عاجل
الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

روزاليوسف تنشر المحضر الرسمي السري للعبة كيسنجر الجديدة:

الإيقاع بين أنور السادات وحافظ الأسد!

كيسنجر: سأزوركم مرتين كما زرت القاهرة.. منعا للحساسية! الأسد: تستطيع أن تزور القاهرة عشرين مرة وأن تعتبر ما ستسمع هناك وجهة نظرنا! كيسنجر: إسرائيل قادرة الأسد: بدّها تحارب؟ تتفضل! كيسنجر: الانسحاب من سيناء ممكن ولكن الجولان يجب أن تنتظر! الأسد٬: كل انسحاب من مصر هو - مقدما - مطلب لنا..



حاول هنرى كيسنجر - أثناء جولته الأخيرة في الشرق الأوسط - أن يلعب دورا في الإيقاع بين مصر وسوريا. أراد كيسنجر أن يجرب في القاهرة اقتراح الحل الجزئي ولكن الرئيس السادات رفض هذا الاقتراح رفضا حاسما. صممت القاهرة على الانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، وتمسكت بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وذهب كيسنجر إلى دمشق يجرب لعبة الحل الجزئي. قام الوزير الأمريكي بهذه المحاولة في دمشق، أثناء اجتماعه بالرئيس حافظ الأسد وسجلها المحضر السري لهذا الاجتماع. بدأ كيسنجر حديثه في هذا الاجتماع بأنه لا يحمل معه جديدا لسوريا، فإسرائيل متمسكة بموقفها، وأمريكا في ظروف صعبة، لا تمكنها من الضغط على إسرائىل الآن، بسبب قرب موعد الانتخابات الأمريكية. ثم أضاف كيسنجر: لكنني أحمل رسالة من الرئيس فورد، يقول فيها إن الوقت الملائم للضغط الأمريكي على إسرائيل بشأن الجولان سيأتي حتما، وهو يرجو أن يكون ذلك قبل عام 1976..! وعلق الرئيس الأسد بأنه: لو أرادت أمريكا الضغط الآن، أو في أي وقت، فعلت، وقد سبق أن فعل أيزنهاور عام 1956، وأجبر على الانسحاب إسرائيل وفرنسا وبريطانيا معا. قال كيسنجر: في ذلك الوقت كان عمر الاحتلال الإسرائيلي شهرا واحدا، أما الآن فنحن أمام احتلال دام سبع سنوات! فرد الرئيس الأسد: إذا كنت ترى أن طول فترة الاحتلال يجعله شرعيا، فأنا أحب أن أذكرك بأن عمر إسرائيل أقل من نصف عمر الاحتلال الألماني للألزاس واللورين، وأقل من ثلث الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومن سدس الاحتلال الصليبي لبلادنا! فلم يعلق كيسنجر، لكنه انتقل إلى نقطة أخرى، يمهد بها للفجوة التي يريد أن يحدثها بين مصر وسوريا. قال: إن ظروف إسرائيل نفسها صعبة، وحكومتها تتمتع بأغلبية صوت واحد، وأقصى ما هي مستعدة لبحثه الآن هو القيام بانسحاب جديد من سيناء، أما الجولان فيجب أن تنتظر. وهنا أجاب حافظ الأسد، وقد رفض أن يبتلع الطعم: إن كل انسحاب من مصر هو - مقدما - مطلب لنا في سوريا، لكن هذا الكلام يرمى إلى تمزيق الموقف العربي، وليس إلى إقرار السلام. إن طريق السلام واضح ونتفق عليه، وهو الانسحاب الشامل، والتسليم بحقوق الشعب الفلسطيني، وعقد مؤتمر جنيف لبحث إجراءات التنفيذ، أما لعبة التلويح بالإجراءات الجزئية والمنفردة، فقد أوضح هدفها مسؤول الخارجية الأمريكية الذی صرح أخيرا: «ونشر تصريحه في الصحف الإسرائيلية» بأن استراتيجية العمل الأمريكي والإسرائيلي هي إخراج الدول العربية واحدة بعد الأخرى من القضية، وترك سوريا وحدها بحيث يسهل ضربها. ثم أضاف حافظ الأسد: لكن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل، فالعرب لمسوا بأنفسهم أهمية تضامنهم، ولن يت يحوا الفرصة لضرب هذا التضامن. ولن ينجح الرهان على قيام خلاف بين مصر وسوريا، مهما بذل من جهد في سبيل قيامه. وأسرع كيسنجر يتراجع قليلا: - نحن لا نريد أن نخلق خلافات بين العرب. قال الرئيس الأسد: - لماذا إذن هذه المحاولات؟ لماذا الإصرار على التلويح بحلول جزئية ومنفردة؟ وهنا انتقل كيسنجر إلى تجربة، سلاح جديد، سلاح التخويف بقوة إسرائيل، وأجل محاولة الإيقاع ريثما يعود بعد قليل.. وفى الجلسة نفسها! إسرائيل القادرة أجاب كيسنجر عن سؤال الرئيس الأسد بقوله: إن إسرائيل هي المصممة على الحلول الجزئية والمنفردة، ولا تقبل إلا بهذا الأسلوب. فقال الرئيس الأسد: إن ما يريد أن يعرفه ليس موقف إسرائيل، وإنما موقف أمريكا، ما رأيها في عقد مؤتمر جنيف. وماذا سيكون موقفها من منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة؟ فتهرب كيسنجر من السؤال، وأجاب بطريقة غير مباشرة: إن إسرائيل ترفض بحث المسألة من خلال منظمة التحرير الفلسطينية. قال حافظ الأسد: إن مجاملة إسرائيل لا يمكن أن تصل إلى حد الموافقة على إلغاء الشعب الفلسطيني، إننا في سوريا لا نملك ولا يملك أي بلد عربي آخر، أن يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، هو وحده الذي يملك ذلك. وهنا بدأ التخويف. قال كيسنجر: المشكلة هي أن إسرائيل ترفض، وإسرائيل لا تزال قوية، وقادرة. فرد الأسد: نحن جاهزون، بعدها تحارب تتفضل! فتراجع كيسنجر قليلا، وقال: إنها قادرة على أن تحقق نصرا تكتيكيكا لفقط، لا نصرا استراتيجيا. لكن الأسد أجاب: ونحن العرب قادرون أن نحقق نصرا تكتيكيا واستراتيجيا معا. وأنت تعرف جيدا أنه لولا تدخلكم ومساعداتكم الضخمة.. لكان حال إسرائيل الآن شيئا آخر. فلم يسع كيسنجر، وقد أدرك أن محاولة التخويف فشلت، إلا أن يؤمن على كلام حافظ الأسد ويقول: - نعم، هذا صحيح، ولا شك فيه. لولا المساعدات الأمريكية لكانت إسرائيل الآن غير إسرائيل الموجودة حاليا، ولكان وضعها غير الوضع الحالي. من أجل الحساسية! وبهذا الاعتراف من جانب كيسنجر انتهى «فصل التخويف» في حديثه مع حافظ الأسد، ولكن لكي يستأنف - للمرة الثانية - لعبة الإيقاع بين مصر وسوريا. قال وهو يستعد للانصراف إنه يرجو الرئيس الأسد أن يسمح له بالعودة إلى دمشق بعد أيام. وسأله الرئيس الأسد هل سيكون لديه جديد، فأجاب بالنفي! إذن لماذا يريد أن يعود؟! قال الوزير الأمريكي بخبث: لأنني سأزور القاهرة مرة ثانية، ويجب في نفس الجولة أن أزور دمشق أيضا مرتين، حتى لا أتسبب في حساسية بين مصر وسوريا! ولا تسجل المحاضر هنا اللهجة التي أجاب