د. عادل القليعي
الانتخابات الرئاسية.. وجمهوريتنا الجديدة
في العاشر من ديسمبر الجاري، انطلق عرس الديمقراطية، الانتخابات الرئاسية، لاختيار رئيس للمحروسة مصر الغالية، وتقدم عدد من المرشحين منهم رئيسنا الحالي حفظه الله تعالى، الذي وجه جل اهتمامه إلى بناء دولة عصرية تواكب ركب التقدم العلمي والتقني.
نعم انطلق جماهير الأمة المصرية في الخارج قبيل أيام والداخل اليوم، الكل يريد أن يشارك في اختيار القائد لا إرغام من أحد ولا توجيه من أحد.
المواطن أصبح واعيًا مستنيرًا يعلم جيدًا من سيختاره ومن سيتحمل المسؤولية ومن سيواجه التحديات في هذه اللحظات الفارقة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، بل والعالم بأسره.
نعم المتربصون بنا كثر في الداخل والخارج، المواطن أصبح على دراية وفهم جيد بمن سيختاره من سيحقق له المعادلة الصعبة من الذي سيحقق له حياة كريمة تزول معها الآلام وأوجاع الماضي ويحقق له حلم جمهورية جديدة، مدينة فاضلة نحلم بها.
لا نحلم أحلام يقظة أو أحلام خيالية لا يمكن تحقيقها، ولا نحلم برومانسيات حالمة كالتي نراها في الأفلام والأدبيات كألف ليلة وليلة، ولا التي يتغزل في محاسنها الشعراء، ولا التي هي مدينة أفلاطون الخيالية، فلا نعلم مدينة بلا أسوار، بلا حراس. ولا مدينة الفارابي وأحلامه السعيدة في إقامة مدينة الحكماء.
ولا يوتوبيا توماس مور، ولا مدينة الأثرة عند توماس هوبز والإنسان ذئب لأخيه الإنسان، ولا مدينة الحكم العقلاني الصارم عند عمانويل كانط والإنسان يفعل فعله من أجل الواجب الأخلاقي.
ولا مدينة الله التي حدثنا عنها القديس أوغسطين، ولا مدينة البحث عن الأمر المطلق الذي قد يفوق قدرات ساكنيها.
نحلم بمدينة تليق بالإنسان بما هو كذلك إنسان كرمه الإله وحمله أمانة ناءت من حملها الجبال.
نريد مدينة نعامل فيها الإنسانية متمثلة في شخوصنا، مدينة يسودها الحب والأمن والسلام والاستقرار، نربي فيها أولادنا على الإيثار وحب الغير والعمل لمصلحة الآخر.
مدينة يحكمها حاكم من أهلها على دراية بهموم وقضايا الناس حاكم عادل يقسم بالسوية ويراعي الله في الرعية ويعدل في القضية.
لذلك نقول للسادة الناخبين، المرشحين أمامكم والإنجازات ترونها رأي العين ومن لا يراها فهو أعمى بصر وبصيرة.
وحلم دولتنا وجمهوريتنا بات قاب قوسين أو أدنى، وقاطرة التقدم والعمران انطلقت ولن يوقفها أحد، فاختاروا القائد الهمام الذي سيكمل المسير الذي سيكمل البناء الذي سيعمل مدعومًا بنا وبوقوفنا إلى جواره ندفعه دفعًا إلى الأمام.
ورب واحد يقول زمن الأنبياء والقديسيين والرهبان ولي وزمن الخلفاء ولي.
نقول، نحن نعلم ذلك جيدًا، لكن ألسنا نأخذ العبرة من هؤلاء، ألسنا علينا واجب قيمي في أن نختار حاكم يبكي لبكاء الناس ويفرح عندما يفرحون، نريد مدينة يحكمها القانون الداخلي الوازع الداخلي وحينما يعجز نلجأ إلى القانون الوضعي، نريد مدينة يقف على أبوابها جنود أشداء على أعدائها، رحماء على أهلها، يحمون حماها متي اقتضت الضرورة لذلك.
نريد مدينة تنتفي فيها الأنانية والحقد والحسد والبغضاء والضغينة ونصب المكائد من أجل أضغاث أحلام قد تتحقق وقد لا تتحقق، من أجل منصب أو جاه أو سلطان فكل ذلك ذاهب إلى زوال وسيصبح طي الكتمان ولن يبقي إلا الإنسان.
كل مشاريعنا التي نخطط لها ونسعى إلى تحقيقها، ما كانت إلا أحلام، نحلم بها، بكثير من الجهد والعرق والاجتهاد تصبح حقيقة.
نحلم بمدينة يقدر فيها أهل العلم والعلماء يأخذون حقهم اللازم ويحيون حياة كريمة، نحلم بمدارس جميلة علمًا وخلقًا ونظافة.
نحلم بجامعات تليق بالإنسان بما هو إنسان جامعات تربي جيلا واعيا مستنيرا.. جيل ننشئه على الفهم الصحيح والنقد البناء.. جيل ننشئه على المواطنة وحب بلده وكيف يفني عمره في خدمتها. جيل نؤهله لحمل راية الوطن فوق أكتافه، متحملًا مسؤولياته تجاه بلده. جيل نربيه على حب الفداء. مدينة نهتم فيها بالأستاذ ليأخذ حقه ماديًا ومعنويًا بدلًا من أن يتركها ويسافر من أجل تحسين مستواه المادي، ويكرم معنويًا في حياته وليس بعد مماته.
يشعر بقيمته كعالم جليل وما أروع وأكثر العلماء الأفاضل الأجلاء، نريد مدينة يصبح فيها الكل في واحد والواحد في الكل.
نحلم بمدينة شوارعها نظيفة وطرقها ممهدة مرافقها صالحة للاستعمال الآدمي، نحلم بمدينة مهندمة جميلة تنظر إليها فتسعد وإذا غبت عنها تشتاق إليها وتذكرها في كل مكان تحل فيه.
هل هذا الحلم صعب المنال، عصي التحقيق، لا نريد إلا العيش في سلام في مدينة أسوارها شاهقة شامخة وأشجارها ظلالها وارفة تحتضن القاصي والداني.
في اعتقادي وملتي أن هذه المدينة من الممكن الوصول بمدينتنا إليها كيف؟!!
بالحب والود والاخلاص والتعاون والاحتضان لو كل واحد منا أحبها حبًا حقيقيًا وعشقها عشقًا أزليًا. بالاختيار المنضبط لحاكم يحمي حماها أسد كاسر على أعدائها، رقيق القلب على أبنائها.
أعتقد أن الحلم سيتحقق والخيال سيزوال وسيصبح حقيقة، فلنبدأ بأنفسنا كل يبدأ بنفسه ويفتش في أعماق ذاته سيجد أنه بإمكانه صنع المعجزات.
وأنه ليس ثم معجزات لأن الإنسان صخر يتحطم عليه المستحيل.. هل هذا صعب أفيدوني، ليست هذه مثالية وإنما واقع نحياه نريد أن نتحول به إلى الأفضل.
المعادلة ليست صعبة، ولكن بالالتفاف حول بعضنا البعض والوقوف لا أقول خلف قادتنا وإنما بجوارهم كتفا بكتف وجنبا بجنب، ونطرح المثبطين جانبًا ولا نلتف إليهم، بل ونقول لهم في خطاباتنا التوعوية التنموية قفوا عند منتهاكم وتراجعوا عن مخططاتكم الدنيئة التخريبية، فالله من وراء كم محيط ولن تفلحوا وسيخيب سعيكم.
وأعتقد أن الحلم بات حقيقة، أو أصبح قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح واقعا نحياه.. إنها جمهوريتنا الجديدة، إنها جمهوريتنا الديمقراطية.
فهيا شاركوا في هذا العرس المهيب، فمصر تتزين بأعلام الفخر والعز لانتخاب القائد المظفر العاشق لتراب هذا البلد.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان