ذكرى استشهاد أبوتراب علي بن أبي طالب
سلمي السلنتي
تحل اليوم السبت علينا ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب علي يد عبدالرحمن بن ملجم غيلة، في شهر رمضان من سنة 40 هجرية الموافق 27 يناير 661.
وهو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم، والدته هي فاطمة بنت أسد بن عبد مناف بنت عم أبي طالب، وقيل انها اول هاشمية تلد لهاشمي، وكانت ولادته في جوف الكعبة.
كان ابي طالب أحد سادات قريش، ونشأ النبي، ﷺ في بيته بعد وفاة جده عبد المطلب، وكان له ستة أبناء عقيل وطالب وجعفر وعلي وأم هانئ وجمانة.
يعد علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وأحد المبشرين بالجنة، نشأ في كنف الرسول صلي الله عليه وسلم، دخل الإسلام صغيرا، شارك في الغزوات الكبرى.
من صفاته الشجاعة، التضحية بالنفس، الذكاء، الفقه بأمور الدين، الزهد، الورع، الحياء، التواضع أما عن صفاته الخَلقية كان حسن الوجه، قوي الجسد والبنية، أصلع وكثير اللحية.
زواجه من فاطمة بنت رسول الله
كانت لعلي مكانة عظيمة في قلب الرسول، ﷺ فزوجه أحب بناته إليه فاطمة الزهراء، وكان لديه عدت أبناء أشهرهم الحسن والحسين.
ويذكر ان الصحابة كانوا يترددون علي بيت النبي صلي الله عليه وسلم لطلب الزواج من فاطمة، لكنه كان يردهم جميعا حتي أتي أمر الله بزواج فاطمة من علي بن ابي طالب.
كيف اصبح علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ؟
في اليوم التالي لمقتل الخليفة "عثمان بن عفان"، تم مبايعة علي بالخلافة في 25 ذي الحجة سنة 35هــ وقد أجمع المسلمين من المهاجرين والأنصار على اختياره خليفة لهم.
وعلي الرغم من فترة خلافته القصيرة إلا انه قام بأعمال يشهد لها التاريخ، ففي عهده حقق بيت المال فائض غير معتاد، وتم توزيع الزائد عنه بالعدل، وقام بتخصيص يوماً للنظر في المظالم، وهو أول من أنشأ الشرطة لتحقيق الأمن والتصدي للصوص والمخربين.
سياسته في الغزوات والمعارك
كانت له بعض الوصايه التي يتبعها الجيوش من بينهم معاملة الجنود الطيبة لسكان البلاد، ومن اقواله: "إذا نزلتم بعدو أو نزل بكم، فليكن معسكركم من قبل الإشراف وسفاح الجبال، أو أثناء الأنهار، كيما يكون لكم ردءًا ودونكم ردًّا، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب، لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن، واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعًا، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعًا، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة ولا تذوقوا النوم إلا غرارًا أو مضمضة".
ليلة المبيت
بعد تزايد عدد المسلمين شعر كفار قريش بخطر الإسلام والدعوة السماوية، فاجتمعوا في دار الندوة لاتخاذ قرار قمع الدين الإسلامي، وقاموا بطرح ثلاث خطط الأولي قتل النبي، الثانية إلقاءه في السجن، الثالثة إبعاده عن أرض الحجاز.
لكنهم صمّموا علی قتل الرسول صلي الله عليه وسلم، واختاروا من كلّ قبيلة رجلاً للاشتراك في قتله لكي يضيع دم النبي بين القبائل، ولا يستطيع بنو هاشم أن يحاربوا كلّ هذه القبائل فيقتنعوا بالدية.
وأحاط بيت الرسول أربعون شخصاً من قبائل عربية مختلفة ليلاً، ثمّ تسلقوا الجدار وانتظروا الفرصة المناسبة لقتل النبي، وجاء في كتاب بحار الأنوار أنه نزل جبرائيل على الرسول صلي الله عليه وسلم وأخبره الأمر.
وتلا عليه: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" الأنفال:30
وأمره أن يهاجر إلی المدينة ويترك علی بن أبي طالب مكانه، فأرسل الرسول إلی علي وقال له: يا علي، انّه قد أوحي إلي جبرائيل عن ربي عزوجل أن أهجر دار قومي وأمرني أن أمرك بالمبيت علی مضجعي لتخفي بمبيتك علیه أثري، فما أنت قائل أو صانع ؟
فقال علی للرسول: أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله ؟، فقال النبي: نعم يا علي، فتبسم علی ضاحكاً، وسجد شكراً لله تعالى ويقال أنها أول سجدة شكر كانت في الإسلام.
وحاصر المشركين بيت الرسول ليهجموا عليه في منتصف الليل ولكن منعهم أبو لهب من ذلك خوفاً من أن يقع أحدهم خاطئا، فصبروا حتى طلوع الفجر، ثم استطاع الرسول الخروج من الدار دون أن يتمكنوا من ملاحظته وهو يقول: "وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" يس 9، وينثر التراب على رئوسهم وهم لايشعرون.
وجاء الفجر جهزوا السيوف وقصدوا الفراش، ليتفاجئوا بأنهم يواجهون علي بن أبي طالب يثب في وجوههم ويقول بمنتهى الطمأنينة والشجاعة: ما شأنكم؟ وماذا تريدون؟، فقالوا له: أين محمد ؟، فقال علي: اجعلتموني عليه رقيباً ؟
ففشلت خطتهم لقتل الرسول، وأقدموا سريعا لملاحقة الرسول يظنون أنّه لا يستطيع الخروج من مكة في تلك الفترة القصيرة.
وبعد ان خرج النبي مسرعا من مكة، تحرك إلى جهة الجنوب عكس اتجاه المدينة حتى وصل إلى غار "ثور"، وبعد فترة قصيرة يأس كفار قريش من العثورعليه فاستطاع النبي التحرك إلى المدينة بسلام وأمان.
عندما كان الرسول في طريق المدينة أنزل الله عليه آية في شأن علي بن ابي طالب "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" البقرة 207.
استشهاد علي بن ابي طالب
استشهد علي رضى الله عنه في عمر في عمر ال63، تم اغتياله بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم غيلة، في يناير من سنة 661، الموافق شهر رمضان من سنة 40 هجرية.
كان عبد الرحمن بن ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمى، من غلاة الخوارج فاجتمعوا، وتذكروا القتلى من المسلمين وألقوا وزر دماء قتلاهم كلها على ثلاثة هم على بن أبى طالب، معاوية بن أبى سفيان، عمرو بن العاص.
وقال ابن ملجم "أنا أكفيكم على بن أبى طالب" وقال البرك "أنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان"، وقال عمرو بن بكر "أنا أكفيكم عمرو بن العاص" كما ذكر الأديب عباس محمود العقاد فى كتابه "عبقرية الإمام".
وقال المؤرخون أن عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الحميري أقام في الكوفة ينتظر الموعد المناسب لقتل علي، ثم قام هو واحد رفاقه بانتظر الإمام حتى خرج من بيته لصلاة الفجر، وعندما رأوه قادمًا استقبلوه بسيفيهما.
فأصابه ابن ملجم في جبهته حتى بلغ دماغه، ووقع علي بن طالب وهو يقول: "لا يفوتنَّكم الرجل" ثم أحاط القوم بهم واستبقوا ابن ملجم وقتلوا رفيقه.
وحملوا الإمام إلى بيته فأقام ليلتين ويومًا ثم توفي، وأختلف العلماء بمكان قبره فقال ابن تيمية وابن سعد وابن خلكان إنه دفن في الكوفة، وقال الحافظ أبو نعيم إنه دفن بالكوفة ثم نقل إلى المدينة المنورة بواسطة الحسن بن علي، وقال إبراهيم الحربي إن مكان قبره غير معلوم.
لماذا لقب أبو تراب أحب الألقاب للإمام علي بن أبي طالب ؟
ويذكر ان أبو تراب كان أحب الالقاب للإمام علي بن أبي طالب، حيث روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دعي بها"
إذ جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم بيت فاطمة عليها السلام، فلم يجد علي في البيت، فقال: أين ابن عمك ؟، فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني وخرج، فقال رسول الله لأحد: انظر أين هو ؟، فجاء بعد مدة قصيرة وقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد.
فجاء علي لرسول الله وهو مضطجع، وسقط رداؤه في التراب، فجعل رسول الله يمسحه عنه وهو يقول: "قم أبا تراب، قم أبا تراب".