د. حسام عطا
حنظلة 2023.. مشاهد درامية (3)
التعبير بالفن هو سلاحي الذي أجيد استخدامه، ولذلك استأذن قليلاً في نشر مشاهد متتالية لحنظلة صديقي الحبيب 2023، ولذلك يبقى معي حنظلة (3).
- ذكرى وعد بلفور - حنظلة في فضاء قاتم بالدخان والسحب السوداء.. تظهر نتيجة التقويم السنوي إنه 2 نوفمبر .. تسقط ورقة التقويم، يتكتب في الفضاء، ذكرى وعد بلفور السادسة بعد المئة.
حنظلة: هل قرأ أحد منكم وعد بلفور 2 نوفمبر 1917، وعد آرثر بلفور، وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت.
إلى اللورد ليونيل والتي روتشيلد، وهو رجل المال الثري البريطاني الصهيوني. خلينا نرجع لنص الرسالة الشهير بتقول: عزيزي اللورد روتشيلد، يشرفني أن أنقل إليكم باسم حكومة جلالته، الإعلان التالي الذي يعبر فيه عن تعاطفه مع التطلعات الصهيونية لليهود، والمقدم لينظر فيه مجلس الوزراء ويوافق عليه: (يضحك حنظلة ساخراً).
تدرس حكومة جلالة الملك الموافقة على إقامة وطن قوي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتعزيز هذا الهدف.. تمام كده.. خلي بالك من اللي جاي، أهم حاجة.. لأنه ينفع يبقى أهم وعد جوه الوعد، وهو وعد ماتنفذش طبعا.. بص يا سيدي:
من المفهوم بوضوح أنه لا ينبغي اتخاذ أي إجراءات يمكن أن تنتهك الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية تمام.. أهه.. أمال إيه اللي بيحصل.. من 1948 لحد دلوقتي.. أعداد القتلى والجرحى في غزة وضحايا الضفة الغربية في ذكري مرور 106 سنوات على وعد بلفور، يساوي تقريباً أعداد المهجرين إلى سوريا من الفلسطينيين عام 1948، المرة دي مش تهجير المرة دي إبادة..
يعني الوعد ماكملش.. (يضحك ساخراً) بس خلوا بالكم كل اللي بيطالب بيه دعاة السلام، وكل الكلام من أيام اتفاقية أوسلو لحد دلوقتي واللي برده ماتنفذش هو أحد بنود الوعد.. وعد بلفور.. (ضحك كالبكاء...) والوعد بيضمن زي ما قال: الحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين.. يعني المطلوب مبدئياً تنفيذ هذا النص المشروط في الوعد.. وعد مابيتحققش..
الوعد ده تحدي لمفاهيم الحق في عالمنا المعاصر ... وللتذكير.. بس لازم تبقوا عارفين التأييد المعاصر مش جديد.. لأن فرنسا وافقت على الوعد فبراير 2018، وبعدها إيطاليا في مايو 1918، ثم وافق عليه الرئيس الأمريكي ويلسون في 31 أغسطس 1918، وبعدها وافق الكونجرس الأمريكي في 30 يونيو 1922... وعد.. هه فعلا يبقي وعد... -إظلام-
- غزة والضجيج والثرثرة - حنظلة يسير وحيداً في صحراء قاحلة، حنظلة يقف متمهلاً متأملاً السلك الشائك الشهير الذي يبدو المسجد الأقصى خلفه من بعيد…
حنظلة: أعاني من الصداع... ألم في رأسي من ضجيج كبير.. أوقفوا الكلام ما أفظع الثرثرة.. وصف الشعراء صمتي في مشهدي الذي تحبونه بأنه الصمت النظيف..
إذ أبدو فيه بمفردي أنظر للأقصى من خلف السلك الشائك.. أراه من جهات الدنيا الأربع.. إلا إنني الآن لا أملك حتى هذا الصمت النظيف..
حنظلة ينهار تدريجياً ليقف على ركبتيه في الموقع ذاته بينما تتطاير حوله ومن خلف السلك الشائك ومن الفضاء الصحراوي، دوائر هي بالونات كبيرة رمادية اللون تنفجر لتجد سيلاً من الأحاديث من مذيعي البرامج التليفزيونية في بالونة منها.. لا غير الوجوه إلا أننا نرى الأفواه الكثيرة المتحدثة.. تبقى البالونة منفجرة، بينما تنفجر الثانية بمقاطع توحي بأنها من عالم وسائل التواصل الاجتماعي.
تحمل علامات مشابهة لعلاماتها.. تتداخل الأفواه المتحدثة مع علامات وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة تحتل الفراغ الصامت، وتفلت لتملأ السماء والأرض العارية لتطير نحو السحاب.. حالة مفزعة من الضجيج.. حنظلة: أوقفوا الضجيج يا للكلام.. أوقفوا الضجيج، صوت الكلام تلك الصور.. أوقفوا الخلافات المحزنة.. كيف كل تلك الاتهامات فوق صوت المقاومة..
- يدور حنظلة منادياً بكل قوة وغضب
– حنظلة: أطالبكم يا سادة بإيقاف إطلاق نيران الأحاديث المبكية المضحكة.. أطالبكم بوقف إطلاق نيران الصور الجارحة..
يظل المشهد كما هو بكل البالونات المنفجرة والضجيج والأصوات والصور المتداخلة.. يختفي صوته تدريجياً..
- إظلام –
- البندقية وغصن الزيتون - حنظلة يبدو ساخراً ينظر من خلف السلك الشائك للأقصى.. يلتفت مذهولاً بسرعة متكررة في كل الاتجاهات ثم يتكاثر في الفضاء العام عدد كبير من نسخه الأصلية.. يزدحم الفضاء بعدد لا نهائي من نسخه المكررة.. الفضاء كله حنظلة.. نراهم يلتفتون لبعضهم البعض في كل الاتجاهات وتبدو عليهم علامات الذهول والحيرة والقلق.
حنظلة: (محدثاً نفسه) بعد كل تلك السنوات والمحاولات والمحاورات وبعد اغتيال رابين في أعقاب أوسلو لمجرد المحاولة والتفكير في بعض الحقوق وبعد رحيل قائدي وزعيمي ياسر عرفات محاصراً في ظروف غامضة.. ياسر رمز النضال والقتال والمقاومة.. رمز السياسة والتفاهم.. والحلول الممكنة.. رحل عرفات هذا الذي حمل البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الثانية..
نظر بعيداً عن الحق الذي بات مستحيلاً وقبل الحلول الممكنة.. وعاد لينشأ سلطة على هامش الهامش من أرضنا المحتلة.. فرحل شبه مقتول في ظروف غامضة.. وبقيت السلطة الفلسطينية رمزاً على غصن زيتون يأمل في حل المشكلة.. إلا أنكم تعرفون ما حدث.. ما جرى.. فكان الخلاص في المقاومة.. وهى التي لم تهدم الكنائس في غزة.. ولم تقم فيهم قيام الحساب والعقاب والمجزرة. إنها المقاومة كيف يرفضها حنظلة؟!
هي لا تعرف الشعر كثيراً ولا الغناء وهي ليست بارعة في المفاوضة.. لكنها المقاومة.. لن يتم تقسيمها فأهلي أسرة واحدة.. في الضفة يد عرفات ترفع غصن الزيتون وفي غزة يدنا الثانية ترفع البندقية.. لم ننشطر .. لم نقسم، فالمشهد المنقسم يبدو هكذا.. فليختر العالم الحر حلاً ممكناً للمجزرة..
النسخ المتعددة لحنظلة يردون في صوت جماعي: نعم.. إنهم أهلي هنا وهناك.. يد تحمل البندقية ويد تحمل غصن الزيتون.. رغم استمرار المهزلة.. حنظلة: (ساخراً) شعوب الأرض.. البشر أعلنوا أنهم معنا وأنهم بشر.. فمن يهدد وزيرهم؟ بقنبلة نووية تبيدنا؟
(ضاحكاً) غزة تنتظر الإبادة النووية.. يا للأسف.. وأين يذهب غبارها يا رجل.. وأنتم في الغلاف غلافها تحصدون برتقال الأرض المقدسة وتشربون حليبها الصافي يا رجل! فمن يهدد الرجل؟
ما كل هذا العنف والعنصرية والكراهية؟! نعرف أنكم تملكونها.. تريدون من؟ لبنان أم العراق أم اليمن؟! أم تشهرون سلاحكم في وجه العالم الحر.. القنبلة النووية في وجه العالم الحر إذن.. فمن يوقف المهزلة؟! من يوقف المجزرة؟!
- إظلام –