محفوظ علي يكتب عن : عباءة غنيمة
عندما يبدع القلم ويجعلنا نعيش على أوراق من المتعة علينا أن نبحث عن تفاصيل تلك المتعة، عباءة غنيمة للكاتبة عائشة المحمود تبدع فى رواية تسرد لنا الكويت "الخليج" عبر تواريخ مليئة بالوجع وقليل من الأنتصارات، الحب يدخل على استحياء، تبدأ الرواية بغزو العراق ثم فلاش باك نعود به لنكبة فلسطين تتبعه العدوان الثلاثى ٥٦ وتحرير الكويت من إنجلترا وازمة الحدود مع العراق يونيو ٦١، مرورا بالنكسة والعديد من الأحداث العربية فى رواية تقرأ، من الصعب وضع الخطوط لها فى القراءة الأولى، تواريخ واحداث عربية مليئة بالأوجاع والتغيرات.
(شهقةُ بدايةٍ) مدينةٌ قاصيةٌ يوليو ١٩٩٠م حب المكان هو انتماء أم أشياء أخرى، صحفي شاب ذو شارب خفيف (فيصل غازي عبدالعزيز بن عثمان) الشاب الطموح المتطلع لثقافات جديدة ومجتمع يلبى طموحاته.
(فيصل) من أسرة كبيرة ونسب عريق يعيش بالكويت، مع بداية التسعينيات تغيرت العديد من ملامح الدولة حيث في طريق مدني منظم نحو دولة جديد سياسياً وحضرياً، البطل يعيش تلك الخطوت شاهداً و مؤرخ لها، يعش حياته بشكل طبيعى لا يحب المظاهر حتى السيارة يقودها دون الحاجة لسائق، يفضل ان يقضى الصيف بالكويت رغم ارتفاع درجة الحرارة ويرفض السفر لشعوره ان الدولة هادئة في تلك الفترة، حيث يذهب إلى منطقة بنيدر لوجود شاليه جديد تمتلكه العائلة.
"ذلك الجزء هو وصف لمدينة بكل تفاصيلها وبعض من ملامح البطل في حياته".
(سواد أغسطس ١٩٩٠ م) هنا تصف الكاتبة المدينة (البلاد) قبل الكارثة وحالة ترقب لكل مكان، كأن شي قادم بعيد يحمل قسوة وحرب.
يبحث عن الحب و الجو الرومانسي المشاعر الصادقة، صوت وردة يهدئه ويحوله إلى زمن من النغم الجميل خصوصاً اذا كانت أنغام بليغ حمدي وسط كل المشاعر حدثت الكارثة، حرب دون إنذار وكأن الحرب تخبره بأن العالم مليء بالقسوة ولا وقت للحب فيه.
فلاش باك رائع يربط بين نكبة مايو ٤٨ وكارثة غزو ٩٠، الكاتبة تحاول أن تربط بين استيلاء اليهود في فلسطين وغزو العراق للكويت، فى مايو ٤٨ كان غازى يحمل مولده فيصل مع مولد دولة الكيان كان لفيصل ايضاً اشقاء فيصل (من العزيز غازي) الأخ الأكبر ١٥ أغسطس ١٩٤٥.
تصف الكاتبة الحالة فى المجتمع الكويتى من خلال غازي الأب الذي كان يتابع أخبار دولة الكيان عبر موجة راديو مهتزة أو مسافر حضر من القاهره أو بيروت، وصف الكاتبة لجملة (جريدة مدسوسة) كأن الجرائد في تلك الفترة محرمة تلك الجملة تحمل مدلول عميق، كان غازى يذهب لبغداد في حالة عدم حصوله عن أخبار الحرب، رغم انشغاله بولادة فيصل، فلسطين تتحول لحبر أسود بفعل اختلاط السائل بالورق جملة ثقيلة لم تكتب لتعبر أو تمر مرور الكرام لأن الكاتبة تقصد إن الحرب انتهت وتم احتلال إسرائيل لفلسطين.
في دفتره الفاخر ذي الخيط الذهبي الذي جاء به من دمشق، كتب في صفحته الرابعة مولد ابنه الأول عبدالعزيز غازي عبدالعزيز وفي الخامس عشر من مايو فيصل غازي عبدالعزيز ولده الذي أحبه قبل مجيئه، كان ذلك شيء يحب تدوينه في دفتره المهم وسجل معه حزنه والألم في ظهور دولة الكيان وأحتلالها لارضنا المقدسة، كان يسجل كل شيء مهم في الدفتر الأسود، هنا توضح الكاتبة أن غازي محب مخلص لأبنة عمه مريم، أحبها منذ طفولتهما وتمنى دائما ان تكون زوجته وقد حدث في ذلك الفصل وأهمية ذلك الدفتر في حياته.
مياه وعيش "شتاء ١٩٥٤ (فصل النشأة والتكوين) ٦ سنوات والبحث عن الواعي، بيوت من طين وحوائط خشنة وإحياء مترابطة كأنها عائلة الوحدة، وصف دقيق لحالة المجتمع فى تلك الفترة، في بيت مختلف يتميز بطراز معماري (يدل على المستوى المعيشه العالى) "الريال" إجابة لسؤال معلق، من هو ولماذا سمح لنفسه أن ينقش تلك العبارة الراسخة على باب منزلنا [ بُنى هذا البيت عام ١٩٥٤ - بناه محمد عبدالله] أسئلة كثيرة تدور في ذهنه الباحث عن المعرفة دائما.
وصف الكاتبة للمنزل حوش للرجال متجمد لا دفء به على العكس بالنساء حميمي دافئ محتشد بصخب حلو، الرجال يجتمعون قليلاً ربما لتحدث في بعض ما يحدث بالعالم أو الشؤون الداخلية بينما النساء تأتي لتتحدث فى اى شيء المهم ان تحدث يحمل حياة النساء داخل ذلك المجتمع المغلق أنذاك، يتذكر طفولته ببعض التفاصيل مثل أجتماع الرجال والنساء والخالة بدرية والجدة شريط الطفولة البريء يمر أمامه.
أحداث العدوان الثلاثي على مصر، تلك الأحداث تعبر أمامى أحاول ان ابحث عن معان، فصل جديد من تاريخ يشكل وعى فيصل فى ذلك العالم الذي يرفض كل تغير للأمام فى الوطن العربي.
طفولته البريئة غير مدركة لما يحدث حوله (مراهقة متقدمة) تحاول ان تعبر عنها الكاتبة من خلال تلك العباءة المنسولة من الرأس لا تحرص تلك السيدة على إغلاقها كما تفعل أمه، وصف دقيق يتبعه دقة اكثر (تركتها منفتحة تفصح عن ثوبها القصير المشجر بزهور ملونة) وما ان شعرت بأن هناك عيونا بريئة ننظر لها صرخت وتطلب عدم التحديق [شعرت ان تلك العيون تنظر لى وتصوب تلك الكلمات لي] طفولته جعلته يحتمي في عبد العزيز الذي لم يتأثر من الصرخة وسعود أيضًا فارق السن له تأثير بالطبع.
مع نهاية الفصل الأول تصف الكاتبة فيصل أنه رغم بلوغه سن ١٣ عاما فإن خوفه من الحمام ووجوده طائرا بالمنزل مشاعر طفولية سرعان ما تتحول لبداية سن المراهقة عندما يرى تلك السيدات الخمس ضيوف جدته وعماته يدخلن المنزل، تركيزه مع تلك السيدة ذات الشعر البرتقالى ونظراتها القاتلة له، وعندما حاول معرفة من هم عرف أنهم من بلاد بعيدة، جمالها جعله يحلم بها رغم يقظته، كان يلعب فقط من أجل إثبات رجولته رانه ليس جبانا، علاقته مع بدور تعاطف فقط سبب عدم تعليمها لرفض والده تعليم الفتايات.
مع الفصل الثانى تتوالى الأحداث ويتحولة رتم الكتابة للأسرع، حيث يبدأ فيصل رحلة أخرى فى حياته الاجتماعية والدراسية ومعه سرد لتاريخ من الأحداث العربية، في حياته الأسرية يتزوج والده من الخادمة وظهور السورية لين استاذته فى الجامعة ويقع فى حبها ثم تختفى ويحاول عبر شركة صغيرة له ان يبنى مستقبله ولكن سرعان ما يحدث الغزو، بعد ذلك يستكمل فيصل عبر ذلك الدفتر ما بدأ والده من تسجيل واقع اجتماعي وسياسي عبر الزمن، دفتر بلغة شريط فيديو يسجل كل حدث كأنه مشهد من عمل سينمائي ممتع.
"جمل لا تنسى" (فلسطينُ تتحوّلُ لحبرٍ أسودَ بفعل اختلاط السائل بالورق) (كانت تلك المساكنُ بنيّةً كابية بجدران طينةٍ تصدرُ البؤسَ والأنينَ).