د. عادل القليعي
في حسن الأدب مع الله تعالى
حينما نمسك بأقلامنا لنكتب مقالا أو خاطرة فغرضنا واضح ومعلوم، محاولة وضع أيدينا علي الداء العضال الذي قد يصيب أجسادنا جسد أمتنا العربية، أقصد واقعنا المأزوم الذي نرجو من الله أن يغيره إلى الأحسن فهي محاولة للذكرى، "وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين"، "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر"، "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".
الكتاب كثر وأقلامهم مبدعة وأفكارهم رائعة ويكتبون أفضل مني ومتمرسون في فن المقال، لكن هي محاولة للوقوف على ما وصلنا إليه من حالة مزرية فالكل يطلب ويطالب بإصلاح الحال، جهل، مرض، فقر، حالة معيشية رديئة ومتردية نعم لا ننكر هذا.
ومن أنكر أو جمل الصورة أو هتف وغنى ورقص فهو إما وإما، إما منافق مداهن أو ران الله على قلبه وختم على سمعه وبصره فلم ير إلا الظلال.
لكن الله تعالى يقول "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"، تذكير بمنطق العقل يا أهل العقل والمفهومية.
الإصلاح إصلاح الحال إلى الأفضل لا يكون بالكلام والطبل والزمر وحمل الأعلام والرايات وإنما هناك بعد آخر قد يكون خفيا على الكثير. عقد صلح حقيقي مع الله تعالى، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالأئمة على المنابر تبح حناجرهم وتطالب بالإصلاح، إصلاح الناس وهم أبعد ما يكونون، إلا ما رحم ربي- عن الإصلاح، ابدأ بنفسك يا سيدي فأنت قدوتنا فكيف يكون قدوتنا هكذا ضال مضل، ينفر الناس من الدين أو يكفر الناس بغير حق، فعلا يا عباد الله إن منكم لمنفرين، ويطلب منا اتباعه ففاقد الشيء لا يعطيه.
كيف نعقد صلحا مع الله، في الآية الكريمة (ما لكم لا ترجون لله وقارا).
الوقار اعتبر يا أخي وتدبر هذه الآية، هان الله علينا فهنا على كل شيء، لم نوقر الله ولم نضعه نصب أعيننا، وجعلناه تعالى أهون الناظرين إلينا.
لم نتقه "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم"، وتطلب من الله الصلاح، صلاح الحال.
لو تأملنا هذه الآية الكريمة بمنهج الاعتبار واعتبرناها حق الاعتبار ووضعنا الهيبة من الله في قلوبنا وأتمرنا بما أمرنا به وانتهينا عما نهانا عنه في هذه الحالة فقط يبدأ الإصلاح والتغير. ولنا في الفاتحين أمثال صلاح الدين القدوة والعبرة هل فتح بيت المقدس، اللهم رده إلينا مردا جميلا، هل فتحه بالعدة العسكرية فقط لا والله وإنما كانت عدته الإصلاحية في بادئ الأمر، وضع الله نصب عينيه راقب الله في كل صغيرة وكبيرة وأصلح المجتمع ساعتها هيأ الله له أسباب التمكين والنصر.
لكننا للأسف تكالبنا على الدنيا ولهثنا خلف الكراسي والمناصب الزائلة، واتخذنا آيات الله سخريا وهزوا ولعبا وفرطنا في العبادات وتماهينا في المعاملات وطرحنا الإيثار وركنا إلى الأثرة، حب الذات.
فكيف ينصلح الحال، يقول تعالى في حديثه القدسي، إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد أتقرب إليهم بالمحبة والمودة ويبتعدون عني بالمعاصي والذنوب أمهلهم فإن تابوا إليّ فأنا حبيبهم وإن عصوني فأنا طبيبهم، ابتليهم بالأوجاع والأسقام حتى أطهرهم من الذنوب والأوزار.
سبحانك ربنا ما أعظمك من إله، ما أكرمك من إله ما أحلمك من إله.
نفعل كل ذلك والله ينتظر توبتنا وعودتنا إليه، لو أعلناها صريحة التوبة والأوبة والعودة إلى الله ووقرنا وعظمنا الله في قلوبنا، وراقبناه في كل شيء في حركاتنا وسكناتنا لكان حقا عليه أن يغير حالنا إلى الأحسن أحسنوا إلى الله حتى يحسن الينا .
فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا". فعبادة الله وعدم الإشراك به روح التعظيم والهيبة والوقار لله تعالى.
فهل راقبنا الله؟ هل راقبت الله أيها المعلم في درسك، أيها الأستاذ في محاضرتك، أيها المهندس في مصنعك، أيها الطبيب في مرضاك، أيها القائد فيمن تقود، أيها التاجر في بيعك وشرائك؟، إذا حققنا ذلك سعدنا وحقق الله لنا بغيانا.
الإصلاح يا سادة لا يكون بالكلام وإنما بالعمل ووضع الله أمامنا ساعتها ننتظر فضل الله علينا، وننتظر تعطفه علينا وإصلاح حالنا، لكن نأخذ الخطوة ونبادر ولا نقول سوف فلا ندري متي الأجل، فأفضل لنا أن نلقاه على توبة أم نلقاه ونحن عصاة.
ومن حسن الأدب مع الله تعالى التعامل بالتي هي أحسن مع عباد الله، دونما تعال وتكبر، دونما نظرة دونية للآخر. هب أن الله وهبك منصبا رفيعا، هل تتعالى على الناس؟، لا والله، الله أمرنا بالتواضع وعدم التكبر، ألم يقل تعالى "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، من نازعني فيهما أدخلته ناري ولا أبالي".
لا تحقر من شأن ما هو دونك في المكانة الدنيوية فقط يكون عند الله أفضل منكم، ألم يوبخ النبي صلى الله عليه وسلم، سيدنا أبا ذر حينما عير سيدنا بلال وقال له يا ابن السوداء، هذه جاهلية حمقاء، التعالي على عباد الله تعالي، من تواضع لله رفعه ومن تعالى على الله خفضه، فروح وقار الله تقوى الله في عباد الله، فمن بقي فيه خصلة من خصال الجاهلية فليطرحها، ولا تصعروا خدكم للناس، ولا تمشوا في الأرض مرحا، فإنكم لم ولن تخرقوا الأرض ولم ولن تبلغوا الجبال طولا، كل ذلك كان سيئه عند ربنا مكروها، فلا داعي للكبر، فأولنا نطفة قذرة وآخرنا جيفة نتنة، وآخرنا قبر، إما روضة وإما حفرة.
ومن حسن الأدب مع الله وجوه الإحسان إلى الله، والإحسان إلى الله يكون عن طريق الإحسان إلى عباد الله بالمودة والعطف والتسامح والمغفرة.
ومن وجوه الإحسان المعاملة بالتي هي أحسن عطفا على صغير ورحمة بكبير.
ومن حسن الأدب مع الله مراعاة حقوق الجار، ومراعاة الوالدين وبرهما، والمعاملة الحسنة مع الزوج والأبناء.
ومن أدق وجوه الأدب مع الله المراقبة والمحاسبة، مراقبة سرا وعلنا، وما أحوجنا إلى وضع الله نصب أعيننا في خلوتنا مع أنفسنا، فإن لم نكن نراه فهو تعالى يرانا. ومن حسن الأدب مع الله ألا نجعل الله أهون الناظرين إلينا، فهو يرانا ويسمعنا ويشهد علينا.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان