عاجل
الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مفهوم العقل عند ابن رشد ورينيه ديكارت  (1)

رؤية نقدية معاصرة

مفهوم العقل عند ابن رشد ورينيه ديكارت (1)

هل نحن بحاجة إلى فلسفة وفكر هذين العملاقين، ابن رشد وديكارت؟



 وإذا كان ذلك كذلك، فما حاجتنا إلى فكرهما؟! سؤال مهم يطرح نفسه كل كل ذي عقل وبصيرة، على كل ذي علم وعمل، على كل ذي علم وإيمان.

نعم نحن بحاجة وفي أمس الحاجة إلى عقلاء حكماء، يجتهدون قدر استطاعاتهم للوصول إلى حلول جذرية قاطعة لمشكلاتنا التي ظهرت سواء على المستوى المحلي، أو الإقليمي أو حتى الدولي بما أن العالم بات قرية واحدة لا تفصل بين دوله إلا الحدود الجغرافية، وحتى هذه تذوب وتنصهر بانصهار أهله وذوبانهم في بعضهم البعض عن طريق عقول تفكر، عقول تحاول لملمة شمله وحلحلة الفرقة والافتراق، عقول تكون مهمتها الرئيسة الاهتمام بالإنسان الذي هو حجر الزاوية ورأس المعادلة الكونية، فلا يستقيم كون دون استقامة أهله، ومن ثم بات ضروريا بل وملحا أن يكون هناك مفكرون أمثال ابن رشد، وغيره من الفلاسفة.

 

نعم معين الأمة ووعائها الفكري لا ولن ينضب حتى بعد وفاة ابن رشد، رأينا في العصر الحديث، الطهطاوي، ومحمد عبده، والكواكبي والأفغاني، ومحمد رشيد رضا والكواكبي، وإسماعيل مظهر وقاسم أمين، حتى في واقعنا المعاصر وجدنا طه حسين، وأمين الخولي وزكي نجيب محمود، وأحمد أمين، وعابد الجابري، ومحمود العالم، وحسن حنفي ونصر أبو زيد، وعاطف العراقي ومحمد أبوسعدة، وغير هؤلاء كثير، وجميعهم اجتهدوا قدر استطاعتهم ولهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فالعقلاء إذا اجتهدوا واصابوا لهم أجر اجتهادهم وإصابتهم وإذا أخطأوا لهم أجر اجتهادهم، فجميعهم مساعيهم محمودة بل ومؤلفاتهم أثرت حياتنا الفكرية والثقافية.

لكن وما بعد لكن طريقنا طويل لم نصل إلى بغيتنا، لم نصل إلى المرقى المنشود، لم نحقق المعادلة الكونية لم نصل بالإنسان إلى مكانته التي يستحقها لم نحقق له التكريم اللازم، ومن ثم بات الأمر ملحا أن نستعيد قراءة فكر هؤلاء جيدا ونخرج هذا الفكر من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل، أقصد أن نخرج بدراساتنا لهؤلاء عن التقليدية الكلاسيكية التي لا تتناسب مع عصر الرقمنة والمعلوماتية التي سيطرت على كل شيئ وهيمنت حتى على العقول، أن ننطلق من فكر هؤلاء مفكرين خارج الصندوق، لا نريد تفكيرا مركزيا وإنما تفكيرا  لامركزا، لا تفكيرا ودراسة من أجل التفكير والدراسة، لا نريد أن نكون كالدوائر متحدة المركز، بمعنى نريد الخروج من المركزية النمطية التقليدية إلى اللامركزية، أزيد الأمر وضوحا، كلنا يسمع عن فلسفة ابن رشد وعن فكره، القاصي والداني، المتخصص وغير المتخصص، قرأ عن ابن رشد، لكن هل استفدنا حقا من هذا الفكر العقلاني الذي يخاطب العقول والقلوب في آن واحد، أم درسناه ودرسناه لتلاميذنا من أجل الدراسة وأن ثم فيلسوف مسلم يسمى ابن رشد.

أطرحوا على عقولكم هذا السؤال، هل حقا استفدنا في واقعنا المعاصر من فكر رائد الاتجاه العقلاني في العالم العربي والإسلامي، وإن جاز لي القول رائد الإتجاه العقلاني في العالم بأسره الإسلامي وغير الإسلامي، ودليلي على ذلك مؤلفات ابن رشد التي ظلت تدرس في الغرب الأوروبي حتى قرب نهاية ما يسمى بالعصر الحديث، أنظروا إلى كتابه الكليات، أنظروا إلى شروحاته على أرسطو، تدبروا أثره في الفيلسوف المسيحي توما الإكويني، واسبينوزا، وحتى لو عقدنا مقارنة بين عقلانيته وعقلانية ديكارت وكانط، سنجد روابط فكربة عقلية تجمعهم.

تعرض أبو الوليد بن رشد للاضطهاد من قبل علماء الدين الذين ألبوا عليه الخليفة أبي يعقوب، واتهم بالكفر والزندقة وأنه أحدث بدعا في الدين، وأحرقت كتبه وتعرض للعزل من وظيفته والنفي إلى مدينة أليسانة، كل ذلك لماذا؟!، لأنه صدح لم يقدمه له عقله، لأنهم آمن أن الإصلاح والتقدم والمواكبة لا تكون إلا عن طريق العقل فأتى بآراء جريئة لم تتفهمها العقول التي تشبعت تبعية كلاسيكية التي لم تعطي نفسها فرصة للتفكير العقلاني الموضوعي، في القضايا التي كانت مطروحة آنذاك، كالتوفيق بين الفلسفة والدين وبدلا من مناقشته نكل به وأحرقت كتبه، ليس له ذنب إلا أن قال النظر في علوم الأوائل مباح بالشرع، وما الضير في ذلك، أليس الفكر سلسلة متصلة الحلقات، ما الضرر من قوله أن الحق لا يضاد الحق بل يشهد له ويؤيده، لا هذا كفر وزندقة، دراسة الفلسفة كفر وإلحاد، وما أشبه اليوم بالأمس ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين، إذا ما تناولنا قضية فلسفية وأعملنا فيها عقولنا، تصب علينا اللعنات من كل حدب وصوب من متهم لنا بالكفر، أو من يتهمنا بالجنون والشذوذ الفكري، لماذا هذه الافتراءات وهذه الفريات، ألم يأمرنا الله تعالى بإعمال عقولنا، فاعتبروا يا أولي الألباب، من هم أولوا الألباب، هم أصحاب العقول التي تفكر، هل المقصود بالتفكير هنا التفكير في الفضائل الشرعية فقط، إذا كنتم ترون ذلك فإن تفكيركم محدود، وأحادي الجانب، ولم ولن نتقدم قيد أنملة، ليس التفكير مقصور على جانب بعينه فالتفكير يشمل كل شيئ، فرب أمر تفكر فيه، فرب مشكلة تفكر فيها فتجد لها حلولا ناجعة تنقلنا من حال إلي حال.  أليست فلسفة وفكر ابن رشد معين لا ينضب، انظروا معي إلى حالنا الآن واستحضروا تقسيم ابن رشد لمراتب ودرجات الناس في المعرفة، الخطابيون، الجدليون، البرهانيون.

هل يحق للخطابيون أقصد جمهور الناس الخوض في قضايا شرعية خطيرة، الفتوي فيها قد تقود إلى التيه والضلال، هذا ما قصده ابن رشد لم يرد للعوام الخوض في مسائل فقهية خطيرة، أليس هذا حادث الآن، الجميع أصبح يفتي بغير علم، الجميع متصدر للدعوة، أصبحت فوضوى الفتوى والدعوة على أشدها، على الرغم أنها لها ضوابط ولها مؤسساتها الشرعية المنضبطة.

ثم الجدليون وهم كثر الآن، وهذا الجدال الهدام، تضليل للعقول مثله مثل الجدل السفسطائي الهدام الضآل المضل، والذي نهى عنه النبي صل الله عليه وسلم، اتركوا مجالس الجدال ولو كنتم على حق، وقالها الله (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)، لا الكل يقف مجادلا قضايا سياسية، قضايا دينية، قضايا ثقافية، اقتصادية،عسكرية، حتى كروية، الكل بات مجادلا ومحللا، وتلك هي الملهاة العبثية.

والمرتبة "البرهانيون"، أهل البرهان الذين يحتكمون إلى عقولهم معتمدين على علومهم وعلى مقدماتهم التي من خلالها يستنتجون النتائج الصائبة التي تفيد واقعنا بقضاياه، كل في مجاله الساسة في مجالهم، الاقتصاديون، العسكريون، الثقافيون، علماء التربية وخبراء التعليم، كل ينظر ويبدع قدر استطاعته عقلا حتى نجد مخرج من هذه الأزمات التي تلاحقنا الواحدة تلو الأخرى.

ثم عندما يحدثنا ابن رشد عن التأويل وقوانين التأويل، هل أخطأ عندما أسس قوانيه على العقل، ألسنا في حاجة ملحة إلى تأويل عقلاني يتناسب مع واقعنا أو ما يسمى فقه الواقع، فقه الضرورة، هكذا يكون التفكير، نمد أيدينا إلى مؤلفات هذا الفيلسوف أوحد زمانه، لنستخرج منها كنوزا مكنونة تثري واقعنا.

نعم ما أحوجنا إلى تفكير عقلاني ننظم من خلاله مدينتنا التي نحلم بها، ليس مدينتنا وحسب بل وعالمنا الذي نحياه جميعا، ما أحوجنا إلى العقلاء النبلاء أصحاب العقول النيرة المستنيرة.  هل علمتم لم ابن رشد الآن؟! فكر هؤلاء سيظل منهالا ومرتعا خصبا تتوارثه كل الأجيال القادمة، المهم كيف نوظفه لخدمة واقعنا، فلكل عصر متطلباته، ولكل عصر مستجداته. وإذا كان هذا حديثنا ورؤيتنا لفكر ابن رشد العقلاني وكيف استفدنا منه في واقعنا المعاصر. فهيا لنتعرف على مفهوم العقل عند أبى الفلسفة الحديثة ، رائد الاتجاه العقلاني فى الغرب الأوروبي فى العصر الحديث.

 

للحديث بقية

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز