عاجل
السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ملاحظات جوهرية من أجل مستقبل التجريب المسرحي في مصر

ملاحظات جوهرية من أجل مستقبل التجريب المسرحي في مصر

مع انتهاء الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي يحاول جاهدا استعادة مكانته التاريخية ودوره النوعي المتفرد في الإنتاج المسرحي المعاصر، ألا وهو فعل التجريب، وهو الفعل الأكثر إثارة لشغف المبدعين ولدهشة الجهور، ومع تواتر عدد من الملاحظات التنظيمية حول المهرجان، وقراءة جديدة لدوره من القائمين عليه، أبرزها السعي نحو استقدام عروض مدفوعة الأجر لفرق أكثر احترافية من الفرق المشاركة في الأعــوام السابـقــة القليلـة.



وبعيدا عن كل تلك الملاحظات يمكننا أن تتذكر معا أهمية وتأثير هذا المهرجان في المشهد المسرحي المصري والعربي، حرصا على استمراره نظرا لقيمته التاريخية التي لا تزال حاضرة في استمرار أهمية فعل التجريب وهي أهمية متجددة.

 

يمكننا أن نعود لنقاط جوهرية ثقافية ومسرحية حول هذا المهرجان كي تكون مشتركات للاستمرار والتطور، والاعتراف أيضا بتأثير هذا المهرجان وهو في الثلاثين من عمره.

 

أولا: دعنا نتأمل ما نسميه المسرح الغربي لتمييزه عن المسرح العربي، لنستعيد قبوله لأنه حقا هو الفكرة الأساسية عن شكل المسرح، بما في ذلك المسرحية العربية في ثوبها الحديث، باعتبار أن هذا النوع الغربي / العالمي اليوم هو في إجماله وعبر التفاعل الثقافي التاريخي والمعاصر المرتبط بكون العالم قرية واحدة، محصلة عملية التصفية التاريخية لهذا التراث الإغريقي والروماني المتأثر بالمسرح المصري القديم.

 

وهي العملية التي تمت في أوروبا منذ عصر النهضة حتى اليوم.

 

فقد أضحى النموذج الدرامي الغربي هو النموذج المعروف لما نسميه المسرح المعاصر.

 

وهذا لا ينكر بالطبع المحاولات المصرية والعربية لتأصيل التراث المسرحي الخاص.

 

ثانيا: الحداثة الغربية لا يكن فهمها دون العودة لفكرة المدينة الأوروبية الحديثة، ودون العودة لفكرة الجدل الدائم بين المسرح والمدينة الحديثة في الغرب، وفي مصر وبإدراك علاقــة المركــز بالأطراف. ثالثا: المسرح الحديث هو جزء من علاقة المدينة بالعقل، والسوق والاستهلاك ونصيب الفرد في الحداثة وما بعدها، وهو ما أثر بالطبع في المسرح المصري.

 

رابعا: إدراك أن الحداثة أكدت فكرة الجماهير الغفيرة، ما أدى لضرورة اتساع الخطاب الجمالي والإبداعي للمسرح المصري.

 

ولذلك يحتاج للتجريب حتى لا يصبح أسيرا للجماهير الغفيرة يبحث دائما عما يرضيها.

 

خامسا: في العالم الحديث والمعاصر انتصرت الحياة اليومية على الجماليات التقليدية في العالم الغربي وكذلك في مصر.

 

سادسا: أدت العولمة عندما بدأت وعندما اشتد عودها للضغط على الصفوة، ولمزيد من الضغط عليها في العالم وفي مصر، ما أثر على نوعية المتلقي المسرحي الجاد بشكل عام في العالم وفى مصر.

 

سابعا: المواطن الأوروبي هو ابن المدينة، أما المواطن المصري فهو ابن الوطن، ولذلك علينا أن ندرك إدراكًا عميقًا بكون الطبقة الوسطى عندنا هي (الأنتليجنسيا)، المثقفين والمتعلمين، وهؤلاء تم صنعهم بيد الدولة التدخلية القوية منذ مصر الحديثة مع محمد علي وحتى الآن. ولذلك فمعظــم الأداء المسرحي التجريبي هو في يد الدولة التي صنعت هؤلاء ورعايتها.

 

وهو ما يختلف مع الأداء التجريبي الغربي لكونه في يد المواطن ابن المدينة، وهي السمة الأساسية في التجريب المسرحي المعاصر.

 

ثامنا: بمراجعة مشروع التحديث نجد أن جذوره قد قامت على زرع التناقض، والاعتماد على التوليف الذي أدى إلى تكيفات مقلقة متوترة، وهو الأمر الذي لنعكس بوضوح على أداء المشروع التجريبي المسرحي المصــري المعاصــر.

 

تاسعا: احدثت ما بعد الحداثة انقلابات جذرية في عالم الفن، وفيما يتعلق بما وصل إلينا في المسرح المصري، علينا أن ندرك طبيعة تكوين المجتمع المصري، وأنه يعيش في لحظة واحدة الحداثة وما قبلها وما بعدها، بتعدد الجماعات والمناطق السكنية وتنوع القوة والنقود ومستوى التعليم، والقدرة على ممارسة الحرية.

 

عاشرا: كرر المسرح المصري مع المشروع التجريبي المعاصر مفارقة الستينيات 1962، وهو تاريخ إنشاء مسرح الجيب التجريبي آنذاك، وهي المفارقة التي حدثت على نحو واضح بتبني الدولة لاتجاه- يسار المسرح– بينما ظل المجتمع المسرحي على اليمين.

 

وهو الأداء غير الطبيعي في معادلة التجريب المسرحي في مصر بالنسبة للعالم الغربي وللمجددين في المسرح المعاصر.

 

والتي ننتظر أن تعود إلى صياغتها الطبيعية في الفرق المستقلة الجادة، ورأس المال المتجه نحو الأعمال الثقافية الإبداعيـة.

 

وهي المسألة التي تنتظرها عبر التراكم المعرفي البطيء لعملية التغيير الثقافي، أما بقاء المهرجان التجريبي في يد وزارة الثقافة، فهو أمر آخر مهم وضروري حرصا على المنجز التاريخي والدور الهام الذي صنعه المهرجان لمصر في مجال التجريب المسرحي المعاصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز