بمناسبة اليوم العالمي للصحافة.. القضاء يصفها بالضمير العام للأمة
عبد الباسط الرمكي
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو في الثالث من مايو كل عام لإحياء ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991، بهدف تذكير الحكومات بضرورة احترامها لحرية الصحافة، وضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، الذين يسعون لكشف الحقائق، للوفاء بحق الجماهير في المعرفة.
كشف حكمان قضائيان سابقان عن أن القضاء المصري أعلى من شأن حرية الصحافة، ففي حكم تاريخي سابق أصدرته محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى الدعوى رقم 2562 لسنة 67 قضائية بجلسة 25 يونيو 2013 بأحقية المدعي (م.ش.ع) عضو بنقابة الصحفيين بجدول المشتغلين في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا باعتباره مقيداً بجدول نقابة الصحفيين وصرف الفروق المالية له وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات منح ذلك البدل لجميع الصحفيين المقيدين بجدول النقابة أياً كانت الصحيفة التي يعملون بها قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء وسواء كانت مطبوعة أو رقمية وأصبح الحكم نهائياً وباتاً، بالطعن رقم 36696 لسنة 59 قضائية عليا باعتبار الطعن المقام الجهة الإدارية كأن لم يكن.
بدون التسلح التكنولوجى لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله من إنجازات.
وأكدت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة على مجموعة من المبادئ بصدد حق بدل التكنولوجيا للصحفيين هي "أن علة بدل التكنولوجيا إتاحة الفرصة للصحفيين للاستعانة بأدوات العصر لمواجهة تحديات تطور فنون صناعة الصحافة وأن بدل التكنولوجيا حق لصيق للحياة المهنية للصحفي وبدون التسلح التكنولوجي لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله من إنجازات، وهو الذي يكفل للصحافة المصرية أن تكون عابرة للحدود والقارات وقادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي، وبناء شخصية الصحفي الموسوعي في عالم التخصص القاعدة الصلبة لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع، ودون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية وأن الصحافة هى الضمير العام للأمة".
حرية الصحافة الركن الركين فى الضمير العام للأمة ومصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية، وذكرت المحكمة، أن الصحافة المصرية هي مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس البحث عن المغانم والمكاسب وأن مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية التي شاركت بتاريخها المجيد فى إثراء الحركة الوطنية وإرساء حجر الأساس فى البناء الديمقراطي، وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة على رأسهم عبد الله النديم وتوالى نضال أجيال الصحفيين دفاعاً عن الحريات المهنية والعامة، باعتبار أن حرية الصحافة الركن الركين فى الضمير العام للأمة، وبدون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية ومثل تلك الأمور تضع المهنة فى مأزق تفقد فيها مصر ريادتها أمام التقدم والتطور التكنولوجي التي تميزت به الصحافة الحديثة.
الصحافة الحديثة تستلزم التسلح التكنولوجي والتأهيل التدريبي المتصل والمستمر.
وأضافت المحكمة، أن الصحافة المصرية قد حققت منجزاتها الأساسية ثقافياً ومهنياً عندما تمتعت بالحرية المسؤولة في بداية القرن الماضي مما وضعها في موقع الريادة العربية واقتربت من مقاييس الأداء العالمية وأن الرقي المهنى وبناء شخصية الصحفي الموسوعي فى عالم التخصص هي بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق لآفاق رحبة، وأن الإبداع غير المقيد هو قرين الحرية، وهي تشكل البنية الأساسية لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع.
واستطردت: "أنه إذا كانت طبيعة المهنة قد فرضت على أبنائها التضحية بأرواحهم من أجل أداء رسالتها المقدسة فإنهم كذلك يتكبدون نفقات ومصروفات مالية لكي يضاعفوا قدراتهم المهنية ليتسلحوا بالتكنولوجيا المهارية خاصة فى هذا العصر الذي تتميز فيه أنواع المعرفة بالتجدد والتطور وهو ما يجب ألا يغيب عن ذهن وعقل الجهة الإدارية لتجعل من الصحافة المصرية صحافة عابرة للحدود والقارات وتكون قادرة على مخاطبة الرأي العام فتكسب ثقته وتضاعف احترام الآخرين لوطننا، وهذا لن يتحقق إلا عندما توفر الدولة للصحفيين ما يمكنهم من أن يتسلحوا جميعاً كأبناء المهنة الواحدة بلا تمييز بكل مقومات الريادة وعلى قمتها بل فى أعلى مدارجها التسلح التكنولوجي والتأهيل التدريبى المتصل والمستمر.
حكم آخر استقلال الصحافة يعني الاستقلال المهني وليس الاستقلال عن الدولة أو المساس بالسلامة القومية للوطن.
وفي حكم أخر برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة بعدم جواز دعوى التعويض التي أقامها (ر.م.أ) بصفته رئيسا لمجلس إدارة جريدة أخبار المحافظات المصرية عن قرار محافظ البحيرة بوقف إصدار وتداول تلك الجريدة بالبحيرة قالت المحكمة" أن وسائل الإعلام وعلى قمتها الصحافة بما لها من تأثير فى تكوين الرأى العام أو توجيهه، يجب أن تعتمد على ما تقدمه للناس من آراء وأنباء شريطة تحقيق المصلحة العليا للوطن، وأن حريتها واستقلالها يعنى الاستقلال المهني الملتزم وليس الاستقلال عن الدولة بما يمس كيانها واستقرارها أو السلامة القومية للوطن.
الصحافة لسان الأمة وتحررها يعكس مصداقيتها لتنوير العقول لا تبوير الضمائر.
وأضافت المحكمة، أن تحرر الصحافة يجب أن يعكس مصداقيتها فى تنوير العقول لا تبوير الضمائر وإلا فقدت وظيفتها كمرآة للمجتمع، فحرية الإعلام والصحافة تعنى أن تكون لسان الأمة لا لسان الحكومة، وبالأعمق ألا ترهب أصحاب النفوذ والسلطان، وأن تقنع بأنها مسؤولة أمام الضمير المهنى لا أمام الحكام، ألزم المشرع الدستورى بضمان المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأى العام، توسيعا للمشاركة في صنع القرار وتوجيها للرأي العام وتنويره بالآراء والحقائق، بحيث تصبح مرآة للواقع بقوته وضعفه.
العمل الصحفى يتمتع بالحرية في إطار القيم والمعايير الدولية ومراعاة السلامة القومية للوطن.
وأشارت المحكمة يجب أن يتمتع العمل الصحفى بصفة خاصة والعمل الإعلامى بصفة عامة بالمصداقية في إطار القيم والمعايير الدولية للديمقراطية، يتعين مراعاة السلامة القومية للوطن، خاصة في ظل التعددية الإعلامية والصحفية، ذلك أنه فى عصر السموات المفتوحة غدت للحقيقة أوجهها المتباينة وللصواب تجلياته الشتى، ولم يعد فى مقدور واحد منفرداً كما كان أن يدعى احتكار الحقيقة أو الاستئثار بالصواب.
المزاج الشعبي والمناخ الاجتماعى تغير بعد ثورتين والوظيفة الأساسية للصحف الوفاء بحق الجماهير في المعرفة.
واختتمت المحكمة أنه بعد ثورتين للشعب المصري العظيم فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 تغير فيهما المزاج الشعبى والمناخ الاجتماعي، وهو ما يلقى على جميع وسائل الإعلام ومنها الصحف أن تقوم بوظيفتها الأساسية فى الوفاء بحق الجماهير فى المعرفة أو بحق المواطن فى الإعلام، وحتى تقوم بواجبها الأمثل كإحدى قاطرات الديمقراطية عليها القيام بدور تثقيفى وتنويرى وتوجيهي، لا هامشي في المعرفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة القضايا الوطنية والقومية والعامة في سبيل إعلام الحقيقة والالتصاق بالجماهير للتعبير عن إرادة الشعب ورغباته المشروعة في مطالبه، ما يستلزم معه أن يضع الجميع نصب عينيه مراعاة المعايير الدولية في العمل الإعلامي والصحفي، على أن يكون رائدها سلامة الوطن من المخاطر التي تهدد أمنه واستقراره.