كلمة "وطن" كلمة صغيرة تتكون من ثلاثة أحرف لكنها عميقة في دلالاتها ومضمونها وذات قيمة عظيمة، وإذا تغلغلنا في معانيها نجد أنها بمثابة مدرسة تعلمنا فيها الكثير من الصفات والخصال الحميدة، فكل حرف من حروفها يشير إلى عدة أخلاقيات، فحرف (الواو) يعلمنا الوفاء وحرف (الطاء) يعلمنا الطيبة، أما حرف (النون) فيعلمنا النُبْلَ.
"الوطنية" هي تلك المشاعر النبيلة التي تسكن كيان المواطنين وترسخ هويتهم وتشعرهم بالانتماء، كما أنها تساهم في تقوية أواصر الاتصال بين المواطن وأرضه وأهله وشعبه، فالوطنية ليست شعارًا يردد في المحافل والمجالس، بل يجب أن يتم ترجمة ذلك الشعور على أرض الواقع بالأفعال وليس الأقوال (كلام وخطابات جوفاء)، علمًا بأن حب الوطن لا يحتاج إلى شعارات رنانة بل يحتاج إلى تكاتف القلوب قبل تكاتف الأيادي.
"حب الوطن"، ما هو سوى طبيعة فطرية، تظهر من خلال تعلق الإنسان بالأرض التي يعيش عليها ويرتبط ارتباطا وثيقا بأهلها، حيث يميل الإنسان بفطرته إلى حب المكان الذي ولد ونشأ وترعرع فيه، بالإضافة إلى حرصه ورغبته الدائمة في حمايته والدفاع عنه، فضلًا عن شعوره بالحنين إليه إذا سافر وابتعد عنه، حيث إن هذا الحب يقودنا إلى السعي دائما وبذل كل جهودنا من أجل المحافظة على سلامة وأمن الوطن واستقراره، ويفرض علينا جميعًا الالتزام بكل واجباتنا نحوه مقابل الحقوق التي نتمتع بها على أرضه، الوطن هو المصدر الدائم للعطاء.
مما لا شك فيه أن مصر هي الملاذ الأمن، والدولة التي تفتح أبوابها دائما أمام الأشقاء في محنهم، خاصة أوقات الصراعات التي تشهدها أوطانهم، لذا يطلق عليها "أم الدنيا"، حيث تجدها استقبلت الأشقاء الكويتيين عند وقوع غزو الكويت، ثم العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق، ثم استقبلت من بعدهم السوريين والليبيين واليمنيين والسودانيين وغيرهم من مختلف الأجناس والشعوب، كما قامت بتقديم كل الخدمات الإنسانية لهم، الأمر الذي جعل أشقاءنا من هذه الدول لا يشعرون بالغربة.
بعد ذكر أمثلة لبعض الشعوب التي تأثرت أوطانها بالعديد من التحديات والأزمات المختلفة، والوضع الذي أسفر عن تهجير البعض إلى دول الجوار كلاجئين، وغيرها من الصور والأوضاع اللا إنسانية التي تعيشها شعوب فقدت الشعور بالأمن والاستقرار داخل أوطانهم.
أعتقد أنه يجب أن يكون هذا درسًا مهمًا يتعلم منه المواطنون خاصة الأجيال الجديدة كيفية النظر إلى وطنهم بنظرة احترام وتقدير وعرفان، وأن حب الوطن والولاء والانتماء له هو سلوك مكتسب وارتباط وجداني، والسعي دائمًا لإعلاء شأنه واجب وطني، بالإضافة إلى أنه ينبغي علينا الحفاظ عليه والتصدي لمن يحاولون تدميره وتخريبه والوقوف في وجه من يقومون بترويج الشائعات وبث الفتن بهدف خلق نوع من البلبلة وزعزعة الاستقرار وهيبة الدولة، حافظوا على وطنكم يحفظكم.
في النهاية.. علينا أن نسجد لله شكرًا على النعم الكثيرة التي أنعم علينا بها، على سبيل المثال لا الحصر: نعمة الإسلام، ونعمة الصحة، ونعمة العقل، ونعمة الأبناء، ونعمة الأهل والأصدقاء والصحبة الصالحة، ونعمة الستر، ونعمة الوطن الذي نشعر من خلاله بالكثير من النعم الأخرى ومنها: الأمن والأمان، والاستقرار، والطمأنينة.. نعم كثيرة، لا يدرك قيمتها إلا من فقدها. وأخيرًا وليس آخرًا.. من السهل أن تعيش بلا أي شيء في الحياة، ربما تستطيع أن تستغني عن أشياء كثيرة، ولكن من الصعب أن تعيش دون وطن، فالإنسان بلا وطن كالجسد بلا روح.
اللهم احفظ مصر وأهلها وجيشها من كل مكروه وسوء.



