

د. حسام عطا
أحمد نوار.. أحمد شيبة.. عماد الدين أديب
فلسطين والقوة الناعمة المصرية
بتأمل القوة الناعمة المصرية وإنتاجها الإبداعي بشأن فلسطين المحتلة نجد إنتاجاً مصرياً ثرياً في كل أنواع الإنتاج الإبداعي من الأغنية إلى القصيدة وهما أسرع رد فعل إبداعي وأكثر أنواع الفنون التعبيرية مقدرة على الانتشار السريع، مروراً بالفنون التشكيلية والرواية والقصة والقصيرة منها، ثم وصولاً إلى المسرح وهو أكثر الفنون التعبيرية تركيباً، ثم ندرة في السينما نظراً لأن السينما فن يحتاج لعملية صناعية معقدة.
إلا أن الفن المصري يكفيه علامة على إخلاصه لقضية فلسطين والعروبة فيلم "ناجي العلي" للراحل الكبير نور الشريف، وإن لم تخل الأفلام المصرية الملونة والأبيض والأسود من إشارات متعددة لقضية فلسطين، ومن أبرزها فيلم المخدوعون عن رواية غسان كنفاني، للمخرج المصري الكبير توفيق صالح.
ومنذ بدء الصراع العربي الصهيوني والقوة الناعمة المصرية هي التي تقص القصة وتسرد للحاضر والمستقبل سجل الحقوق المشروعة.
ولعل المسرح المصري خاصة عندما كان في القلب من اهتمام الدولة المصرية بالفنون التعبيرية قبل انتقال هذا الاهتمام إلى الدراما التليفزيونية الآن، كان هو الأبرز في التعبير عن هذا الاهتمام.
وهو الاهتمام الذي نتمنى عودته مجدداً محاطاً بالمتابعة والميزانيات الواقعية القادرة على استعادة الدور المحوري التاريخي والرائد للمسرح المصري في المنطقة العربية وفقاً لمتغيرات اقتصاد السوق، ودخول اللاعبون الجدد في السوق العربية الجديدة، والتي أسهمت في تغير مقياس الأجور والمكاسب وقدرات الإنتاج والإمكانية المتاحة لحرية عمل المخرج المسرحي المصري المهتم بالمسرح بمعناه الجمالي المعرفي.
ولأن المسرح المصري كان بيت القضية الوطنية منذ مطلع القرن العشرين بل وأواخر القرن التاسع عشر، مروراً بالإزهار الستيني الشهير حتى تداعيات الدور الرمزي الذي استمر لنهاية القرن العشرين، فقد حضرت القضية الفلسطينية واضحة في أعمال كبار الكتاب والمخرجين في المسرح المصري وعلى رأسهم نجيب سرور، عبد الرحمن الشرقاوي، الفريد فرج، يسري الجندي، أبو العلا السلاموني وغيرهم، وأيضاً كانت محور اهتمام كبار المخرجين المبدعين أمثال سعد أردش وكرم مطاوع وغيرهما.
وتبقى النار والزيتون للكاتب الكبير ألفريد فرج والتي كتبها بالتنسيق الوثائقي والمعايشة الحية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقدمها المسرح القومي المصري عام 1970، هي أبرز علامات المسرح المصري المعاصر في هذا الشأن. بل إن الأمر أمتد في منتصف التسعينات إلى تعاون وثيق بين الكاتب والشاعر المصري الكبير يسري خميس رحمه الله، والمخرج المحترف الكبير السيد راضي رحمه الله، في إنشاء مسرح الطفل الفلسطيني، أيضاً بالتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقد كانت باكورة إنتاجها مسرحية طاق طاق طاقية.
ويستمر هذا الزخم وذلك الاهتمام لدى القوة الناعمة المصرية حتى الآن، وإن كانت أحداث حرب السابع من أكتوبر ثم العدوان على غزة والمدنيين والذي يصل إلى جريمة الإبادة الجماعية، لم يتم معالجته في عمل إبداعي فني حتى الآن، فذلك نظراً لتلاحق ودموية العدوان الصهيوني وعدم اهتمامه نهائياً بالرأي العام العالمي، ونظراً لأن الفنون التعبيرية تحتاج إلى وقت وإلى عملية إنتاجية ذات طابع صناعي في إطار الفكرة المعاصرة في إنتاج الفنون، ألا وهى فكرة الصناعات الإبداعية.
وفي هذا الإطار سوف تدخل الفنون التعبيرية بالتأكيد لمواصلة دورها التاريخي في التعبير عن القضية الفلسطينية وهى التي لا تزال القوة الناعمة المصرية تراها قضية مصر والعرب المركزية.
وكالعادة يبدأ الأمر بالغناء والشعر وقد لاحظت عدداً من القصائد المتناثرة، فإن المصريين لا يزالون يستعيدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعادة إطلاق أمل دنقل مجدداً ومعه الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب وغيرهم.
وفي الفنون التشكيلية ظهرت العديد من الإبداعات عن هذه القضية على مدار عقود، وإن تبقى الفنون التشكيلية هي فنون النخبة، ومن أبرز تلك الإبداعات نجد تكراراً ملحوظاً وتردداً لا ينقطع لدى الفنان المصري التشكيلي الكبير د. أحمد نوار ربما يمكننا استعادته وإعادة طرحه للجمهور العام في مصر والعالم مرة أخرى، لأنه إنتاج إبداعي يتصل بالفنون المعاصرة ذات الطابع العالمي، وأبرز تلك الأعمال، العمل المركب الذي أسماه (الأرض). كنت أستمع إلى أغنية أحمد شيبة الجديدة "قاتلني وجاي تقولي شالوم"، والتي هي أول أغنية تصدر عن الغناء الشعبي المصري، وهى تتسبب في ضم أحمد شيبة إلى كتيبه الإبداع الوطني، هذا المطرب الشعبي الذي يحمل حكمة الصعيد المصري في عقله وقلبه.
وبينما أسعدتني الأغنية أدركت أن الإبداع المصري قادم بالتأكيد في كل الفنون التعبيرية وأنها مجرد مسألة وقت، وفي هذا الإطار أحاول أن أقرأ مجدداً اهتمام الإعلام المصري بالإعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح الذي حضر لمصر للعلاج، هذا الترحاب الإعلامي والشعبي يتزامن مع طاقة عاطفية وإرادة شعبية مصرية تساند فلسطين، وفي القلب من هذا كله تقف الدولة المصرية بلا شك.
وكانت الدولة المصرية تعرف ماذا تفعل جيداً عندما بدأت مسار عملية السلام، إلا أن قضية الحرب والسلام منذ عهد الرئيس أنور السادات وحتى الآن لا تزال الدولة المصرية تعالجها معالجة خاصة جداً ذات طابع مركب، وسوف أشرحها مجدداً كما أفهمها من متابعتي للشأن العام في مصر، وأخص بهذا الحديث الشارح مجدداً عدداً من الكتاب والإعلاميين ومنهم الكاتب الكبير عماد الدين أديب والذي يصف الجانب الذي أسماه بمجموعات المقاومة والممانعة بالتيار الشعبوي، وقد تنبأ بخروج هذا التيار من السياسة العربية في العام القادم 2025 في برنامج المشهد مع أستاذ العلوم السياسية معتز عبد الفتاح، ولهما مذكراً ولنفسي وللقوة الناعمة المصرية أجدد القول بأن دور القوة المصرية الناعمة هو حفظ تاريخ القضية والإبقاء على المقاومة والممانعة وإعادة نقل التاريخ القريب والبعيد للأجيال القادمة، بما في ذلك حفظ الحقوق المشروعة، وحق العودة للشعب الفلسطيني، لأن دور الإبداع والقوة الناعمة ككل هو طلب المستحيل والحق المشروع الكامل، أما دور أهل السياسة والحرب فهو إدراك حقيقي لكونها حرباً لا تنتهي، وأننا علينا إدارتها وفقاً لمقتضيات السياسة الدولية والإقليمية وميزان القوى الجديد المتغير، وذلك في إطار فهم حقيقي لفكرة مصلحة مصر، وهي المسألة الواقعية التي تعالجها السياسة المصرية بحكمة وحنكة وتصور مستقبلي وإدراك للظروف المحيطة، دون أن تتخلى عن دورها الوطني.
أما أهل القوة الناعمة فهم ليسوا تياراً شعبوياً، هم تيار يعبر عن ضمير الشعب المصري، وفي ذلك فليتأمل صناع الحرب والسلام تلك المعادلة المصرية التاريخية السياسية التي تجمع بين الواقع والمستحيل القابل للتحقيق، المستحيل الحق المشروع والممكن السياسي الواقعي، معادلة لا شك تعبر عن خيال سياسي وحنكة مصرية تاريخية لأول دولة في التاريخ البشري.