عاجل
الجمعة 30 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مشروع وزارة الثقافة الجديد في التحول الرقمي.. قراءة في العدالة الثقافية

مشروع وزارة الثقافة الجديد في التحول الرقمي.. قراءة في العدالة الثقافية

من متابعتي لتفكير المهرجان القومي للمسرح هذا العام بدعوة فتيات البرشا واللواتي حصدت جائزة مهرجان كان للفيلم الذي يوثق تجربتهم للحديث عن تجربتهم للحديث عنها في المحاور الفكرية للمهرجان. 



 

ومن تصريح عابر للأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة المصري عن التحول الرقمي صرح به لموقع صدى البلد الإخباري، بأن مشروعه الأهم في الثقافة المصرية هو التحول الرقمي، ولأن مسألة التحول الرقمي وعلاقتها بالثقافة تشكل لي هاجساً متصلاً منذ وقت بعيد، مع تعاظم تأثير الشبكة الدولية للمعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على التواصل الأكثر تأثيراً في عالمنا المعاصر على الصعيد الداخلي والخارجي معاً، فلذلك أود المشاركة ببعض الملاحظات حول الأمر، في إطار تأمل مستقبل التحول الرقمي وعلاقته بالسكان في مصر، في إطار قراءة مسألة المركز والأطراف في الثقافة المصرية. 

ومع ظهور عادة جديدة للقراءة، هي القراءة الرقمية، عبر طريقة مركبة وهي ما تسمى بالقراءة المركبة، والتي يقرأ فيها الجيل الجديد من القراء الإلكترونيون في كتاب ما، وإذ يستوقفهم أمراً ما يذهبون لنقاط قراءة أخرى في مواقع أخرى لكتب أخرى لتعميق القراءة الأولى، مما يجعلنا بالضرورة نثمن القراءة الإلكترونية وعمقها ونعيد النظر في النشر الرقمي وإمكانياته المذهلة، خاصة مع قدرات جديدة تفتح آفاقاً مذهلة للكتابة عبر الذكاء الاصطناعي، وواحدة من المواقع المتاحة الآن للكتابة تستجيب للطلبات التي يطلبها الباحثون وهي Aithor.com وهذا موقع إلكتروني يعمل بالذكاء الاصطناعي وقادر على كتابة الأبحاث بلغة علمية، أو لغة عادية وبعدد الكلمات والصفحات المطلوبة وبتوثيق بالمصادر والمراجع العلمية، كما يسمح بالتدخل البشري بعد إتمام الكاتب الإلكتروني عمله، مما يثير الكثير من الآمال والمخاوف على عملية الكتابة ذاتها، وهكذا تستطيع التكنولوجيا في صنع بصمات الصوت وطبيعة الجسد الإنساني، وإعادة إنتاج صوره وحركته والأماكن والأزمنة التي يتحرك فيها، مما يوفر فيضاً كبيراً من الصور المسموعة المرئية دون الحاجة لوجود تواجد حقيقي، فقط يحتاج الأمر للتدريب وحسن إدارة الذكاء الاصطناعي. 

وإذ يبقى هذا الأفق متاحاً أمام الثقافة المصرية، إلا أن الفنون التعبيرية التي يصنعها البشر ويقدرون فيها على الابتكار والإبداع تبقى هي الأكثر جاذبية، وهي الأصل الذي حافظ عليه العالم كله، بجوار قدرات التكنولوجيا المعاصرة، خاصة قدرة الحضور الإنساني الجماعي وجماليات المشاهدة الجماعية في فنون مثل المسرح والسينما والعروض الموسيقية والأدائية جميعها، مما يدعونا لضرورة الحفاظ عليها وتطوير البنية التحتية لها، وتوفير البيئة اللازمة الحاضنة للإبداع. 

 

 

ولكن يبقى العالم الرقمي أيضاً ضرورة موحية وقادرة ومهمة، مع تكرار ظاهرة الاحتفاء في العاصمة بفرقة البرشا أود أن أذكر القائمين على رسم السياسة الثقافية في التحول الرقمي بأنه لا توجد فعالية واحدة في قرية البرشا ذاتها في كل الاحتفالات السابقة والآنية بهذه الجائزة وبالفتيات المبدعات، بينما يمكن أن تكون التكنولوجيا الأثيرية قادرة على نقل المكان في المنيا في صعيد مصر، للمركز في العاصمة القاهرة ولكل أنحاء العالم. 

ففي التحول الرقمي لا توجد مراكز واقعية هي المركز الأول والباقي هو الأطراف. 

 

 

إذ تستطيع الأطراف عبر قدرة البث الإلكتروني وجودته على أن تصبح مركزاً جديداً من مكانها، في أي موقع من الأطراف التقليدية البعيدة في مصر بحساب ثقافة المركز والأطراف التقليدي. 

 

 

وما يؤرقني حقاً هو قدرة المركز في العاصمة الثقافية القاهرة على إخلاء أهم وأبرزا الفاعلين في الأطراف، بجذبهم إليها عبر الاحتفاء والإشادة، ثم يلي ذلك الانتقال من الأطراف إلى المركز مادياً ومعنوياً وتخلو الأطراف من مبدعيها المتميزين بالتدريج. 

