عاجل
الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
لماذا لا يوجد فلاسفة الآن؟!

لماذا لا يوجد فلاسفة الآن؟!

هل هذا السؤال منطقي، يعني يتماشى مع منطق العقل، آثرت أن أجعله عنوانا لمقالتي.



هذا السؤال لست أنا من طرحه. وإنما دوماً ما نسمعه من أساتذة كبار قيمة وقامة ونحسبهم على خير، يريدون نهضة فكرية تنويرية وصحوة ثقافية تخرجنا من دائرة الركود الفكري إلى إعمال عقولنا بفكر تنويري يتماشي مع واقعنا المعاصر.

لكن أجاب عنه هؤلاء الأساتذة بسؤال لماذا وجد فلاسفة ومفكرون قديما منذ حضارات الشرق القديم مرورا بفلاسفة اليونان، ففلاسفة العصر الهلينستي، إلى فلاسفة العصور الوسطى اليهود والمسيحيين والمسلمين؟!

هل كانت الظروف مهيأة لهؤلاء أم أنهم ذاقوا الأمرين من اضطهاد وتنكيل وسجن ونفي، ووصل الأمر إلى إعدام وإلقاء من فوق أسطح الأديرة، وإحراق لمؤلفاتهم، ألم يعدم سقراط، ألم يلق من فوق سطح الكنيسة كوبرنيقوس، ألم ييأس التوحيدي من حياته وامتهن مهنة الوراقة ليأكل ووصل به الحال إلى أن يصب وابلا من اللعنات على واقعه، والحال كذلك مع ابن باجه ما الجرم الذي ارتكبه حتى يكاد له ويقتل في ريعان شبابه بالسم، وابن رشد الذي نفي إلى أليسانة ومات غريبا عن وطنه مغتربا عن ذاته وأحرقت كتبه، وما أشبه اليوم بالبارحة، فكل من يظهر على الساحة بفكر عقلاني وشخصية ناقدة فذة، يتربص به الحقدة ومدعو الدين ويكيلون له الاتهامات ويرمونه بالكفر والزندقة بل ويبلغ الحد مداه إلى الوشاية به فينفى من البلاد وتشرد أطفاله ويفصل من عمله وتحرق كتبه، لماذا كل هذا لأنه أتى برأي مخالف.

أيا دعاة الفكر يا من تتشدقون أنكم مكلومون لأنه لا يوجد مفكر أو فيلسوف تنويري الآن، هل ناقشتم هؤلاء مناقشة عقلانية موضوعية أم تغنيتم ورقصت ما على جثث هؤلاء، وبعد ذلك نقف ونولول لا يوجد فكر تنويري، لا يوجد فيلسوف حداثي، لا يوجد مفكر يقدم حلولا لقضايانا، لمشكلاتنا.

هل أعطيتم فرصة حقيقية لأمثال هؤلاء أم عندما يظهر عقلاني تدوسون عليه وبدلا أن تخرجوا فكره من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل خشية أن ينافسكم، أما تعلمون أن حتى هذه المنافسة ستصب في صالح واقعنا المعاصر، هل مددتم أيديكم إليهم، هل ساعدتموهم بالطرق المتاحة، ليتكم تفعلون ذلك ولتعلموا أن أصحاب الفكر الحقيقي التنويري الموسوعي ليس له غرض دنيوي اللهم إلا النهوض والارتقاء بأوطانهم، ليس هدفهم منافستكم على منصب ولا شهرة ولا ثروة، فثروة العلماء علمهم الذي سيترجم عمليا عاجلا أو آجلا لخدمة قضايا أوطانهم فلا تخشوا منهم. وبدلا من النواح والنحيب ابحثوا عن هؤلاء، فما دام يوجد الإنسان إذا سيوجد الفكر وإذا ما وجد الفكر فبالحتمية المنطقية سيوجد المفكر وإذا ما وجد المفكر فسيكون هناك تفكر وإذا ما كان هناك تفكر إذا ستستقيم حياتنا وسنرقى فبالفكر والتفكر سنحيا وستسمر حياتنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وأختتم حديثي وأقول تلك سنة كونية الصراع ما بين الخير والشر، الحق والباطل، الجميل والقبيح، الحسن والرديء، وكما ذكرت سابقا، نكل بهؤلاء الأخيار، لكنهم صبروا على كل هذا الإيذاء ولم يكمموا أفواههم لماذا؟!، لأنهم آمنوا إيمانا يدعمه يقين عقلي أنهم يدافعون عن قضايا وطنهم وأولها تثقيف شعوبهم وتنمية قدراتهم العقلية، فالمفكر والفيلسوف لا يمكن بحال من الأحوال أن ينفصل عن واقعه المعيش بكل أفراحه وأتراحه.  فهل بحثتم عنا؟!

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز