عاجل
الخميس 26 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
د. نيفين الكيلاني والمستشار ترك آل الشيخ.. الفرص الضائعة والمستحيل الممكن

المحترف والوزيرة ..

د. نيفين الكيلاني والمستشار ترك آل الشيخ.. الفرص الضائعة والمستحيل الممكن

سنوات طوال من التراكم في العمل الإنتاجي الثقافي أدى إلى حالة من الخروج المهني الاحترافي للبيوت الفنية الأكثر رسوخاً تاريخياً، التي حققت عبر يد الدولة التدخلية القوية في ستينيات القرن العشرين ازدهاراً وعمقاً إبداعياً في البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية والبيت الفني للمسرح، وقد كان ذلك الازدهار في مسارح الدولة وهيئات إنتاج الفنون واضحاً جداً في فرقة رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية وقد كانتا سفيرتين للفن المصري حول العالم.



 

 

جدير بالذكر، أن الرصيد الجماهيري لهما في الداخل المصري كان هائلاً، إذ كان النجاح الجماهيري والاعتراف المجتمعي والفني يقف خلفهما في الداخل المصري.

 

وكذلك كان المسرح القومي المصري والفرقة الغنائية الاستعراضية وفرق المسرح المصري المتعددة التابعة للدولة، التي رسخت للفن المسرحي المصري أطره المعرفية والجمالية. ثم جاءت مؤسسة السينما لتقدم عدداً من روائع الأفلام السينمائية المصرية التي خلدها حب الجماهير واعتراف نقدي ثقافي بها. إلا أن تلك المؤسسة قد تراجع دورها لتختزل في المركز القومي للسينما، الذي ظل ينتج عدداً من الأفلام التسجيلية إلى أن أصبح العدد محدوداً جداً غير ذي أثر ملحوظ في السنوات الأخيرة. أما المسرح المصري في فرقة الرسمية فقد ظل يكافح لسنوات طوال متماسكاً مصراً على أن يلعب دوره، حتى كانت السنوات الأخيرة التي حدثت فيها عدة تغيرات جوهرية أدت إلى إفقاده صفة الاحتراف.

لعل أبرزها خلط الأدوار بين الهواة وعملهم وبين المحترفين، وفتح الباب على مصراعيه لدورات تدريبية متعددة في كل أقاليم مصر، وهي تدريبات غير اختصاصية تستجلب للمجال الاحترافي المتعب والمتعثر أعداداً كبيرة، يتم صنع أحلام كبيرة لها لتصطدم بصخرة الواقع.

وفي هذا الإطار تم رفع شعارات وأفكار صحيحة لكن مع المسار الخطأ أدت إلى سيولة في عالم المسرح مثل المواهب الجديدة، والشباب، ودورات تدريب الهواة كبديل عن المصدر العلمي الأكاديمي والجامعي ثم النوع الهزلي جداً الضاحك باسم إسعاد الجماهير، ثم اللجوء إلى رفع راية التجريب، وكل تلك الاهتمامات صحيحة إذا كان المتن الاحترافي سليماً قوياً متماسكاً. 

ولما كان الاحتراف الفني بمعناه المادي والإبداعي واتصاله بالجمهور العام قد شهد تراجعاً كبيراً، بداية من هدم دور العرض السينمائي التاريخية بالمخالفة للقانون في أنحاء مصر وفي ضواحي القاهرة، وإهمال دور العرض القليلة المتاحة حتى الآن.

ومع خروج الكيانات الإنتاجية الكبرى في السينما المصرية، حلت موجة من الشرائط الملونة نعرفها جميعنا ثم دخلت شركات أجنبية تستخدم المنصات الإلكترونية لتصبح الأكثر تأثيراً في إنتاج السينما.

أما المسرح فبعد أن تراجعت أجور وميزانيات البيوت الفنية التابعة لقطاع الإنتاج الثقافي، وغاب نجوم التمثيل عنها وتصدر المشهد الجدد الهواة في معظمهم وتم إبعاد أصحاب الخبرة من الفنانين المخرجين والمؤلفين الجادين.

وتم منع الدعاية الاحترافية، ومعظم مسارح الدولة تعرض يوم أو يومين في الأسبوع بشعار مضحك هو بنجاح ساحق خميس وجمعة.

أدى ذلك إلى حرق المهنة كإطار عام إذ باتت لا يمكن لأصحابها أن يتخذوها مساراً احترافياً. ولذلك فقد انصرف معظم الجمهور إلى وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية وشاشات الفضائيات، والأخطر بقاء الأطفال في عالم المنصات الموجهة والألعاب الإلكترونية، والفضاء الافتراضي الذي لا نعرف من يضع فيه المحتوى ويقوم بتربية أطفالنا.  ماذا لدينا الآن إذن؟ دور تاريخي محوري رائد في الداخل والمحيط العربي بقيت منه نصوص رائعة لكتاب مثل توفيق الحكيم، يوسف إدريس، محمود دياب، ألفريد فرج وغيرهم.

ولدينا أيضاً فجوة جمالية معرفية بين الفنون التعبيرية وبين الجمهور العام، صنعتها سنوات غياب الاحتراف.

ومن هنا بدأ موسم الرياض وهيئة الترفيه عندما كلفوا شركات خاصة لاستقطاب النجوم وتقديم عروض مسرحية من فترة ما بعد الفجوة، هي استمرار في معظمها لمسرح الهزل الخشن والضحك والاستعراض العابر والحبكات المحكمة الصنع التي لا تعبر عن المسرح في جوهرة وهو الفن الذي يناقش سؤال الوجود الإنساني.

أما في الغناء فقد كان الأمر مختلفاً إذ قدم موسم الرياض الروائع المصرية الخالدة، التي حفظت وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات والإذاعات وجودها مما قلل الفجوة بين الغناء الجميل والجمهور العام.

وإن لم يخل الأمر من تكرار لحفلات ومطربين الموجات الجديدة الحاضرين في المشهد المعاصر بقوة.

أزعم أنني أتابع بكل التقدير داعماً ما يحدث في المملكة العربية السعودية من نهضة فنية ثقافية تعيد للمجتمع حرية الحركة والتعبير وتحقق له مطالب إنسانية عادلة بتلقي وإنتاج الفنون، وإذ أثمن عمل هيئة فنون الأداء وعلى رأسها مهرجان الأقاليم السعودي الأخير في المسرح والذي يعمل فيها السيد سلطان البازغي عملاً ثقافياً تراكمياً جميلاً ستأتي نتائجه بفوائد كبرى، وإذ أثمن إنشاء كلية للفنون الجميلة هناك، تحوي قسماً للمسرح أدعو المملكة لإنشاء معهد للسينما أيضاً ومعهد مختص بكل فن من الفنون الجميلة السبعة.

وإذ يبدو فهمي لما تفعله هيئة الترفيه هناك بقيادة احترافية نشطة وفاعلة للمستشار ترك آل الشيخ على أنه صدمة ثقافية كبرى لمجتمع تتم عملية انفتاحه على الفن والحياة الطبيعية بعد سنوات طوال من الحرص على التحفظ المجتمعي، بعيداً عن الانتظام الإبداعي الفني الجماهيري، والذي يأتي الآن هناك بيد المملكة ويدها التدخلية القوية، والتي تذكرنا بيد الدولة المصرية في الازدهار الستيني، مع اختلافات عدة بطبيعة المراحل التاريخية.

ولذلك وبكل صدق وبكامل مشاعري المخلصة أتمنى أن تتجاوز هيئة الترفيه مساحة الفجوة الجمالية التي حدثت في السينما والمسرح، وتكمل ما تبدأه من تعاون ثقافي مع مصر من مرحلة الازدهار في الفنون التعبيرية مما سيعود على المملكة العربية بالفائدة الكبرى، وأيضاً على الفن المصري، وتأثير ذلك على المحيط العربي كله.

الحديث بشجونه ليس حديثاً عن مركز مالي سيقوم بتوفير موارد مالية إنتاجية هي بمثابة مجال حيوي للمحترفين والجدد في مصر كما صرح المستشار ترك آل الشيخ في لقاء إعلامي من مكتب وزارة الثقافة المصرية، بل هي فرصة ليتم بناء عمل مؤسسي مشترك يكون بمثابة فائدة وحلول جذرية لتلك المشكلات الفنية المتراكمة. 

وقد صرحت أ.د نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة في ذات المؤتمر الصحفي على الإعلان عن تعاون ثقافي بين البلدين في مجالات المسرح والأوبرا، وفي السينما بالتعاون مع الشركة المتحدة، كما صرح بذلك أيضاً عمرو الفقي المسؤول البارز في الشركة المتحدة، وهى الشركة الأكثر احترافية وحضوراً وقدرة على امتلاك الأدوات الفاعلة في مصر، والتي يراها البعض بمثابة يد الدولة المصرية المعاصرة.

ولذلك ولأن تاريخ إنتاج الفنون علمنا أن من يملك القوة الاقتصادية يملك القوة الثقافية وهو من يقرر المحتوى، فلعل هذا التعاون يحرص على أن يقوم على المشتركات الثقافية بين البلدين الشقيقين وشعبيهما.

وتحديد تلك المشتركات الثقافية هو ما سيقود لتحديد المحتوى المشترك، وأهم الأساليب الفنية، التي يجب أن تكون استمراراً متصلاً لفترة ازدهار الفنون التعبيرية في مصر.

وربما تكون احترافية المستشار ترك آل الشيخ مشجعة وضامنة وقادرة على أن تعود بالنفع على المسار الاحترافي في مصر، خاصة في المجال المسرحي، إلا أن ذلك يبقى مرهوناً بمدى قدرته وإيمانه وإدراكه بضرورة العودة لذات الذائقة التي يجيدها ويختارها في عالم الغناء، وتجاوز آثار الفجوة الثقافية التراكمية في الفنون التعبيرية. 

وتأثير الطرف المصري الثقافي في تحديد المحتوى والمشترك الثقافي، مما يعيد تنظيم عملية إبداع الفنون الجماهيرية، والتي تملك مصر فيها ثروات بشرية هائلة لا محدودة.

بما يعود بالنفع على البلدين الكبيرين وبما يساهم أيضاً في تمتعنا بالإبداع السعودي الجديد للفنانين السعوديين، وهم خلفاء طلال مداح المعشوق في مصر وغيره من الكتاب والفنانين والشعراء من بلاد المملكة العربية السعودية الشقيقة.

أثق في إخلاص النوايا، وأتمنى حضور الإرادة السياسية الثقافية المصرية والسعودية معاً حقاً كي ندعم الفنون التعبيرية بمعناها الجمالي والمعرفي لجماهير الوطن العربي الكبير.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز