رحلة توثيقية لـزهرة الموت واستشراف مستقبلها بالحديقة
ذاكرة أشجار الأورمان في معرض فني بالمنيرة
هبة نافع
كان قرب مسكنها من حديقة "الأورمان" بمثابة طوق النجاة لها من حالة العزلة الاجتماعية التي فرضت لمواجهة انتشار فيروس كورونا بدءًا من عام ٢٠٢٠، فتوطدت علاقتها بالحديقة التي يعود تاريخ إنشاءها بمحافظة الجيزة إلى عام ١٨٧٥.في معرضها الفني المقام بالمركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة، والذي يحمل اسم "زهرة الموت: ذاكرة كلوروفيلية ممحية"، قررت "أمنية صبري" أن تعيد بناء الحديقة رمزيا من خلال فيلم متحرك، وفوتوغرافيا، وعرض لمجموعة من العينات النباتية والمواد الأرشيفية وكتاب فني، وذلك بعد غلق الحديقة منتصف العام الماضي لتطويرها.
احتفت "أمنية" خلال معرضها بزهرة الموت أو نبات الأجاف، وتسمى أحيانًا بـ "نبتة القرن"، والتي تصفها بأنها إحدى شخصيات مشهد الحديقة متعددة الطبقات، وهو نبات موطنه الأصلي المكسيك، تأقلم مع إيقاع القاهرة، وقد يعيش من عشر لثمانين سنة قبل أن يزهر، ويكون إزهاره مرة واحدة في حياته، وينتمي للعصاريات، له أوراق طويلة حادة الحواف، وقد تزيد طولها على المتر، وتظهر أزهاره على شمراخ مزهر قد يكون ارتفاعه بين ثلاث لثمان أمتار، على أطراف الشمراخ بلابل صغيرة، وهم صغار الأجاف. بعد أن يصل الشمراخ لأقصى ارتفاعه ويزهر لشهور، ترهق الآجاف من دعم بنيته العالية، وتموت النبتة المزهرة فينحني الشمراخ وتصل بلابل الأجاف للأرض لتطوي دورة حياة امتدت لسنوات وتنثر بذور حياة جديدة.
و"أمنية" خريجة فنون تطبيقية قسم فوتوغرافيا وسينما، ودرست الفنون المعاصرة في مدرسة ماس بالإسكندرية، ما دفعها للاهتمام بالنباتات هي تجاربها مع الأفلام الأنالوج التقليدية، وتركيزها على استخدام النباتات كسطح ضوئي حساس لقيامه بعملية البناء الضوئي.تقول "أمنية" لبوابة روزاليوسف إن النباتات شاهدات حية يمكن أن نوثق من خلالها التاريخ، ونتتبع من خلال حركتها ما تحفظه عن الجغرافيا التي جاءت منها وأسباب حركتها، وهل توطينها مرتبط بتاريخ الحركة الاستعمارية، ام مرتبط بحركات هجرة او نزوح لمجموعات اجتماعية حملت ثقافتها واشجارها معها في رحلتها الى مصر، وكيف تأقلمت مع البيئة الجديدة، وهل ما زالت موجودة بموطنها الأصلي؟ مضيفة أن المعرض محاولة لاستشراف مستقبل أشجار حديقة الأورمان في ظل أعمال التطوير الجارية، من خلال النظر لنبات الأجاف، فهل سيستطيع النبات إكمال دورة حياة أخرى بعد إغلاق الحديقة؟وقد التحقت "أمنية" في ٢٠٢٣ بورشة أقامتها مبادرة خرائط الأشجار في المدن المصرية والتي أطلقها عدد من أساتذة جامعة القاهرة، من كلية الهندسة المعمارية دكتور نبيل الهادي ومن كلية العلوم قسم النبات والميكروبيولوجي دكتورة ريم حمدي، التي بدأت بتوثيق الأشجار في منطقة جامعة القاهرة وحديقتي الحيوان والأورمان قبل إغلاقهما للتطوير، وإعداد خريطة تفاعلية بمعلومات مفصلة عن الأشجار بالمنطقة.
تقول "أمنية" إن الورشة ضمت عدد من المعماريين وعالمي النبات والفنانين ومحبي الأشجار، وهدفها هو رصد الأشجار في المدن المصرية، متخذة المنطقة المحيطة بحديقتي الحيوان والأورمان كنقطة بداية، ورصدت الورشة معلومات فردية عن كل شجرة من ارتفاع، وحجم قطر، والظل، وحالة الشجرة إن كانت بها أمراض ظاهرة أو تحتاج لعناية خاصة أو تقليم، وتبين هذه البيانات الشبكة المعقدة لجذور الأشجار تحت الأرض، وتوضح كيف تستحيل عمليات التطوير دون أن تؤذي بنية الأشجار الخفية الممتدة بداخل بطن الأرض.
كما تدرس البنية التحتية للحديقة من شبكات مياه الري وتقسيم النباتات ومرافق الحديقة ومعشبة الحديقة المتضمنة لمعشبة الملك فاروق والتي تضم عينات من نباتات الحديقة ووثائق عن تاريخها وموطنها الأصلي، بالإضافة لعينات من نباتات في أماكن مختلفة في مصر مثل محمية جبل علبة أو نباتات سيناء.
وأشارت إلى أنها استلهمت بعض أعمال المعرض خلال وقتها في الورشة مع زميلاتها الباحثة والرسامة رنا المحلاوي، والفنانة سلمى شحاتة والمعمارية والمعلمة مارتينا أبوعلم.
وتضيف "أمنية" أنها استعانت بالمنسقة الفنية مريم النزهي لتنسيق المعرض وإعداده فنيًا ومفاهيميًا، موضحة أنها حاولت خلال معرضها إعادة بناء الحديقة بشكل عام وإعادة بناء ربع الصباريات بشكل خاص.
ولفتت إلى أن زائر المعرض عند دخوله سيلفت انتباهه تجهيز الفيلم الذي أعدته بشكل مسرحي عن الحديقة والعمال، وبجوار التجهيز هناك مجموعة من العينات النباتية المختلفة المعروضة على مكبر ضوئي، و يمكن بالعدسة المكبرة دراسة بنيتها عن قرب، بالإضافة إلى عدد من اللوحات المعلقة على الحائط لنبات الأجاف في مراحل مختلفة من إزهاره، وبعد ذلك تتدلى من السقف مطبوعات الكلوروفيل من مشروع «ذاكرة كلوروفيلية: أن تنبت صورًا»، الممتد والمستمر منذ ٢٠١٩، وينتهي المعرض بقسم خاص عن عمل مبادرة خرائط الأشجار، متضمنا بعض الصور والوثائق البحثية، قائلة: لقد قمت بمزج رؤيتي الخاصة للحديقة وروايتي عنها مع روايات المشاركين بالمبادرة حتى نقدم صورة متعددة الرؤى لما كانت عليه الحديقة قبل غلقها للتطوير، مستعينين بوثائق أرشيفية، في محاولة لاستشراف مسار مستقبلي ممكن للحديقة وساكنيها.