 

وهذه المسألة ذات تاريخ طويل في مصر في علاقة المركز بالأطراف في عملية التبادل الثقافي، ورغم أن الأطراف بما ترسله من أفكار وإبداعات ظلت سنوات طويلة هي التي تغذي المركز بكل ما هو إيجابي وسلبي معاً بما فيها ثقافة التريف التي زحفت إلى العاصمة فجعلتها مزيجاً من الريف والمدينة معاً مما شوه إلى حد ما ملامحها وثقافتها، فلم تعد مدينة بمعنى فضاء المدينة المتعارف عليه، وهي لا يمكن أن تصبح ريفاً أيضاً بطبيعة الظروف الموضوعية. 

ولذلك فيجب أن تتحول البرشا إلى مركز إبداعي في مكانها، حتى لا ترحل المبدعات خارج الوطن وخارج بيئتها الإبداعية الأصلية. 

 

 

ولذلك فالتكريم الحقيقي يكون بدعم وبتوفير الإضاءة الإعلامية والاحتفاء هناك في صعيد مصر، مع تهيئة الظروف الإبداعية لتكرار عروضاً مسرحية وأفلاماً جديدة من هناك. 

 

 

وفي هذا أتمنى أن يكون مشروع أ.د أحمد فؤاد هنو متأسساً على إعادة إنتاج الأطراف كمراكز ثقافية كبرى في أماكنها الأصلية.

 

وذلك في إطار العدالة الثقافية التي يجب أن تتجاوز مركزية العاصمة التقليدية في الثقافة، وتستطيع التكنولوجيا الأثيرية المتطورة في إطار التحول الرقمي فعل ذلك عبر جعل الأطراف في أقاليم مصر الثقافية مراكزاً جديدة مشعة يستطيع الجميع مشاهدة ومتابعة فعاليتها، عبر تقنيات التكنولوجيا الأثيرية بالغة الجودة.

مما يجعلنا قادرين على صناعة النجوم الجدد من الدلتا وصعيد مصر وكل الأنحاء، وهم هناك في أماكنهم الأصلية يتلقون الحقوق المادية والمعنوية والعوائد ذاتها التي تحققها مسألة الانتقال إلى العاصمة.

 

ولعل كليات الفنون الجميلة المتعددة في كافة أنحاء مصر قادرة على المشاركة الفاعلة بالتعاون مع وزارة الثقافة وأداتها الرئيسية الهيئة العامة لقصور الثقافة، لصناعة ذلك التحول الرقمي والكيفي المنتظر في الحفاظ على المبدعين في أماكنهم الأصلية، ويمكن بمتابعة فعاليات العودة للجذور أن نلاحظ بوضوح أن أهم القامات الفنية والإبداعية بدأت في الأطراف ثم ذهبت للعاصمة لتحقيق مشروعها الاحترافي.

 

وحتى يتم وقف هذا التجريف والاستقطاب للأقاليم والأطراف البعيدة عبر انتقال أصحاب المواهب الكبرى منها إلى العاصمة، فالأمر يحتاج إلى أن يصبح هذا الهدف المبدع في جذوره الأصلية نجماً متاحاً وقادراً على الإبداع في مكانه الطبيعي، وهذا ربما يجب أن يكون أحد أهم أهداف التحول الرقمي المنتظر للحفاظ على حيوية مصر كلها وللسيطرة على عملية الانتقال من الأطراف للمركز على جميع الأصعدة.

 

ويدخل في ذلك مع فرقة البرشا عدداً كبيراً من فرق الموسيقى ونجوم الغناء، والفنون البيئية، وذلك لجعل تلك الأطراف مركزاً هاماً، وقد استطاع هؤلاء الكبار في الأطراف تحقيق ذلك، فلا يمكن إنكار تجربة الفنان التشكيلي الكبير سعد زغلول على سبيل المثال في الحفاظ على الحرف التقليدية، وإنشاء بيت التللي في أسيوط، والذي جعلها مركزاً لهذا الفن التراثي في مصر، حدث ذلك لأن سعد زغلول لم يغادر أسيوط إلى العاصمة، وهى حالة نادرة وغير متكررة. 

 

 

فكيف تستمر فرقة فتيات البرشا في المنيا ويأتي إليها الزائرون من كل مكان لتتواصل الطاقات الإبداعية في أماكنها الأصلية حرصاً على التنوع الثقافي، وحفظاً للثقافة الأصلية، هذا هو السؤال الذي أود طرحه كنموذج لعلاقة المركز بالأطراف. 

 

 

وهكذا فالتحول الرقمي يجب أن يأتي في تقديري لصالح الأطراف، وليس لصالح إنتاج المركز فقط، وهو القادر على الحضور والتعبير عن نفسه ذاتياً.

 

وإذ يأتي مهرجان العلمين نموذجاً للأطراف وقدرتها على أن تصبح مركزاً بحضور نجوم المركز إليها، فهنا التفكير قابل للتكرار مع أسوان ودمنهور ودهب والغردقة، وما إلى ذلك من أطراف ثقافية متعددة. 

 

وسيعود نجوم المركز للمركز العاصمة مرة أخرى، ولكن ما هي مقدرة عواصم الأقاليم ومدنها وقراها على إنتاج نجومها الجدد، وجعلهم في صدارة المنافسة. 

 

يحتاج ذلك إلى جهد وصبر ولكنه يحتاج لسياسة ثقافية قادرة على إتاحة الأطراف مراكزاً جديدة مضيئة ولامعة لصالح الثقافة المصرية وحيويتها ولصالح التفكير العمراني والسكاني الجديد في مصر. 

 

ولا توجد قوة ساحرة قادرة على تجديد وتصحيح معادلة المركز والأطراف في الثقافة المصرية مثل قوة التكنولوجيا الأثيرية والتحول الرقمي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز