"فورين بوليسي" تتساءل عن هدف هجوم أوكرانيا على منطقة كورسك الروسية؟
أ.ش.أ
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية منذ عدة أيام على منطقة كورسك الحدودية الروسية، وشهد مقاومة محدودة أثناء عملية التوغل والاستيلاء على العديد من البلدات هناك، أدى إلى تعزيز الروح المعنوية بشكل كبير في أوكرانيا، خاصة في ظل المكاسب الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة الروسية في الأشهر الأخيرة من الحرب الروسية الأوكرانية.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن كييف ظلت لأكثر من أسبوع صامتة بشأن أهداف التوغل المفاجئ الذي نفذته يوم السادس من أغسطس الجاري، دون إخطار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل تنفيذه، لافتة إلى أن كييف كانت متحفظة في البداية بشأن حقيقة حدوثه، قبل أن يؤكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي يوم الأحد الماضي فقط أن القوات الأوكرانية تقاتل في روسيا، وأن العملية مسألة تتعلق بالأمن الأوكراني، حيث استخدمت روسيا منطقة كورسك لشن ضربات ضد أوكرانيا.
ونوهت المجلة إلى أنه في ظل المعلومات المحدودة للغاية حول العملية وصمت المسؤولين الأوكرانيين، جمع المحللون ما يمكنهم عن العملية باستخدام صور مفتوحة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، مع التدقيق فيما يقدمه مدونون عسكريون روس.
وتتمثل إحدى النظريات المهمة حول أهداف العملية، وفقا لمحللين، أن التوغل كان يهدف إلى إحباط التقدم الروسي في ساحات المعارك الرئيسية في أوكرانيا ودلل مايكل كوفمان، الزميل البارز في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، على هذا الطرح بالقول إن: "الهجوم جرئ، ولكنه محفوف بالمخاطر.. ومن المرجح أن تزعم أوكرانيا أن هذه العملية ستجبر الجيش الروسي على نشر قوة أكبر بكثير لمواجهة هجومه، وبالتالي إضعاف عملياته في دونيتسك “المدينة المهمة في جنوب شرق أوكرانيا".
ونبهت "فورين بوليسي" إلى أن روسيا لم ترد حتى الآن على هذا التوغل سوى بنشر عدد محدود من الطائرات بدون طيار، وأن القوات الأوكرانية التي تتوغل في كورسك الروسية لا تتمتع بحماية فعالة هناك، وأنه إذا لم تتمكن كييف من تعزيز قواتها من قوات الاحتياط، فقد تستنزف أوكرانيا قواتها في حالة هجوم روسي مضاد آخر.
ويرى معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث عسكري مقره واشنطن، أنه حتى مع توغل أوكرانيا في منطقة كورسك، فإن روسيا ما تزال تتقدم على طول عدة محاور أخرى من خط المواجهة في شرق أوكرانيا، مثل فوفشانسك، في ضواحي خاركيف؛ وفي مناطق دونيتسك جنوب شرق أوكرانيا، بما في ذلك تشاسيف يار وتوريتسك.
كما أن هذه الخطوة “التوغل”، وفقا لوزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاجورودنيوك، سمحت لأوكرانيا باستلام زمام المبادرة في جزء من الصراع، الأمر الذي جلب فوائد نفسية وعملياتية مهمة لقواتها.
وحول عواقب العملية، ترى "فورين بوليسي" أنه على المستوى التكتيكي، يهدد القتال المستمر على الأراضي الروسية بإفشال جهود إدارة بايدن لاحتواء الصراع. وقد تجلى ذلك في تأكيد مسؤولين أمريكيين سابقين أن عملية التوغل المفاجئة تركت الإدارة الأمريكية في موقف محرج، حيث اضطرت إلى الوقوف علنا ودعم تصرفات الأوكرانيين على الرغم من التحفظات الداخلية بشأن جهود وضع حد لهذه المعارك.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن أوكرانيا ربما تحاول من خلال هذه العملية الضغط على المسؤولين الأمريكيين وإثارة مسألة تسريع تسليم الأسلحة، خاصة في ظل تفوق الروس على الأوكرانيين في معدلات إطلاق النار.
وحول السيناريوهات المحتملة، يرى المحللون عددا من السيناريوهات المستقبلية لعملية أوكرانيا في كورسك. فمن جانبه، يرى مايكل كوفمان، الزميل البارز في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أن "أوكرانيا قد تستغل نجاحها وتسعى إلى الضغط على القوات الروسية في أماكن أخرى، أو السعي إلى ترسيخ وجودهم بهدف مبادلة الأراضي في مفاوضات لاحقة". بدوره، يرى وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاجورودنيوك أن كبار القادة في أوكرانيا ربما خططوا أيضا لعدد من السيناريوهات المختلفة للعملية اعتمادا على حجم وطبيعة الاستجابة الروسية.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أن هذه العملية “كورسك” تعد الثانية خلال نحو عام ويتم فيها تحدي سيطرة موسكو على أجزاء من أراضيها. ففي يونيو من العام الماضي، قادت القوات الموالية لرئيس مجموعة فاجنر، يفجيني بريجوزين، انتفاضة قصيرة الأمد في جنوب روسيا، واستولت على المقر العسكري في مدينة روستوف. وعلى الرغم من قمعها بسرعة، إلا أن التمرد كان مصدر إحراج للكرملين، وتوفي بريجوزين في ظروف غامضة في حادث تحطم طائرة بعد شهرين.
وتؤكد دارا ماسيكوت، الزميلة بمؤسسة كارنيجي، أنه عندما يواجه الكرملين هذا النوع من الإحراج، فإن استجابته تكون دائما الإفراط في بادئ الأمر في التصحيح ثم اتخاذ إجراءات صارمة لاحقا، وهو ما سيفعلونه “موسكو” بكل تأكيد خلال الفترة المقبلة في هذه المنطقة “كورسك”.