عاجل
الثلاثاء 28 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ثقافة صالونية أم صالونية ثقافة!

ثقافة صالونية أم صالونية ثقافة!

كثيرًا ما كانت توجه إليّ الدعوات لحضور الملتقى الثقافي أو الأدبي أو حتى في تخصصي الفكر الإسلامي، وأحيانًا ألبي هذه الدعوات، وأحايين كثيرة أمتنع عن الذهاب وأتحجج بحجج كثيرة، صراحة حجج متهافتة، لكن لحفظ ماء وجهي وماء وجه من يرسلها لي.



 

 

ولعل أسبابًا كثيرة هي التي تمنعني من الذهاب، دومًا ما كنت أتساءل في قرارة نفسي ما الفائدة المرجوة من هذه الصالونات المغلقة التي تأخذ طابع الكلاسيكية التقليدية التي تتشابه إلى حد بعيد بصالونات الباشاوات والبكوات أيام الحكم الملكي.. وجوه باسمة ضاحكة، رابطات عنق شيك جدا، بذات باهظة الثمن، مشروبات ومأكولات فخمة ومفتخرة، مجاملات ومعسول كلام، صحفيون وأدباء وشعراء وممثلون ولاعبو الكرة، وأتساءل ما علاقة لاعبي الكرة بالمنتديات الثقافية، أنا لا أقلل من شأن أحد، لكن لكل مقام مقال، المفترض أن مثل هذا الصالونات الشيك ذات الكراسي المذهبة المنمقة لا تضم إلا صفوة أهل الثقافة والفكر على كل مستوياته.

 

 

ما كنا نشاهده في التلفاز وما كنا نسمعه عن هذه الصالونات قديمًا أنها كانت تضم خيرة القوم في كل المجالات، حتى في الغناء، كنا نشاهد الست أم كلثوم، وعبده الحامولي، القصبجي ورياض السنباطي وأحمد شوقي باشا وأحمد رامي، حتى إذا ما قاموا يقدمون شعرا أو نثرا أو غناء تسمع عذب الكلمات وعذب الألحان التي تعزف على القلوب فترققها.

كنا نقرأ في المدونات القديمة المودعة بدار الكتب مطبوعات هذه الصالونات وكنا نقرأ عن مدونات علي أمين ومصطفى أمين وعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، وكذلك من قبل هؤلاء صالونات ثقافية فكرية حقيقية كانت تهتم بقضايانا المعيشة، قضايا وهموم البلد، قضايا المرأة والحرية الفكرية، حتى القضايا الدينية كانت تفرد لها ندوات، مثل الندوات التي بدأت مغلقة ثم تم تفعيلها على مستويات واسعة كحديث جمال الدين الأفغاني عن الجامعة الإسلامية والكواكبي، وقضايا المرأة وتربيتها وتعليمها عند الطهطاوي وقاسم أمين، حتى عندما كان يُقدم فيلم سينمائي كانت تُفرد له ندوات صالونية لمناقشة محتواه وما سيقدمه للمتلقي وهل سيفيد واقعنا أم لا، إذا اتفق الجميع أو الغالبية العظمى على أهميته ترفع توصية على الفور للرقابة والجهات المختصة بضرورة دعمه لضمان استمراريته، والعكس إذا كان غير ذي فائدة وليس ثمة استفادة منه يحظر بثه ونشره، أما الآن- إلا ما رحم ربي- فكله تمام، من يدفع يحصل على البركة، المهم العمل يقدم-عملهم أسود- حتى لو كانت مادته وقصته هابطة تشرعن للرذيلة وإثارة الشهوات والغرائز، يقدم وعند السؤال بلماذا؟! يأتيك الرد من المتفيهقين المأجورين لنشر التوعية، سبحان الله، ننشر الوعى من خلال نشر الرذيلة والأفلام الهابطة. 

 

أما الآن فحدث ولا حرج _وكعادتي لا أعمم الأحكام ولا أصدرها على عواهنها، لذا أقول إلا ما رحم ربي_ تذهب إلى الصالون المسمى بالصالون الأدبي فتجد ما لا يسر حبيبا، ويسر به عدو لأن الحبيب الحقيقي هو الذي سيأسف على ما وصل إليه فكرنا من سطحية وهامشية وافتقار إلى مضمون نص حقيقي يقدم فكرا راقيا لا فكرا حلزونيا يشبه (الحلزونة يا أما الحلزونة)، وهذا تجسيد لواقع مأزوم واقع ثقافي يعصف بالمتلقى فيصيبه بالتخمة تخمة العقول من كثرة حشوها بتوافه الأمور.

 

نذهب إلى هذه الصالونات، ونجد عجب العجاب، إن هذا لشيء عجاب، المنصة يعتليها ما يطلقون على أنفسهم مفكرين، وهم أبعد ما يكونون عن التفكير، مصطفون على الكراسي الكل يريد اللقطة، اضحك حتى تكون الصورة حلوة، اهتمام بالشكل والمضمون أجوف، وإذا قام واحد من الحضور يود مناقشتهم في ديوان شعري، أو رواية أدبية، أو قضية ما محل النقاش، تجد التفنن في تحجيمه، التفنن في الرد عليه وإسكاته وإجلاسه في مكانه، يا من تنصبون أنفسكم محامين عن الثقافة والفكر، أعطوه فرصة يتكلم، أم أن كلامه ثقيل على قلوبكم لماذا؟!، لأنه يقول الصدق والحق دون نفاق، دون مجاملة، يريد نهضة حقيقية للثقافة، يريد علاجا ناجعا لمشكلاتنا، لا أنت لست مثقفا أنت لا تفقه شيئا، أنت مغرض، كيف تتطاول على هؤلاء الأشاوس، فيا هؤلاء الأشاوس ماذا قدمتم أنتم لنهضة بلادكم ولنشر الوعي الثقافي بين أبناء أوطانكم، فيا هؤلاء هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟

هل عندكم حلول جذرية للنهوض بأمتنا العربية وإقالة عثراتها؟ لا، لا يوجد، إذن فلماذا تذهبون إلى هذه الصالونات والمنتديات، هل ذهاب من أجل الذهاب هل ذهاب للأكل والشراب، والتقاط الصور التذكارية وتوزيع شهادات التقدير والتكريم؟

نعم أنا لا أعمم الأحكام ولا أصدرها على عواهنها فما نراه جد يثير حفيظة أي إنسان مهتم بواقع بلده الثقافي غيور عليه يريد الارتقاء ببلده، نعم لا أعمم الأحكام، فهناك صالونات ثقافية معتبرة وهي قلة قليلة، وهناك منتديات فكرية رائعة تناقش قضايا مهمة، وتطرح أفكارا مهمة، وهناك صالونات أكثر من رائعة تناقش قصصا أدبية من خلال نقاد ماهرين حاذقين في عملهم، لكن لا بد من تفعيل دورهم أكثر وأكثر ولا بد من إخراجهم من هذه الغرف المغلقة إلى تجمعات كبيرة في ما كان يطلق عليه بالثقافة الجماهيرية، خطاب توعوي ناجع، لا بد من توجيه الأنظار إلى أمثال هؤلاء حتى نرقى ونرتقي، بل وما يتوصلون إليه لا بد أن يدون في كتب لا لأن توضع على الأرفف وإنما لتفعل هذه التوصيات، وهذا دور وزارة الثقافة بكل روافدها من هيئة كتاب، مجلس أعلى للثقافة، دار أوبرا، دار الكتب.

إذا أردنا حقا نهضة ثقافية فكرية، فلا بد من تضافر كل الجهود، فلا يكفي ندوة أو حتى ندوات تعقد في معرض الكتاب، بل لا بد من ضرورة عقد هذه الندوات بصورة أشمل وأوسع فلا تكون مقتصرة على العاصمة فقط، بل لا بد من نزولها إلى المدن والقرى والأرياف.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة

آداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز