انفراد بالصوت والصورة..
رسالة الفدائية «صابحة» ناقلة خرائط تمركزات العدو على صدر طفلها الرضيع قبل وفاتها بأيام: ربنا يقويك يا ريس ويحفظ جيش مصر
أشرف أبوالريش
قبل وفاتها بـ3 أيام، طلبت الفدائية العظيمة صابحة سليمان الرفاعى، من نجلها عبدالمنعم، إحضار هاتفه المحمول لتسجيل فيديو لها، تبعث من خلاله برسالة للرئيس عبدالفتاح السيسى، وشعب مصر وجيشه.
لم يدرك يومها ابنها الذي شاركها أخطر عملية فدائية فى مواجهة الاحتلال، وهو لا يزال طفلًا رضيعًا لم يتجاوز عمره ٢٦ شهرًا، فعلى جسده لفّت قطعة من القماش ثبتتها بمخيط فى ملابسه، حيث كانت من أهم أسباب انتصار أكتوبر المجيد وتحرير سيناء.
قطعة القماش البيضاء رسمت عليها المجموعات الفدائية بالتنسيق مع المخابرات الحربية المصرية، ورصدت عليها خريطة أحدث تمركزات قوات وبطاريات الدفاع الجوى للعدو الصهيونى فى سيناء.
لم تدرِ الفدائية العظيمة كيف تخفى تلك القطعة من القماش التي تحوى أهم المعلومات فى أدق اللحظات للتحرك بالكنز المعلوماتى الثمين من مدينة الشيخ زويد مسافة ١١٤ كيلو مترًا سيرًا على الأقدام فى دروب كاحلة للوصول إلى منطقة بئر العبد، تمهيدًا لعبور القناة إلى الشاطئ الغربى.
تلك البدوية الوطنية التي لا تجيد القراءة ولا الكتابة عكفت على ابتكار حيلة لإخفاء المعلومات، فقامت بلف قطعة القماش على جسد طفلها وتثبيتها بخيط فى ملابسه التي تعلوها، حتى تستطيع تخطى نقاط التفتيش التي تصل للتفتيش الذاتى من مجندات الاحتلال.
كانت الفدائية صابحة تتخذ من تجارة الأقمشة ستارًا للتنقل من سيناء للقاهرة، وإخفاء هويتها الفدائية، تحمل ابنها على كتفها وتسير لأيام فى الجبال على ظهر الدواب.
وفى أخطر نقطة تفتيش شاهدت مجندة متشددة فى عمليات التفتيش وبجوارها زميلتها، فبسرعة بديهة ألقت بالطفل للمجندة التي تخشى كشف سرها، بزعم أنها تريدها أن تحمله عنها لتخضع للتفتيش من قبل زميلتها.
وعبرت صابحة بأمان لتجد رجال المخابرات فى انتظارها يوم 29 سبتمبر ١٩٧٣ بمدينة السويس لنقلها إلى المقر بالقاهرة، وما أن وصلت وطلب منها الضابط المعنى بالعملية استخراج الخريطة، حتى أجلست الطفل وبدأت فى خلع ملابسه، فإذا بالضابط ينادى على رفاقه قائلاً: «تعالوا شوفوا البدوية وذكاءها مخبية الخريطة فين»!!
كانت تلك الخريطة أحد أهم عوامل نجاح الضربة الجوية الأولى، فقد تمكنت هيئة العمليات من خلال تحديد مواقع الدفاعات الصهيونية من استهدافها وتدميرها بما حقق نجاحا كبيرا وشل القدرات الدفاعية للعدو، ومن ثم تأمين عبور قناة السويس فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
ولدت صابحة الرفاعي، فى مدينة الشيخ زويد بسيناء، عام ١٩٣٢ على سبيل التقريب وفق شهادة التسنين، ففى تلك القبائل لم يكن هناك اهتمام فى ذلك الوقت بتسجيل المواليد بتواريخ دقيقة.
وبدأت بطولتها عندما قامت بدعم الجيش المصري العائد من حرب فلسطين، الذي كان والدها وقبيلتها يقدمان الدعم لهم من ملابس وعلاج فى طريق عودتهم خلال حرب ١٩٤٨.
قبل وفاتها بخمسة أيام تحديدًا ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢، طلبت من نجلها عبدالمنعم الرياشى ذلك الطفل الذي دثرته بالخريطة، بعد أن بات شيخًا وتجاوز الـ 50 عامًا، أن يفتح كاميرا هاتفه المحمول ليلتقط رسالتها ووصيتها.
ووافتها المنية فى 25 أكتوبر ٢٠٢٢، تاركة إرثًا من البطولة والفداء ووصية انفردت بها «روزاليوسف» وحصلت على نصها صوتًا وصورة، إذ لم يطلع عليها أحد رغم مرور عامين على وفاتها.
تقول الحاجة صابحة فى الفيديو الذي يمكن لقراء «روزاليوسف» مشاهدته على قناة «روزا tv» عبر بوابة روزاليوسف: «السلام عليكم، كل عام وأنت طيب يا ريس وكل عام وأنت بصحة، الله يديك الصحة ويخليك ويخلى الجيش المصري ويقويك ويطرح البركة فيك، أنا صابحة سليمان الرفاعى اشتغلت مع المخابرات الحربية ١٩٧٣، وشيلت خرائط كثيرة، ولفيت خريطة على جسم ابنى إبراهيم، كانت الخرائط على قماش أبيض شاش، بسلم عليك يا سيادة الرئيس الله يقويكم، وعبرت بها قناة السويس، تعرفت على المخابرات من خلال الشيخ عابد إبراهيم الهشة».
عبدالمنعم الرفاعى أصغر فدائى، ذلك الطفل الرضيع الذي وضعت أمه الفدائية خريطة آخر تحركات العدو على صدره، بات شيخًا اليوم تجاوز الـ 50 عامًا، يروى لـ «روزاليوسف» ما روته له والدته عندما كبر، وكيف كانت تبكى مع كل مناسبة وطنية، قائلة: «لو العمر يباع لاشتريت سنوات جديدة أخدم فيها مصر».
ويضيف: كانت دائمًا تدعو لمصر، وتوصينا بالصبر والالتفاف حول الوطن والدفاع عنه بدمائنا، وتوصى الشباب بأن مصر غالية والحفاظ عليها كان ثمنه دماء آلاف الشهداء فحافظوا عليها.
وإليكم شهادة أصغر فدائى الشيخ عبدالمنعم الرفاعى:
المزيد….
لمشاهدة الفيديو أضغط هنا
جريدة روزاليوسف