د. حسام عطا
حنظلة 2023.. مشاهد درامية (5)
التعبير بالفن هو سلاحي الذي أجيد استخدامه، ولذلك أستأذن قليلًا في نشر مشاهد متتالية لحنظلة صديقي الحبيب 2023، ولذلك يبقى معي حنظلة (5).
- الهنود الحمر في كندا يتظاهرون..
- المشهد شارع كندي واسع حديث، تمر عبره مواكب من الهنود الحمر..
- حنظلة يقف متأملًا المسيرة أمام مبنى حديث أنيق، بينما يفصله عن المشهد الأسلاك الشائكة.. حنظلة: حياكم الله يا أصحاب الأرض الأصليين.. حياكم الله يا من تنصرون غزة.. أنتم حقًا خير من يشعر بألم ومن حزن وضيعة أصحاب الأرض الأصليين..
- تمر التظاهرة.. نرى الريش الأحمر والملابس التقليدية لسكان الأمريكيتين الأصليين.. طبولهم المزركشة.. رقصاتهم الشهيرة.. إنها تبدو حالة فنية فريدة تعبر عن تضامن نبيل.. كما يمكن ملاحظة الدمج الفني رفيع المستوى بين (الشال) الفلسطيني الشهير بلونيه الأبيض والأسود مع الألوان المتعددة في ملابس السكان الأصليين.
حنظلة: ما كل هذا الجمال. فقط ظهوركم للتضامن يذكر العالم بمأساة التطهير العرقي.. هذا لم ينجح في فلسطين منذ حروب العصابات عام 1948 حتى الآن.. العصابة الصهيونية لم تنجح في ذلك بينما للأسف فعلتها أوروبا البيضاء من قبل. – إبادة.. أوبئة.. أمراض ملايين من سكان أمريكا الأصليين قتلوا.. ثم غسلت أوروبا البيضاء يدها وأعلنت حمايتكم كأقلية ذات طبيعة خاصة.. لونهم الأحمر وملامحهم الجميلة جعلت اسمهم الهنود الحمر.. إنهم السكان الأصليون الذين تمت إبادتهم لتخلو الأرض البكر.. أرض الله في أمريكا لأوروبا البيضاء.
ما أجملهم.. أرحمنا يا الله فهل أخذت أمريكا القرار بتكرار إبادة السكان الأصليين في فلسطين؟ هل حقًا ستفعلها الصهيونية هل سيبيدون الملايين في غزة والضفة؟! هل نشهد مجزرة القرن الحادي والعشرين؟
يبكي حنظلة ثم ينضم للتظاهرة يحمل السلك الشائك أمامه ويمضي.. يبدو واثق الخطى جادًا صامتًا، وسط الحضور الجميل للسكان الأصليين بكل بهجتهم المقبلة من ملابسهم الملونة وقرع طبولهم.. تستمر التظاهرة ويسير معها حنظلة إلى أن تختفي المسيرة الحاشدة، لتظهر في الصورة مسيرة حاشدة للنازحين من شمال غزة لجنوبها.. تختفي بالتدريج الألوان المبهجة والطبول، وتحل على المشهد غيوم رمادية.. بينما يسير بينهم حنظلة الذي يوزع عليهم من الهواء مجموعة من الريش الأحمر الدال على الهنود الحمر.. يرفع يده في الهواء فتأتي ريشة حمراء.. يعطيها لرجل من النازحين..
وهكذا تتكرر الصورة حتى تصبح مسيرة السكان الأصليين في فلسطين مكللة بالريش الأحمر على رؤوس كل النازحين من الفلسطينيين.. حنظلة يسير بينهم حزينًا جدًا، بينما يبدو السير الطويل على الأقدام وقد أرهق الجمع وأرهق المسيرة المجهدة.. اللون الرمادي يسيطر على مشهد النزوح من الشمال للجنوب، بينما يبدو الريش الأحمر على رؤوس البشر وهم يسيرون.. ولكن حنظلة يستدير بشكل مفاجئ ليعود في اتجاه الشمال.. تختفي المسيرة لكن حنظلة يسير عكس الاتجاه.. فجأة يتحول إلى نسخ كثيرة مكررة من حنظلة.. يسيرون بكل عزم وإرادة وتصميم عكس الاتجاه.. يدخلون شمال غزة.. المكان مهدم ومدمر تمامًا.. يظهر السلك الشائك فينظر من خلفه حنظلة لنرى معه المسجد الأقصى يبدو مهيبًا رائعًا من بعيد. حنظلة: يا الله ثم يتحدثون عن الهدنة.. هل هدنة لتستمر أم هدنة لعودة الإبادة الجماعية.
- إظلام –
مستشفى الشفاء غزة.. يبدو حنظلة حزينًا وهو يقف ناظرًا لساحة المستشفى، وفيها نشاهد مجموعة من الشهداء في أكفانهم ممددين في جلال، إذ لم يتمكن طاقم المستشفى الطبي ولا المرضى المعتقلين في المكان أن يصلوا بهم إلى مثواهم الأخير. يظهر فناء المستشفى خاليًا من البشر.. ينظر حنظلة للسماء نظرة دعاء نبيل عميق.
حنظلة (محدثًا نفسه): يا الله.. حتى حقوق الأموات... كيف لم يسمحوا للأطباء والمرضى أن يدفنوا الشهداء من الأطباء والمرضى والأطفال. حقًا لا حق لأحياء العالم إن ضاعت في الدنيا حقوق الأموات... (يبكي). - وبينما يبقى حنظلة في قمة الحزن واليأس تتكاثر نسخ منه.. مجموعة كبيرة تشغل الفضاء الساكن بالصمت الحزين.. ثم تبدأ الأرض أمام ساحة المستشفى تتحرك الأرض لتُخرج من باطنها الشهداء، نراهم يخرجون بالأكفان البيضاء وهي ملونة بكل ألوان البهجة.. يذهبون في اتجاه الأكفان.. يرفعون الأكفان البيضاء التي تحوى الشهداء المتروكين فوق سطح الأرض ليذهبوا بهم إلى باطنها.. تفتح الأرض أبوابها للشهداء ثم تغلقها.. حنظلة: "وهو ينظر للسماء". الحمد لله..
وبينما يشكر حنظلة السماء داعيًا الله عز وجل.. تبتسم السحب الصافية ثم تبكي لتغمر المكان بالمطر.. المطر يشبه الدموع، تظل دموع السماء تمطر حتى يختفي المشهد تدريجيًا، ليبقى حنظلة في الفضاء المتسع وأمامه السلك الشائك ينظر ويرى، ونرى معه المسجد الأقصى يرنو لنا من بعيد.
- إظلام –
طريق صلاح الدين.. إنه الطريق الذي يصل الشمال بالجنوب في غزة. - يقف حنظلة وخلفه السلك الشائك أعلى مرتفع من الكثبان الرملية التي تبعد قليلًا عن طريق صلاح الدين.. يبدو الطريق الطويل مزدحمًا بالنازحين من المدنيين الفلسطينيين.. الطريق يخلو من المركبات.. النازحون يسيرون على الأقدام. حنظلة: (محدثًا نفسه) ما كل هذا البشر؟! لقد سمح الاحتلال لهم فقط بالسير على الأقدام.. إنها أربعة عشر كيلو مترات سيرًا على الأقدام نحو الجنوب، لم يكن أمامهم إلا خيار واحد هو النزوح أو الموت.. أطفال ونساء وشيوخ وشبان يسيرون في الطريق.. يا للألم يا طريق صلاح الدين.
- ينضم حنظلة للركب النازح من أهله ويسير أمامهم وبجواره شيخ مسن يتكأ على عصاه ويسير ببطء، بينما تسرع عدد من العائلات في المسير، في السير جهد وضيق وألم.. الجميع يسيرون في اتجاه المجهول، وفجأة وأثناء السير يظهر الحاجز الحديدي.. إنها نقطة للمرور والتفتيش.. تظهر آلية عسكرية تقف ومعها جنود في حالة غطرسة وكراهية.. يطلبون الهويات.. يفرقون بين العائلات.. يمر البعض ويتم احتجاز البعض.. بعض من الشبان يخلعون ملابسهم تقريبًا تحت تهديد السلاح.
يدير الرجال والشيوخ والنساء وجوههم بعيدًا عن المشهد.. الجنود يأخذون شابًا بعينه يسيرون به خلف الكثبان.. نسمع صوت طلقة رصاص مدوية يتكرر صوتها حتى يصم الآذان.. حنظلة: يا أيها العالم الحر هذا هو الممر الإنساني الآمن في طريق صلاح الدين.. يا أيها العالم الحر.. هذا هو مصير الإنسان.. وهو يسير للمجهول.. هذا هو مصير الإنسان.. الضياع سيرًا على الأقدام.
يصرخ حنظلة صرخة ألم مدوية تتكرر وتمتزج مع دوي صوت طلقة الرصاص.. يبقى المشهد حاضرًا، لكن حنظلة يعود مهرولًا في اتجاه الشمال.. وبينما يبقى بعيدًا عن النازحين بالقوة المسلحة، يعود ليقف في الفضاء الفسيح وخلفه المسير الصعب وأمامه السلك الشائك، ونرنو معه للمسجد الأقصى من بعيد.
- إظلام -