عاجل
السبت 27 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
مصر والقضية الفلسطينية ومؤامرات الصهيونية (2)

مصر والقضية الفلسطينية ومؤامرات الصهيونية (2)

"أؤكد للعالم بوضوح ولسان مُبين، وبتعبير صادق عن إرادة جميع أبناء الشعب المصري فردًا فردًا، إن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدًا"، كانت هذه الرسالة الحاسمة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى العالم من قمة القاهرة للسلام، بحضور 34 دولة وثلاث منظمات، دولية وقارية وإقليمية. 



 

يتسق هذا الموقف المصري الصلب، المُعبر عن إرادة الشعب والقيادة السياسية، بمختلف مستوياتها ومكوناتها، مع مواقف مصر التاريخية من القضية الفلسطينية، والدفاع الصلب عن الأمن القومي المصري، في التحديات والتهديدات مهما كان حجمها وضغوطها، والقوى العظمى التي تقف خلفها.

 

"لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا خلقها لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، دعمنا لها أهم استثمار أمريكي في الشرق الأوسط"، عبارة صرح بها جون بايدن السيناتور بالكونجرس الأمريكي، عام 1986، ليعود ويكررها اليوم وهو رئيس لأمريكا، مانحًا ضوءا أخضر لجيش الاحتلال لارتكاب مجازر بحق 2.5 مليون فلسطيني مدني أعزل في قطاع غزة. 

 

علاقة الكيان بالمصالح الأمريكية والأوروبية، يُفسر التحرك العسكري السريع، بإرسال حاملة طائرات، وجسر جوي للإمداد بالأسلحة والذخيرة، وحضور بايدن إلى نتنياهو، ومن قبله وزير خارجيته، ووزير الدفاع الأمريكي، وتصريحاتهم الداعمة لإجرام المحتل، ومثلهم فعل قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

 

إنها أهداف ومصالح القوى العظمى، وصراعات وخطط النفوذ في المنطقة المُنشئة لهذا الكيان، هي ذاتها المحركة لداعميه، يخطئ من يظن أن هذا العالم، يحكمه قانون دولي، أو إنساني، أو أن أمريكا والغرب يمكن أن يتحول انحيازهم السافر من دعم الاحتلال الإسرائيلي إلى الحق الفلسطيني.

 

 

في العام 1907، شكل  "هنري كامبل بانيرمان" رئيس وزراء بريطانيا -القوى العظمى التي غزت مساحات من العالم لا تغرب عنها الشمس- لجنة تقترح الوسائل والتدابير التي تحافظ على مصالح الإمبراطورية البريطانية في آسيا وإفريقيا، وتحول دون تهديد إنهائها مع تنامي حركات التحرر في البلدان التي تبسط عليها نفوذها.

 

وكانت مصر أهم تلك الدول، وأهم ما في مصر، سيطرتها على قناة السويس، التي تضمن حماية الملاحة، والنقل والمواصلات بين أرجاء مستعمراتها، ولذا جاء تقرير اللجنة مؤكدًا ضرورة تشكيل حاجز بشري قوي في المنطقة، على مقربة من قناة السويس، يكون صديقًا للاستعمار وفي الوقت ذاته عدوًا لسكان المنطقة، للقيام بمهمة فصل الجزء الإفريقي عن الآسيوي.

 

 

وأوضح التقرير، أن الهدف الرئيسي لذلك الحاجز البشري المعادي لشعوب المنطقة، من أهم أهدافه، مقاومة حركات التحرر، كون حصول مصر على استقلالها،  يجعلها دولة قوية، تهدد المصالح البريطانية في الشام، وهذا الحاجز البشري المقترح.

 

ونصح التقرير الدول الكبرى الاستعمارية ذات المصالح المُشتركة في هذه المنطقة، أن تعمل على تجزئتها وإبقائها غارقة في التفكك والجهل والفقر والصراعات الداخلية.

 

ولم تكن تلك المحاولات إلا مواصلة، لتحركات سابقة لاصحاب المصالح المتناقضة، الذين جمعهم هدف واحد هو إعاقة نهوض مصر، لما لها من قدرة على حشد قوى العالم العربي، حدث ذلك مع محمد علي باشا، الذي تخطى طموحه حدود مصر، إلى حدود القسطنطينية، فتحالف ضده بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا، والأتراك العثمانيون، لينتهي حلمه باتفاقية لندن 1840، التي تحجمه داخل الحدود المصرية.

 

وهي الفكرة التي تبناها من قبل "هنري جون بالمرستون"، رئيس وزراء بريطانيا منتصف القرن التاسع عشر، إقامة حاجز بشري يعزل مصر عن الشام العربي، ووجد في الأقلية اليهودية في فلسطين، ما يمكن أن يحقق ذلك الهدف، وكانت القنصلية البريطانية في القدس مهمتها الأولى تعزيز تواجد اليهود وتهجيرهم للمنطقة، مع الاحتلال البريطاني لمصر 1882، ازداد الاهتمام بتنفيذ مخطط توطين اليهود في سيناء.

 

وفشلت كل المحاولات التي تبناها اللورد "كرومر" المعتمد البريطاني في مصر للضغط على الحكومة المصرية، لقبول طلب مؤسس الحركة الصهيونية "تيودور هرتزل"، إبرام اتفاق توطين اليهود في سيناء، فجاءه الرد قاطعًا من حكومة بريطانيا: "نأسف لعدم استطاعتنا الضغط أكثر من ذلك لدفعها لتغيير موقفها.. يجب صرف النظر عن الموضوع".

 

كما انتصرت إرادة مصر حينها، ستنتصر دائمًا، على التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري، فالمخطط يعاد تكراره من الكيان الصهيوني والقوى العظمى التي التقت مصالحهم على تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية إلى سيناء. 

 

القضية تحالفات مصالح، فما حدث مع محمد علي باشا، حدث في تحالف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في العدوان الثلاثي لكسر الإرادة المصرية، ومحاولة دفع القيادة السياسة للتراجع عن قرار تأميم قناة السويس، انتصرت مصر وولى المعتدون الدبر، واليوم يتكرر تحالف المصالح لحصار مصر وإجهاض محاولات تنامي قدراتها الشاملة، وفرصها الاستثمارية في سيناء.

 

القضية تكمن في صراع المصالح بين القوى العظمى، الصين وطريق الحرير الذي يمر من سيناء إلى إفريقيا، ويعزز نفوذ بكين الاقتصادي والسياسي حول العالم، والمشروع الأمريكي الأوروبي، الذي يستهدف ربط أوروبا بالشرق عبر ميناء إسرائيلي على البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بصحراء النقب وقطاع غزة إلى الشرق عبر دول الخليج وصولًا إلى الهند.

 

لذلك يتصاعد القصف على المدنيين في قطاع غزة برعاية أمريكية أوروبية، لدفعهم للتهجير قسرًا إلى سيناء.

 

ولكن هيهات فقد رفضت مصر خروج الرعايا الأجانب من القطاع إلا بفتح معبر رفح على الجانبين، لتقديم الدعم الإغاثي المعزز لصمود الأشقاء، وانتصرت مصر في معركة كسر الحصار مع تشبث أسطوري للفلسطينيين بأرضهم. قطعًا أخطر الأمريكان نتنياهو كما فعلها من قبل البريطانيون مع جده تيودور هرتزل: "اصرف نظر عن الموضوع".. سيناء مصرية، وفلسطين عربية.

للحديث إن شاء الله بقية

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز