أيمن عبد المجيد
لماذا أشارك في الانتخابات الرئاسية؟
ربما طرح بعضنا هذا السؤال على نفسه، وقد لا يفكر فيه من يستسلم للحملات السلبية المغرضة، التي تستهدف خفض الروح المعنوية، سواء بزعم أن الانتخابات محسومة، أو بتقليل الفرد ذاته من أثر وأهمية صوته.
والحقيقة أن المشاركة في الانتخابات الرئاسية، فريضة وطنية، بل في هذا التوقيت تحديدًا التخاذل عن أدائها، إهدار لحق الوطن ودماء الشهداء، ومستقبل الأبناء، بل كمن ألقى سلاحه وفرّ هاربًا من معركة في مواجهة الأعداء.
هذه ليست مُبالغة، بل حقيقة أومن بها يقينًا انطلاقًا من إدراك ووعي بما يُحاك لمصر ويخطط لتحقيقه أعداء الخفاء، بينهم أعتى دول العالم بأجهزتها المخابراتية.
تلك المخططات خاضت مصر في مواجهتها جولات من الصراع الدامي، في ساحات عدة وبأسلحة متنوعة، منذ عام 2005، مرورًا بتصاعد ذروة الصراع 2011، مرورًا بعام 2013 وما تلاه من أحداث، انتقالًا إلى الجولة الأعنف التي أديرت في العلن ونعيش تفاصيلها الآن على الهواء، مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الأشقاء من غزة إلى سيناء.
بل للدقة قبل خمسين عامًا، عكف الأعداء في اليوم التالي لوقف إطلاق النار في حرب السادس من أكتوبر 1973، على دراسة أسباب هزيمتهم الساحقة، ومقومات الانتصار المصري العربي، واضعين لأنفسهم هدفًا استراتيجيًا واضحًا، هو منع تكرار الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل ورعاتها الأمريكان، في أي مواجهة محتملة قادمة.
نعم هناك مواجهة قادمة، حرب هجينة، أسلحتها خليط من التقليدية وغير التقليدية، فالاحتلال الصهيوني وظيفي، غرسه الاحتلال القديم قبل أن يحمل عصاه مغادرًا منطقة المشرق العربي، لحماية مصالحه، في الإبقاء على دول المنطقة دون حد القدرة على تحدي أو إعاقة مصالح القوى العظمى.
فمن رحم الاحتلال الفرنسي، ولدت فكرة تحريض يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين لإقامة دولة يهودية بها، دعاهم نابليون بونابرت، مع قدومه لاحتلال مصر وسوريا عام 1798، بهدف خلق جدار بشري على حدود مصر لفصلها عن امتداد الجسد العربي بالشام.
أراد نابليون صناعة كيان موالٍ للإمبراطورية الفرنسية، يحمي مصالحها في القلب، منها طرق تجارتها للهند، و«المنهوبات»، التي أسموها «مستعمرات»، في معارك المصطلحات لاحتلال الأذهان قبل الأوطان.
لم يجد نابليون من يهود العالم، آذانًا صاغية، ولم تمهله المقاومة المصرية الوقت، فقد لقنه شعب مصر درسًا سجله التاريخ، ورحل غير مأسوفٍ عليه، لتمضي السنوات قبل أن يجدد الاحتلال البريطاني العدوان على مصر 1882م.
ذاق الاحتلال البريطاني ثروات المشرق العربي، وتعاظمت لديه مكانة مصر الاستراتيجية مع قناة السويس، شريان الحياة الاقتصادية بين أقطار العالم، وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وظهرت الحركة الصهيونية الحديثة، وتلاقت الأهداف.
تغيرت موازين القوى الدولية، بانتهاء الحرب العالمية الثانية، تعالت حركات التحرر الوطني، فكّرت الإمبراطورية البريطانية في إجابة للسؤال المهم: كيف نحمي مصالحنا حال الجلاء عن مصر، خاصة إذا أغلقت قناتها أمام حركة تجارتنا؟
وجد وزير الحرب البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، آرثر جيمس بلفور، الإجابة في استدعاء مخطط نابليون، بناء جدار بشري يهودي موالٍ لبريطانيا على حدود مصر، لتحقيق هدفين: الأول حماية الحدود الشرقية المؤدية إلى قناة السويس من أي عدوان لقوى دولية منافسة لبريطانيا.
والثاني وجود احتلال وظيفي، وكيلًا عن الاحتلال البريطاني حال رحيله، مع بحث إنشاء قناة بديلة لقناة السويس تربط البحر الأحمر من خليج العقبة، بالبحر المتوسط مرورًا بصحراء النقب.
تلاقت أهداف بريطانيا والصهيونية الحديثة، فمنح جيمس بلفور رئيس وزراء بريطانيا وعده المشؤوم إلى حاييم ويزمان، الرجل الثاني في الحركة الصهيونية، الذي استثمر علمه بالكيمياء في خدمة المجهود الحربي البريطاني لتوثيق علاقاته بقادتها، درس أهدافهم وربط مشروعه بمصالحهم.
خطط الاحتلال البريطاني للرحيل خلال فترة انتقالية مدتها عشر سنوات، كثف خلالها تهجير الصهاينة إلى فلسطين، وقبل إنهاء الانتداب 15 مايو 1948، بيوم واحد أعلن بن جوريون إقامة الدولة اليهودية، وكيلًا عن الاحتلال الإمبراطوري الراحل.
تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية صفوف القوى العظمى، لترث الاحتلال الصهيوني الوظيفي، الذي يخدم مصالح الأقوى بين قوى الغرب، مقابل دعم بقاء دولتهم، ليس أدل على ذلك من تصريحات السيناتور الأمريكي جو بايدن 1986 قائلًا: «لو لم تكن إسرائيل موجودة، لخلقناها، فهي أفضل استثمار أمريكي في الشرق الأوسط».
وعقب عملية المقاومة الفلسطينية، في السابع من أكتوبر الماضي، بعد 37 عامًا من تصريحه الأقدم، هرول جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاحتلال الصهيوني، معلنًا الدعم الأمريكي الكامل، مجددًا عبارته القديمة، لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا خلقها.
وهرول من خلف بايدن، رئيس فرنسا، ورؤساء وزراء بريطانيا وألمانيا وغيرهم، معلنين دعمهم لما أسموه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، والحقيقة هم يدافعون عن بقاء الاحتلال الوظيفي الذي أوجدوه لحماية مصالحهم.
لذلك تحرّكت حاملات الطائرات الأمريكية، وقدمت الهند السلاح، ببساطة لتنفيذ المخطط الأكبر، تهجير الفلسطينيين من غزة، سعيًا لبناء طريق تجارة دولي يربط الغرب عبر إيلات والنقب وغزة، بالهند عبر خليج العقبة، في مواجهة مشروع طريق الحرير الصيني.
عودة إلى الهدف الرئيسي للاحتلال الوظيفي، استخدامه في عرقلة أي مشروعات قوى دولية منافسة للأمريكان وحلفائها الغربيين، وتحقيق أهداف رعاتها ومصالحهم بالمنطقة.
ولذلك كان الهدف الاستراتيجي للصهاينة والأمريكان والاحتلال القديم البريطاني والفرنسي، عقب انتصار أكتوبر 1973، تفكيك مقومات النصر المصري العربي، وإضعاف القدرة العربية، وعمودها الفقري مصر، عبر إشاعة الفرقة بين الأشقاء، ونهب البترول مقابل الغذاء، لتوفير مخزون استراتيجي يحد من فاعلية تكرار استخدامه سلاح مستقبلًا، وإضعاف الجيوش بهدم الدول من الداخل.
وفي سبيل ذلك استهدفوا دولنا بالحصار الاقتصادي، والسياسي، وشعارات الحرية ومزاعم انتهاك حقوق الإنسان، وإنشاء التنظيمات الإرهابية، للحرب بالوكالة، والشائعات والحروب النفسية، نجحوا في تحقيق أهدافهم في العراق واليمن وليبيا وأحدثوا شروخًا عميقة في بنيان سوريا، ومؤخرًا السودان.
بينما مصر، كما انتصرت على المغول، والتتار، والحملات الصليبية، والاحتلال الفرنسي، والبريطاني، والعدوان الثلاثي، والاحتلال الصهيوني، هزمت مخطط هدم الدول العربية الوطنية من الداخل، انتصرت في جولة 2011، بأن حمى الجيش كيان أركان الدولة وإرادة الشعب، فكان المخطط البديل دعم صعود الفاشية الدينية، لطمس الهوية الوطنية، وتمرير مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، مقابل دعم رسوخ حكم الأخوان.
ومخطط الشرق الأوسط الجديد، تحدث عنه شمعون بريز الرئيس الصهيوني الأسبق في كتابة «الشرق الأوسط الجديد»، الصادر عام 1994، ويرتكز على ذات اعمدة خطة التهجير، وطريق تجارة دولي يربط العالم، ومشروعات اقتصادية في الأقليم تحفز على التطبيع لمصالح اقتصادية على حساب القضية الفلسطينية، وقطعًا استقطاع جزء من سيناء ينقل إليه الاشقاء من فلسطين.
فكانت الجولة الثانية، من الحرب الخفية، مواجهة الفاشية الإخوانية التي دعمها المحتل القديم لتحقيق المخطط البديل، طمس الهوية الوطنية، وإشعال فتيل الحرب الأهلية، لتتأكل أعمدة الدولة، ويصيبها الوهن، فتكون لقمة سائغة، يلتهم ما يشاء المحتل القديم عبر وكلاء ما تيسر من جسدها، وكنوزها.
استحضر الشعب المصري جينات حضارته، وعلى صخرة تلاحمه ووعيه، تحطمت الخطط البديلة، في جولة جديدة من الحرب غير التقليدية، ليستعيد وطنه في معجزة يونيو 2013، لتبدأ جولة جديدة من المواجهة في أخطر حرب هجينة استخدمت فيها اسلحة الحصار السياسي والاقتصادي والفذائف الإعلامية والتنظيمات الإرهابية.
استدعى الشعب المُقاتل عبد الفتاح السيسي، من قيادة الجيش إلى قيادة الدولة، لترميم شروخ مؤسساتها، وتعظيم قدرتها الشاملة، في مواجهة العدائيات على كافة الجبهات، فخاضت بقيادته مصر القتال في ساحات الدبلوماسية، والاقتصاد، والتعمير، والوعي والتنوير، والقتال لتطهير مصر وشمال سيناء لاقتلاع جذور الإرهاب.
تتذكرون إسقاط الطائرة المدنية الروسية في سيناء، لضرب قطاع السياحة، لخنق مصر اقتصاديًا، تذكرون التفجيرات الإرهابية، وتضحيات أبطال مصر الدين استشهدوا لاستعادة الأمن وتطهير سيناء من الأفاعي العملاء.
انتصرت مصر، عززت قدرتها الشاملة، قضت على الإرهاب، حافظت على سيناء، تنامت قدرة الجيش، والقدرة البشرية والبنية التحتية، وقدرة الردع، التي فرسم الرئيس السيسي من قاعدة محمد نجيب بالاتجاه الاستراتيجي الغربي الخط الأحمر الأول "الجفرة- سرت"، حفاظًا على الأمن القومي المصري فلم يستطع كائن من كان تخطيه.
واليوم تواجه الخطر الأكبر، مسعى الأمريكان وحلفائهم استخدام الصهاينة في تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الأشقاء الفلسطينيين إلى سيناء، لاستغلال غزة في مشروعهم الرئيسي طريق تجارة دولي وقناة بن جوريون المنافسة لقناة السويس، خطوات تنفيذية لمخططهم القديم.
وفي الوقت ذاته تهجير الأشقاء لسيناء، لتحويلها إلى ساحة قتال، وإعاقة تنميتها، وتهديد الملاحة في قناة السويس، وإعاقة المنطقة الاقتصادية على محوريها، لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر؛ إعاقة مواصلة نهوض الدولة المصرية، للحيلولة دون تعاظم قدرتها، بما يمكنها من إعاقة فرض الغرب لإرادته، ومن ثم الحيلولة دون تفوق القدرة المصرية على الكيان الصهيوني الوظيفي.
لكنهم خاب مسعاهم، فقد تجاوزت سرعة الإنجازات المصرية، وتنامي الوعي الشعبي، والقدرة الشاملة للدولة، قالت مصر: لا، وضع أعلن الرئيس السيسي الخط الأحمر الثاني من استاد القاهرة، وسط عشرات الألاف من ابناء الشعب، في رمزية تلاحم الإرادة الشعبية، والقيادة السياسية، قال كلمة مصر: لن نقبل ولن نسمح بالتهجير، وسيناء خط أحمر، وانصاع الاحتلال القديم ووكيلهم الصهيوني، فانتصرت مصر في جولة جديدة في حرب لا زالت مستمرة.
لذلك سعوا في أكثر من جولة لإحداث شروخ في جدار الثقة بين الشعب والرئيس، راهنوا على الفتن وفشلوا، وعلى تحريض الشعب وفشلوا، وعلى الإرهاب وفشلوا، وخططتهم اليوم الرهان على الأزمات الاقتصادية التي خلقوها بحصارهم الاقتصادي لمصر، لتحريض قطاع من الجماهير على التخلف عن أداء واجبهم الوطني في الانتخابات الرئاسية.
والهدف هنا شن حملات إعلامية تشكك في شرعية الديمقراطية، لذلك فإن كل مواطن هنا مقاتل في الجولة الجديدة من الصراع، صوته في الصناديق درع للوطن، وقذيفة موجهة لمخططات الأعداء، المشاركة في إحباط مخططتهم مهمة قتالية وطنية، المشاركة الانتخابية الكثيفة، رسالة دعم من الشعب المصري لقيادته السياسية، في مواقفها المعلنة الرافضة لمخطط التهجير والحفاظ على كل ذرة من ترابنا الوطني.
المشاركة في الانتخابات الرئاسية تعزز القدرة الشاملة للدولة المصرية، وفاء لدماء الشهداء الذين بذلوا دمائهم الزكية لإحلال الأمن والسلام والتنمية، دعم وحماية لمستقبل أبنائنا، تعزيز التجربة الديمقراطية، دفاع عن الأمن القومي المصري، تكليف لرئيس قادر على القيادة في أخطر تحدٍّ يواجه الأمن القومي المصري، تكليف بمواصلة الإنجاز.
لذلك سأشارك – بإذن الله- في الانتخابات الرئاسية، حفاظًا على وطن ضارب بجذور حضارته في عمق التاريخ مسافة سبعة آلاف عام.
سأشارك ما دمت حيًا بإذن الله، وفاء لدماء الشهداء، وتقديرًا لما تحقق من إنجازات، عززت القدرة الشاملة لمصر، مكنتها من استقلال قرارها السياسي، وقول كلمة لا بكل شجاعة وقوة لأعتى القوى الدولية، حفاظًا على أمننا القومي، والمقدسات، لا للمخطط التاريخي لإمبراطوريات الاحتلال ووكلائهم الصهاينة.
سأشارك بإذن الله وأدعو كل مصري غيور على وطنه وكرامته ومستقبل أبنائه أن يشارك ويدعو للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وللحديث عما تحقق من إنجازات إن شاء الله بقية..