، الصحيَّة، الثقافيَّة، الأكاديميَّة، الرياضيَّة، السياحيَّة، الاستثمارات وفرصها).. وغيرها من الأبواب الَّتي لها تأثير على الجهة المُستقبلة.
وبالتَّالي فإنَّ السّفارة أو البعثة تكُونُ هي المُرسِل، ومن خلال هذه المهِمَّة والعمل فإنَّ البعثة أو السّفارة اعتمدت كثيرًا على الإعلام لنشْرِ الأهداف المركزيَّة المرسومة لها لغرضِ تحقيقِ التَّكتيك والاستراتيجيَّة المُخطَّط لها. ويُعَدُّ السَّفير أو رئيس البعثة هُنَا بمقام الإعلام لبلده مستخدِمًا الطُّرق الدبلوماسيَّة المعروفة، وكما هو معروف فإنَّ فنون الدبلوماسيَّة في القرن الماضي اختلفت كثيرًا عن وقتنا الحاضر من حيث المصداقيَّة وتبادُل المصالح وبناء الثِّقة في العلاقات الثنائيَّة، وبدأت سياسة الأقطاب وفرض القوَّة والعضلات من خلال استخدام الإعلام المُخيف، وهذا ما نلاحظه عندما يُصرِّح المُتحدِّث الرَّسمي للبيت الأبيض بتحرُّك أساطيل حاملات الطَّائرات إلى منطقة الشَّرق الأوسط بسبب الأحداث السَّاخنة بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنيَّة، لذلك يُعَدُّ الإعلام هو الواجهة الحقيقيَّة لإظهار هُوِيَّة الحدَث للعالَم وللجمهور الَّتي ستحدُث.
اهتمَّت الجامعات الأوروبيَّة وخصوصًا في بريطانيا بالمجال الإعلامي، وبدأت تتعمق في هذا العِلم وتردف فيها العلوم والمجالات الأخرى ضِمْن أجندة وسِمات ومقرَّرات ذات نظريَّات ومفاهيم مخصَّصة لكُلِّ عِلم، ومن أشْهَر المجالات الَّتي تُدرَس الآن، مِنْها:(الإعلام الدبلوماسي، السياسي، الصحِّي، الاقتصادي، النفطي، العسكري، الثقافي، الأكاديمي، الرياضي، النسائي، الذَّكاء الاصطناعي، والاتِّصالات).. وغيرها من المجالات والَّتي وضعتْ لها الأُسُس للتَّعامل معها.. فالمُراسِل العسكري غير المُراسِل الصحفي الاقتصادي، وكذلك بقيَّة الفروع.
وتُعَدُّ الدبلوماسيَّة والإعلام بأُسُسها السَّليمة هي الطَّريق النَّاجح للتَّعامل مع جميع القضايا والإشكاليَّات والعقبات الَّتي تواجه المؤسَّسات، كما يُمكِن استخدامها لتحقيقِ التَّوازن بَيْنَ المصالح ووجهات النَّظر المختلفة، وهي الجزء الأهمُّ في تحقيق الأهداف المطلوبة للمؤسَّسات، وهذا ما يتمُّ التَّأكيد عَلَيْه من قِبل المدارس والمعاهد الدبلوماسيَّة المتخصِّصة في صقل وتطوير مهارات الدبلوماسيِّين لجميعِ الدَّرجات؛ لكونها هي البوَّابة للتميُّز والانفراد على قمَّة هرم الإعلام والدبلوماسيَّة، وتحقيق الأهداف المَرجوَّة والمرسومة لَهُم في اقتناص أفضل الفرص على مختلف مُسمَّياتها، وبالتَّالي فإنَّ البعثة المتميِّزة ـ برأيِ أغْلَبِ المدارس المختصَّة ـ هي الَّتي تتميَّز بتطبيق مبادئ الإعلام المبرمَج الحديث ضِمْن بوتقة (التَّخطيط والتَّنفيذ والدِّعاية والمتابعة).
يُعَدُّ المجال الإعلامي والدبلوماسيَّة من أهمِّ المجالات الوظيفيَّة الَّتي تكُونُ مرآةً وانعكاسًا لجهود جميع العاملين بهذا القِطاع، فهو الممثِّل للبعثة أو المقرُّ الرئيس للشَّركة أو الجهة الحكوميَّة. فمن خلالها يصل المنتَج أو الخدمة إلى الجمهور والنَّاس، حيث يهدف الإعلام وبشكلٍ أساسي للوصولِ إلى أكبر عددٍ من النَّاس وبكافَّة الطُّرق التَّقليديَّة والحديثة، ونظرًا لأهميَّة هذا المجال واهتمام أشْهَر الشَّركات والدوَل به والمنافسة على تقديم أفضل الطُّرق الإعلاميَّة، أصبحت هناك دَوْرات تدريبيَّة كثيرة جدًّا في الإعلام وخصوصًا بعد إدخال الذَّكاء الاصطناعي عَلَيْها. الإعلام الدبلوماسي الحديث هو النَّاطق الرَّسمي للدَّولة عن طريق وزارة خارجيَّتها والَّذي يتميَّز بالسُّرعة والمصداقيَّة، وبالتَّالي يتطلب كادرًا مُحنَّكًا متمرِّسًا؛ لكونه يعكس حقل السِّياسة الخارجيَّة والدّوليَّة بَيْنَ طرفَيْنِ والتَّأثير الَّذي يُمثِّله من خلال مهارات الاتِّصال والتَّواصُل والتَّخاطب؛ لأنَّه يُمثِّل الجهة الرَّسميَّة المعتمدة مع الاحتفاظ بالخصوصيَّة الوطنيَّة والتَّعبير عن أهدافها ومصالحها وحضورها وتطويرها، وأنَّ الإعلام الدبلوماسي الحديث عَبْرَ وسائل التَّواصُل الاجتماعي بمختلف تفرُّعاته واجبُه الرئيس هو إقامة جسور تواصُل بَيْنَ الجميع تستند إلى الحقائق الثَّابتة والصَّادقة بعيدًا عن التَّزييف والمراوغة وإيصال المعلومة بأسرع ما يكُونُ؛ لأنَّ ذلك يُدلِّل على الاحترافيَّة المهنيَّة والحنكة الدبلوماسيَّة الإعلاميَّة. الإعلام الدبلوماسي الحديث الَّذي اعتمد بصورةٍ خاصَّة على وسائل التَّواصُل الاجتماعي بحيث أصبح للوزارة الخارجيَّة في أغْلَبِ دوَل العالَم موقع خاصٌّ بها للتَّعبير عن رأيها الرَّسمي الصَّادق بأسرع ما يكُونُ لأيِّ حدَثٍ محدود المعالم، ولا يتجاوز التَّفاصيل أو مراسم البروتوكولات الدّوليَّة، ومثال ذلك:(رسالة تنديد بعمل إرهابي، تعزية بسبب كوارث طبيعيَّة (إعصار، فيضانات، بركان)، حوادث قطارات.. وغيرها من الأمور الَّتي لا تمسُّ سيادة الدَّولة وبروتوكولاتها الرَّسميَّة).
في الختام، إنَّ الإعلام هو وظيفة إداريَّة في غاية الأهميَّة وتُبنى بشكلٍ جوهري على العنصر البَشَري وكاريزما الشَّخص أو الأفراد وهُوِيَّتهم وطبيعة أهدافهم ومعتمدة بالدَّرجة الأساس على الإتيكيت الحكومي النّموذجي باستخدام الوسائل التكنولوجيَّة الحديثة، مبتعدين عن الرَّتابة المنقولة.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت