قاضٍ: التهجير القسري في العقل الإسرائيلي وفشل مخطط إسرائيل للشرق الأوسط الجديد
عبد الباسط الرمكي
يثور التساؤل عن أسباب الموقف الثابت لمصر وهو موقف تاريخي عن رفض التهجير القسرى للفلسطينيين الذي تسعى إليه إسرائيل بتنفيذها استراتيجية الجحيم بقطاع غزة بالقصف والحصار والتجويع لتنفيذ مخطط التهجير القسرى لسكان قطاع غزة إلى سيناء، وهو ما ترفضه مصر بثبات حفاظاً على وطن فلسطين وعدم تصفية القضية الفلسطينية وحفظاً للأمن القومى المصري، رغم ما تقوم به إسرائيل من فظائع جرائم حرب وضد الإنسانية بالمخالفة الصارخة للقانون الدولي.
وفي سبيل معركة الوعي القومى العربي والمصري أجرى المفكر والمؤرخ القضائي القاضى المصري الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة دراسة مهمة بعنوان (لماذا ترفض مصر التهجير القسرى للفلسطينيين؟ نظرات في معركة الوعي) ونعرض للجزء الأول في خمس نقاط.
أولاً: التهجير فى العقل الإسرائيلى جوهر العقيدة الصهيونية منذ 1948 حتى اليوم هي عقيدة التهجير القسري للشعب الفلسطيني لمحوهم من سياق التاريخ وهو ما رفضته مصر بحزم وثبات:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن جوهر العقيدة الصهيونية منذ 1948 حتى اليوم هي عقيدة التهجير القسري للشعب الفلسطيني، من خلال ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية اليهودية، لمحوهم من سياق التاريخ واستبدالهم بمجتمع المستوطنين بالاستيلاء التدريجي على الأراضي الفلسطينية لصالح المجتمعات الإسرائيلية اليهودية. وضمت الحكومة الإسرائيلية أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة فضلا عن إبادتها وتديرها لقطاع غزة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بل قام الكنيست الإسرائيلى بالموافقة على مشروع قانون لإضفاء الشرعية على حوالي 70 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية.
إن حق اللاجئين والمهجرين قسرياً من الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم هو أمر راسخ بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة وأهمها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 11 ديسمبر 1948، ورغم مرور قرن إلا ربع من الزمان فشل المجتمع الدولي، على مدى السنوات الـ 76 عاماً الماضية، في فرض احترام قرار الأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، واستعادة الممتلكات والتعويض. ومازالت إسرائيل عقديدتها الأساسية التهجير القسرى وهو ما رفضته مصر بشدة في موقف حازم وثابت لا تبديل فيه ورغم انتهاكات إسرائيل الصارخة للقانون الدولي، وقمعها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فقد فشل المشروع الصهيوني الاستعماري على مدار 76 عاما , فلم تنجح إسرائيل في محو الشعب الفلسطيني من سياق التاريخ بل ازداد جيلاً بعد جيل ارتباطاً بأرضه فى الذاكرة الجماعية.
ثانياً: التهجير القسري والمطول للفلسطينيين يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي لن تسمح لهم إسرائيل بالعودة إلى ديارهم على غرار نكبة 1948.
ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن أي محاولات من قبل إسرائيل لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة وإكراههم على تهجيرهم قسرياً سيشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وجريمة وحشية، وتحلم إسرائيل بنزوح الفلسطينيين سكان غزة كلاجئين على غرار الأحداث الكارثية التي وقعت عام 1948، والمعروفة باسم "النكبة"، والتي لم تسمح لهم إسرائيل بالعودة مرة أخرى إلى ديارهم جيلاً بعد جيل.
ويشير إلى أن مصر تدرك أن التهجير القسرى للفلسطينيين سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية دون أي ضمانات للعودة مرة أخرى إلى الديار الفلسطينية، وهو ما يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وجريمة ضد الإنسانية، ويجب على المجتمع الدولي الذي يعيش فى لحظات حرجة أن يمنع بشكل قاطع أي تهجير قسري للفلسطينيين، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه.
ويؤكد أن التدمير الإسرائيلي واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية المدنية، إلى جانب القصف والحصار المستمرين، جعل غزة غير صالحة للعيش بقصد دفع السكان للنزوح القسري المطول عبر الحدود، بلا عودة إلى الوطن، ووفقا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، يحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك نفي الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، بغض النظر عن دافعهم , كما أنه وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن "ترحيل أو نقل - من جانب دولة الاحتلال - كل أو أجزاء من سكان الأراضي المحتلة داخل هذه الأراضي أو خارجها" يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
إن القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وكذلك حظر العدوان، وحظر الإبادة الجماعية، وحظر الجرائم ضد الإنسانية، أضحت مدونات لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة باعتبارها معايير قابلة للتطبيق عالميًا وتسمو هرميًا فوق القواعد الأخرى للقانون الدولي، لذا أصبح الانتهاك الجسيم والمنهجي لمثل هذا الالتزام يلقى التزاماً على جميع الدول بالتعاون والتضامن في وضع حد للسلوك غير المشروع من خلال التدابير العاجلة التي تهدف إلى حث الدولة المرتكبة للمخالفات على الامتثال لالتزاماتها الدولية.
ثالثاً: إسرائيل تسعى لهدفين لتهجير الفلسطينيين قسريا هما إخراج الفلسطينيين من سياق التاريخ وخلق زعزعة لاستقرار مصر التي تناضل فيها لمواجهة الإرهاب في سيناء.
ويذكر الدكتور محمد خفاجي رفضت مصر التهجير القسرى للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء مثلما رفضته طوال العقود التالية لعام 1948 من أجل أن يبقى الوطن لفلسطين ومن أجل إقامة دولة فلسطينية، لأن مصر تدرك إنه إذا اُجبر الفلسطينيون على التهجير القسرى فلن تسمح لهم إسرائيل أبداً بالعودة إلى غزة , فالتاريخ يقول أن 70% من سكان غزة هم أنفسهم لاجئون نزحوا قسراً من إسرائيل الحالية خلال نكبة عام 1948 ولم تسمح لهم إسرائيل بالعودة إلى ديارهم حتى الاَن بل تسعى إلى طردهم من سائر الأراضى الفلسطينية خاصة قطاع غزة.
ويشير إن إسرائيل تسعى لهدفين لتهجير الفلسطينيين قسريا لسيناء هما إخراج الفلسطينيين من سياق التاريخ وخلق زعزعة لاستقرار لمصر فى سيناء التي تناضل فيها لمواجهة الإرهاب، حيث تهدف من تهجير الفلسطينيين قسرياً إلى شبه جزيرة سيناء تصفية القضية الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى تهدف إسرائيل إلى زعزعة استقرار شبه جزيرة سيناء حيث إنها تعلم أن الجيش المصري يقاتل بضراوة الجماعات المسلحة المتطرفة المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية داعش منذ عام 2013. ورغم كل الصعاب تبذل مصر جهودا كبيرة من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وتقديم المساعدات الإنسانية وسط مخاطر الحرب الحالية.
رابعاً: تأسيس إسرائيل وتدمير فلسطين وجهان لعملة واحدة ونكبة 1948 أدت إلى تهجير 750 ألف فلسطيني لم يعودوا حتى الآن.
ويذكر إن تأسيس إسرائيل وتدمير فلسطين وجهان لعملة واحدة، ونكبة 1948 على جميع الفلسطينيين أدت إلى تهجير ما يقرب من 750 ألف فلسطينى من منازلهم بسبب الرعب في أعقاب المذابح التي ارتكبتها الميليشيات اليهودية بحق المدنيين الفلسطينيين ولم يعودوا إلى ديارهم حتى الاَن، لقد طردت إسرائيل المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، بأعدادهم وملكيتهم الساحقة للأراضي من أجل تأسيس دولتهم اليهودية، واستولوا على منازلهم وقراهم ودمروا غيرها، ومنعت بعنف عودتهم حتى يومنا هذا!
ويؤكد أن حلم إسرائيل التهجير القسري للفلسطينيين مازال يراودهم منذ 76 عاماً لم ينته أبدًا، وفي ظل حكومة مجرم الحرب نتنياهو تسارعت وتيرة الاستيطان في القدس وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، وشجعها اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونظراً لأن المستعمرين يلقون مقاومة دائمة من أصحاب الأرض فقد تفاقمت مظالم نكبة 1948 واستمر نهجها حتى الاَن فى التدمير والتهجير والتعذيب، والاغتيال، وهدم المنازل، وسجن الأطفال الفلسطينيين لأنهم الأمل الحقيقى فى المقاومة.
خامساً: إسرائيل نجحت خلال 76 عاما فى منع إقامة الفلسطينيين لدولتهم لكنها فشلت استراتيجياً في تقليص عدد الفلسطينيين الخاضعين لحكمها بأعداد أكبر ولن تنعم بالأمان.
ويوضح الدكتور محمد خفاجى إن إسرائيل نجحت خلال 76 عاما فى منع إقامة الفلسطينيين لدولتهم لكنها فشلت استراتيجياً في تقليص عدد الفلسطينيين الخاضعين لحكمها بأعداد أكبر ولن تنعم بالأمان، صحيح أن إسرائيل تمكنت من التغلب على مسعى الفلسطينيين لإقامة دولة لهم. ولكن هناك قدر مماثل من الفشل الاستراتيجي أو أكبر منه يتمثل فى فشلها في تقليص عدد الفلسطينيين الخاضعين لحكمها بأعداد أكبر.
ومرة أخرى تقول أحدث الإحصاءات يفوق عدد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية (6.50 مليون) وعدد السكان اليهود (6.44 مليون).بل وعلى المستوى العام فى التعداد يفوق الفلسطينيون اليهود أنفسهم، حيث عدد سكان فلسطين الاجمالى (14,5 مليون منهم 6,50مليون مقيمين فى فلسطين و6 مليون لاجئ فى الشتات حول العالم، و2 مليون فلسطيني في أراضي 1948) بينما عدد السكان اليهود (9,364 مليون).
ويختتم الفقيه المصري على إسرائيل أن تكف عن الإبادة الجماعية أو عمليات الطرد الجماعي المتجددة، وليس لها خيار أخر سوى الندم، وستدرك إسرائيل يوما ما أن أمن اليهود الإسرائيليين على المدى الطويل يمكن خدمته بشكل أفضل من خلال احترام حقوق الفلسطينيين في الحياة والكرامة بدلاً من قيامها بالاستيلاء على أراضيهم، والتمييز ضدهم على أساس عرقهم، وقمع مقاومتهم بعنف وقهر فلا سبيل سوى بإقامة دولتين تتقاسمان السلام على وضع ما قبل 1967.