بها حافظ الأسد على هذه المناورة، وهل كانت غاضبة أم ساخرة، لكنها على أي حال تسجل الإجابة: - يا أخي ليست بيننا وبين مصر أي حساسية، أذهب إلى مصر عشرين مرة، وأنا أصرح لك سلفا بأن ما يقوله المصريون يمثل وجهة نظرنا. اذهب إلى أي بلد عربي تشاء، ولكنك لن تسمع منه إلا ما سمعت منا. وأحس كيسنجر - فيما يبدو - أن محاولته الثانية فشلت. فتراجع قائلا: إنني أقوم حاليا بجولة وأحب في طريق عودتي أن أمر بدمشق، وأمضي فيها بعض الوقت، هذا كل ما في الأمر! وكان الرد: أهلا وسهلا! تفضل في أي وقت. ذاكرة الدكتور! لكن حافظ الأسد لم ينس قبل انقطاع الحوار أن يذكر كيسنجر بأن لهجته هذه المرة، وأسلوبه، وما جاء به، يختلف عن التصور الذي التزم به «نيكسون» لطراز السلام المطلوب في الشرق الأوسط. وإذا بالوزير الأمريكي يدعي السذاجة وسأل: - متى قدم إليكم نيكسون هذا التصور؟ ثم يمعن في السذاجة قائلا: - هل جرى هذا على مائدة العشاء؟ فقال له الرئيس الأسد:  - لا يا مستر كيسنجر.. لقد جرى هذا أثناء المباحثات.. وكنت حاضرا بنفسك.. والمحاضرة موجودة.. وتستطيع إذا كنت فقدتها أن نزودك بنسخة منها! لقد جاء الوزير الأمريكي يجرب الإيقاع بين مصر وسوريا، ثم الإرهاب بقوة إسرائيل، فلما لم يفلح في كليهما انسحب وسحب معه التزامات نيكسون السابقة! ولعله لم يكن صادقا - طوال جولته - بقدر ما كان هو وهو يسحب هذه الالتزامات. لماذا؟ يجيب عن هذا السؤال عبدالحليم خدام وزير خارجية سوريا: - لقد أصبح الكونجرس الأمريكي، بعد إسقاط نيكسون أقوى نفوذا من الرئيس، والكونجرس كان دائما ذا مناخ صهيوني، ويزداد صهيونية بنجاح الحزب الديمقراطي المؤكد في الانتخابات القادمة وسيكون الرئيس الأمريكي الجديد «وهو غالبا لن يكون فورد» خاضعا له، ومشلولا أمامه.. ولأن كيسنجر يعرف كل هذا، فقد كان طبيعيا أن يتحلل أثناء زيارته الأخيرة من أي التزام سابق، وألا يكون لديه جديد يطرحه للبحث أمام الدول العربية. على أن هذا الرأي ليس بالغ الدقة. فقد كان هناك جديد فعلا في زيارة كيسنجر الأخيرة، هو اشتراكه بنفسه - كما تبين محاضر اجتماعه بحافظ الأسد - في لعبة إسرائيل للإيقاع بين مصر وسوريا. وكان هناك جديد بعد الزيارة أيضا، هو إدراك معظم العرب أن قضيتهم ضائعة حتما إذا توقفت على وزير هنا أو دولة هناك أو انتخابات هنالك.. وأن الطريق الوحيد إلى حقهم هو انتزاعه بقوتهم، وتضامنهم، وتضحياتهم، وتمييزهم الواضح بين الصدق والعدو، وبين الواقع والأحلام.  ومن حق كيسنجر، ولا شك، أن نعترف له بالفضل في هذا الدرس التاريخي البليغ الذي تطوع بإلقائه على العرب. إنه قد يستقيل غدا كما هو متوقع، ويعود إلى تدريس التاريخ في الجامعة، ويلقي مئات أو آلافا من المحاضرات الممتازة، ولكن أبلغ محاضراته وأعمقها أثرا، مهما طالت حياته ستظل زيارته الأخيرة للشرق الأوسط!

عدد مجلة روزاليوسف 2424

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز