عاجل
الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مـن القلب الأبيض للقلب الأسود بخلفية حمراء.. شكرًا

أوسكار هوليوود.. 2024م

مـن القلب الأبيض للقلب الأسود بخلفية حمراء.. شكرًا

إن المواجهة بين الاقتصاد الرأسمالي وما قبل الرأسمالي تشعل المعركة في الأطراف البعيدة، إنها مواجهة بين ثقافة الأبيض ذي الشعر الأصفر والعيون الزرقاء، وبين من هم خارج دائرة نجاحاته وانتصاراته.



 

وهي مواجهة مستمرة مع شعوب أخرى ذات خلفيات ثقافية ودينية متعددة. وهذه المواجهة تحدث بعيداً عن صانع الصراع الأول طوال الوقت، على الصعيد العسكري والاقتصادي والثقافي. والمواجهة الأخيرة بالغة العمق، تبدو للوهلة الأولى داعمة وبسيطة ودالة وعميقة، إلا أنها مواجهة ثقافيــــة معقدة جداً.

إن المواجهة الحقيقية ليست في المراكز الغربية الكبرى، إن المواجهة الثقافية المدهشة في حبكتها والتي صنعتها مؤسسات عبقرية الفكر هي تلك المواجهة التي جاءت من ولاية كاليفورنيا هناك من هوليوود، ومن حفل توزيع الجوائز المركزي الأكثر شهرة ومصداقية في العالم المعاصر في الفنون وعلوم الصورةالسينمائية، أنه حفل جوائز الأوسكار 2024 في هوليوود.

 

ولأن هوليوود نموذج لثقافة المؤسسات الكبرى المبدعة فهي لا تقاوم ذلك التفاعل الثقافي، وأثر تلك المواجهة التي حدثت هنا في المنطقة التي أطلقوا عليها الشرق الأوسط.

إن تفاعلات المدن الكبرى في الوطن العربي ومحيطه الإقليمي وقدرة التكنولوجيا الأثيرية المعاصرة على نقل ورصد ونشر الصور الحقيقية للإبادة الجماعية في فلسطين، قد أدت إلى تعاطف لدى الشعوب الغربية ولدى الأمريكيين، بل ولدى اليهود الطبيعين حول العالم وقد أثرت تلك التفاعلات الثقافية على أمريكا، وعلى هوليوود، بكل ما تملك من المال والسلطة والقدرة على إنتاج الخيال حول العالم.

وهنا يأتي الذكاء المؤسسي العبقري، وهو السماح لهذه التفاعلات الثقافية بأن تظهر وتعلن عن نفسها عبر سلوك وحديث بعض من النجوم المنتمين لهوليوود والدائرين في فلكها.

وهو ما شاهده العالم أجمع تعبيراً عن حيوية مراكز صناعة الصور الكبرى، إذ إن الأكاديمية المانحة للأوسكار تعرف أنه من الخطأ أن تمنع تأثير تلك المواجهة الكبرى وتفاعلاتها وقدرتها على أن تحقق هذا التغيير النوعي والكمي في رؤية الأفراد المؤثرين والمواطنين الطبيعين حول العالم، والذي تجلي في التعاطف الكبير مع الحق الفلسطيني، والرفض العام للاستخدام المفرط للقوة.

هكذا تتصرف الثقافات المبدعة كي تحافظ على قدرتها على الاستمرار وتحقيق وجودها، والحفاظ على هامش كبير من المصداقية لدى الجمهور العام العالمي، الذي يتفاعل ويتلقى إنتاجها الفني، ويحقق لها ردود الأفعال التي تستهدفها من أرباح مالية وثقافية وسياسية.

وأهم تلك المكاسب هو قدرتها على صناعة النماذج والصور والقيم التي تتحول لسلوك بشري عبر تأثير الثقافة في اللاوعي والوعي الإنساني، وتجليات هذا التأثير في السلوك الفعلي اليومي على أرض الواقع.

إنها إذن هوليوود النموذج المعاصر للجمع بين حركة المال العالمي وشؤون الحب والغناء والأزياء معاً. وهكذا تحرر أمريكا نفسها ذاتياً وبنفسها من مشاعر الشعور بالذنب تجاه الإبادة الجماعية في فلسطين. وهكذا يمكن لمركزها العالمي في هوليوود الاستمرار في بيع إنتاجه الكثيف من الصور الفنية المتنوعة بالغة الأهمية بقدرتها على التأثير، فكيف للبائع العالمي أن يبيع الحب والحرية والصور الجميلة بعد أن يفقد مصداقيته الإنسانية ولذلك أطلت علينا هوليوود بتلك الصور التي تجمع بين العري الكامل والتجرد من الملابس كلها وليس التعري قطعة قطعة، كما ظهر المصارع والممثل الأمريكي جون سينا في حفل الأوسكار، وبين ذلك "الدبوس" الأحمر الذي يظهر فيه الكف البرتقالي، وفي داخل الكف ذلك القلب الأســود.

وتأتي تلك المصداقية في إطار البحث عن استرضاء المراكز والأطراف معاً، ذلك أن حيوية المركز الأمريكي تأتي من طبيعة تكوين المجتمع ذاته، والتي تقوم بعملية جذب وإعادة إنتاج مختلف الجنسيات المتفردة حول العالم. فالجنسية الأمريكية يحملها أصحاب العقال العربي الفلسطيني ويحملها اليمني الذي يدير متاجر البقالة الكبرى في نيويورك، وغيرهم من المهاجرين الذين يحملون جنسياتهم الأصلية ذات التاريخ الحضاري الإنساني ويحملون في ذات الوقت جنسية الولايات المتحدة الأمريكية.

وهي تعرف كدولة كبرى كيف تحافظ على مشاعر مواطنيها وكيف تمنع عنهم الحرج مع العائلات الأصلية الباقية في الأطراف البعيدة جداً جغرافياً عن المركز الكبير في أمريكا الشمالية. وفي ذلك تجلي عميق لاحترام الحقوق الفردية وحقوق العرقيات الأصلية للأمريكيين، واحترام الفروق الفردية بين الجمهور الكبير، فهم لا يرون جمهورهم ككتلة كبيرة واحدة.

إنهم يعرفون جيداً الفروق الفردية ويعرفون جيداً أيضاً كيف يخاطبون هؤلاء بمستويات عديدة للتلقي.

ولذلك، وبكل صدق يجب أن نتوجه بالتحية والتقدير للممثل المصري الأصل الأمريكي رامي يوسف، والذي ظهر بالزي العربي داعما للقضية الفلسطينية، وكل النجوم الكبار الذين فعلوا ذلك، وكل الذين تظاهــــروا سلمياً خارج حفل الأوسكار.

أنتم حقاً تؤكدون الحق الإنساني العادل في إيقاف الإبادة الجماعية في فلسطين. وهي المطالبة الذكية التي تحافظ على الهامش الجوهري لطبيعة الفنون، وهو الانحياز للحق والخير والجمال، وهو المعنى والدور الذي تدركه جيداً أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية المانحة لجوائز الأوسكار.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز