عاجل
الأربعاء 28 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الديلي ميل والهكسوس.. التسلل الناعم للمركزية الإفريقية

الديلي ميل والهكسوس.. التسلل الناعم للمركزية الإفريقية

في إصرار ودأب وانتظام وتسلل ناعم يدرك انشغالنا في مصر بالعديد من القضايا الكبرى والصغرى، ومفردات الحياة اليومية المتناثرة، تواصل مراكز علمية غربية عديدة إنتاج صور تستخدم القياس العلمي والذكاء الاصطناعي معاً لوجوه العديد من المومياوات المصرية القديمة، بطريقة تصب بشكل مباشر لكنه خفي مستتر ويرتدي ثوب الحياد العلمي، في مسألة المركزية الأفريقية Afrocentrism.



 

وقد جاء ذلك في تقرير الديلي ميل البريطانية، وهو التقرير الذي تردد في عدد كبري من المواقع الإخبارية العربية الأيام القليلة الماضية.

 

ومنها تلك الصور المتعددة التي تم رسمها للملك الشجاع سقنن رع وهو الفرعون المصري المحارب الذي قاتل الهكسوس واستشهد في حربه هذه دفاعاً عن مصر.

وأخطر ما في التقرير إشارة تبدو عابرة للهكسوس إذ يرى التقرير: "احتل الهكسوس مصر السفلى والوسطى، وهم سلالة من أصل فلسطيني حكمت من مدينة أفاريس في دلتا النيل".

وهي إشارة خطيرة تحاول إنتاج عدوان تاريخي قديم على مصر في صيغة محددة ومن مكان محدد، وهو احتلال جاء من فلسطين لهؤلاء الذين نسميهم الهكسوس.

 

وهذا أمر يجب الرد عليه علمياً وتاريخياً حتى لا يحاول أحد إعادة إنتاج التاريخ القديم للمنطقة في صورة تعيد إنتاج العدو، وتسمى الهكسوس بهؤلاء الذين قدموا من فلسطين.

بينما يمكن لأي متابع بالعودة إلى المرجع المهم موسوعة مصر القديمة الجزء الرابع والمعنون بعهد الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية، وهي لعالم الآثار والباحث المصري في الحضارة المصرية القديمة سليم حسن، أن يدرك طبيعة التأريخ والتاريخ وهو في ذلك يقول:  "نسب إلى الآريين اختراع بناء الحصن المستطيل وطواره الخاص، وإن كان ذلك لم يدعم إلى الآن بالبرهان البين، حقاً إن هذا الطراز من الحصون كان غريباً عن مصر وفلسطين وسوريا، وكان أول ما ظهر في الأثار الخاصة بالهكسوس في هذه البلاد.. وعلى ذلك نستنتج أن حل مسألة الهكسوس يقع بوضوح تام في أراض بعيدة".

وسليم حسن لا ينكر بعض الأسماء العبرانية لملوكهم ولا ينكر وجود العرق السامي بينهم، ولكن تردده العلمي يحسب له، ويحسب للرأي القائل بأن الهكسوس لم يأتوا جميعهم من فلسطين ولا حتى من سوريا وهذا التخصيص مخل للغاية بالتاريخ.

وجدير بالذكر، أن ترسيخ مثل تلك المفاهيم يعود بالمنطقة إلى صيغة كانت للعالم القديم، ولكن الإشارة العابرة في التقرير تحمل طاقة سلبية في إشارتها وتحاول أن تدخل في روع الأجيال الجديدة، أو القارئ العابر أن الهكسوس الذين احتلوا النصف الشمالي لمصر حتى مدينة القوصية قد قدموا من فلسطين، بينما تشتعل فلسطين الآن في حرب إبادة عرقية، وتبقى مصر في موقع الصدارة مما يحدث في فلسطين جرحنا العربي التاريخي والمعاصر.

ومثل تلك الإشارات السهلة يجب التنبيه لخطورتها والانتباه لتأثيرها السلبي الشعوري واللاشعوري.

أما كيف تم رسم وجه الفرعون فيشير التقرير إلى أن فريق العمل فعل ذلك عبر إعداد ملف رقمي تعريفي لوجه الملك وجعل لون البشرة مشابهاً لما كان شائعاً بين المصريين القدماء، وهو لا يعكس بالضرورة اللون الحقيقي للبشرة، كما جاء في الدراسة.

وهكذا تعترف المجموعة البحثية بأنها تضع لوناً افتراضياً وليس لديها دليل على أن هذا هو لون البشرة، لكنها تذهب إلى تلك البشرة الداكنة والشعر المجعد.

وتتكرر تلك المحاولات أيضاً في صور متحركة مسموعة مرئية مثل فيديو مومياء مصر الغامضة السيدة الحامل وملامحها الأفريقية ذات الطابع الواضح جداً، وعدد آخر من صور لوجوه من المومياوات المصرية القديمة، اختار لها هؤلاء اللون الداكن للبشرة، وهو حقاً ليس اللون الذي يمكن اعتباره القاسم المشترك الأعظم في لون بشرة المصريين.

وهكذا يتم تمرير التقارير والصور على أنها صور علمية، اعتمدت على علم التشريح وما إلى ذلك وعلى مقاييس ونسب دقيقة في إنتاج الوجوه الداكنة، وعلى إدماج معلومات تاريخية مغلوطة، ويمر ذلك بهدوء وبشكل اعتيادي ويتكرر ويترسخ، بينما نحن حقاً في شغل واهتمام بالقضايا الكبرى والصغرى ومفردات الحياة اليومية المتناثرة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز