عمرو جوهر
احتدام الصراع السياسي بين أمريكا والصين
في حين تسيطر التوترات الاقتصادية والتكنولوجية على عناوين الأخبار، فقد برز التنافس السياسي بين الولايات المتحدة والصين باعتباره الجانب الأكثر أهمية في المنافسة الاستراتيجية المتصاعدة بينهما، ويعكس هذا الاحتكاك السياسي في جوهره صراعاً أساسياً بين الأيديولوجيات والقيم والرؤى فيما يتصل بالنظام العالمي المستقبلي.
تمثل الولايات المتحدة والصين نظامين سياسيين مختلفين إلى حد كبير ــ أحدهما ديمقراطي طويل الأمد، والآخر دولة استبدادية خاضعة لسيطرة صارمة من الحزب الشيوعي الصيني، وقد اتسع هذا الانقسام الأيديولوجي بشكل كبير في السنوات الأخيرة مع اتخاذ الصين موقفاً حازماً على نحو متزايد في الترويج لنموذجها في الحكم باعتباره بديلاً قابلاً للتطبيق للديمقراطية الليبرالية الغربية.
وتحت قيادة شي جين بينج، قامت الصين بقمع المعارضة، وشددت الضوابط على المجتمع المدني، وبسطت نفوذها في الخارج من خلال مبادرات مثل برنامج الحزام والطريق للبنية التحتية، وعلى العكس من ذلك، وضعت الولايات المتحدة نفسها نصيرة للقيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والنظام الدولي القائم على القواعد.
ويتجلى هذا الصدع الأيديولوجي في العديد من النقاط السياسية الساخنة:
هونج كونج: انتقدت الولايات المتحدة بشدة حملة القمع التي شنتها الصين على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في هونج كونج، وألغت الوضع التجاري الخاص للمدينة وفرضت عقوبات على المسؤولين الصينيين المشاركين في حملة القمع، وتعتبر بكين تصرفات الولايات المتحدة بمثابة تدخل مباشر في شؤونها الداخلية.
شينجيانج: وصفت الولايات المتحدة معاملة الصين للأويغور والأقليات الأخرى في شينجيانج بأنها إبادة جماعية، ونفذت عقوبات وقيود على الاستيراد بشأن هذه القضية، واتهمت الصين الولايات المتحدة باستخدام حقوق الإنسان كذريعة لاحتواء صعودها.
تايوان: عمّقت الولايات المتحدة علاقاتها مع تايوان، وزادت مبيعات الأسلحة والزيارات الرسمية، مما أثار غضب بكين التي تعتبر الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي مقاطعة متمردة. ويظل احتمال الغزو الصيني لتايوان يشكل خطراً جيوسياسياً كبيراً.
التأثير العالمي: وبعيداً عن الصدامات الأيديولوجية، تخوض الولايات المتحدة والصين منافسة أوسع لتشكيل القواعد والمؤسسات وديناميكيات القوة في النظام العالمي الناشئ، وتسعى الصين إلى إعادة كتابة القواعد والقيود التي يفرضها النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي تعتبره مصمماً لقمع صعودها.
المنظمات الدولية: سعت الصين إلى تعزيز نفوذها داخل هيئات مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، واشتبكت مع الولايات المتحدة حول قضايا مثل حقوق الإنسان، ووضع تايوان، والاستجابة للأوبئة.
الكتل الإقليمية: في حين ترسخ الولايات المتحدة تحالفات مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قامت الصين بتنمية تجمعاتها الإقليمية الخاصة مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
تمويل التنمية: تنظر الولايات المتحدة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، رغم أنها تبدو وكأنها استثمار في البنية التحتية، كوسيلة للنفوذ الجيوسياسي وتوسيع النفوذ الاستبدادي.
ويدور التنافس بين الولايات المتحدة والصين أيضًا عبر مسارح جيوسياسية مختلفة، حيث يعزز الجانبان تحالفاتهما، ويتخذان مواقف عسكرية، ويتنافسان على الأولوية الإقليمية:
المحيطان الهندي والهادئ: حشدت الولايات المتحدة الاتفاقيات الرباعية (الهند واليابان وأستراليا) واتفاقيات AUKUS (أستراليا والمملكة المتحدة) لمواجهة عدوانية الصين في بحر الصين الجنوبي وتجاه تايوانن، ولا تزال مخاطر سوء التقدير مرتفعة.
أوروبا: بينما تعتمد الولايات المتحدة على حلفائها في الناتو لاتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، تهدف بكين إلى كسر الوحدة الغربية من خلال شراكات اقتصادية مثل اتفاقها الاستثماري مع الاتحاد الأوروبي.
على الصعيد العالمي: بين الشرق والغرب والقطب الشمالي وأفريقيا، تتصارع القوتان على موطئ قدم استراتيجي، والوصول العسكري، ومناطق النفوذ.
ومع اشتداد هذا التنافس السياسي، فإن مخاطر نشوب حرب أيديولوجية باردة، وصراعات بالوكالة، ومواجهة بين القوى العظمى تلوح في الأفق على النظام الدولي الحالي الذي لا تزال تملك واشنطن خيوطه.