عاجل
السبت 9 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

"فورين بوليسي": تمويل عمليات حفظ السلام يتحول لباب خلفي لدعم الانقلابات في أفريقيا!

أنطونيو جوتيريش
أنطونيو جوتيريش

على الرغم من تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" في مايو الماضي أن توفير تمويل مستدام ومرن لعمليات الاتحاد الأفريقي المعنية بدعم السلام سيعالج ثغرة خطيرة في هيكل السلم والأمن الدوليين وسيعزز جهود التصدي لتحديات السلام والأمن في القارة، إلا أن مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية ترى أن تمويل عمليات حفظ السلام ربما جعل الانقلابات في أفريقيا أكثر احتمالا، وأن انقلاب النيجر أحد الدلائل على ذلك.



وأشارت المجلة إلى أنه في 26 يوليو الماضي، احتجز الجنرال عبد الرحمن تشياني، رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا، محمد بازوم، ونصب نفسه رئيسا لما يسمى بالمجلس الوطني لحماية الوطن (مجلس عسكري). وبعد أقل من أسبوع، في 30 يوليو، أصدرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إنذارا نهائيا للمجلس العسكري مفاده: إعادة الرئيس بازوم إلى السلطة في غضون أسبوع واحد أو مواجهة التهديد بفرض عقوبات إضافية واستخدام القوة العسكرية. 

وانتهت المهلة، وظل تشياني صامدا، ما أثار أزمة لمجموعة إيكواس التي تشعر بقلق كبير من انتشار الانقلابات العسكرية خلال السنوات الأخيرة. وفي العاشر من أغسطس، وضعت المجموعة قواتها في حالة تأهب، حيث تعهدت الدول الأعضاء (نيجيريا والسنغال وبنين وساحل العاج) بالمساهمة بقوات لاستعادة الديمقراطية في النيجر. وعلى الجانب الآخر، أرسلت بوركينا فاسو ومالي -اللتان تديرهما مجالس عسكرية- بعثات "تضامن" إلى النيجر، الأمر الذي يدفع المنطقة إلى حافة الحرب.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن الكثيرين لا يعرفون الكثير عن الجنرال تشياني، وأن الجوانب غير المعروفة عنه تثير تكهنات كثيرة حول دوافع الانقلاب. فقد اهتم كثيرون بالحديث عن دور تشياني كقائد للحرس الرئاسي - المكلف بحماية بازوم- ودوره المزعوم في محاولة انقلاب سابقة فاشلة، وشائعات أن بازوم كان يخطط لإقالة تشياني. ولكن، لم يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لدور تشياني السابق كجندي حفظ سلام تابع للأمم المتحدة.

فقد شهدت مسيرة تشياني العسكرية خدمته في بعثات الأمم المتحدة في ساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان، بالإضافة إلى العديد من المهام الإقليمية متعددة الأطراف. وتعتبر مسيرته المهنية –وفقا للمجلة الأمريكية- رمزا لمجموعة جديدة من العسكريين الذين يتمتعون بسجلات خدمة دولية مهمة. 

ولفتت المجلة إلى أن النظر في التطور التاريخي للعناصر التي يعتمد عليها في حفظ السلام يتيح وضع تصور حول من وصفتهم بالمتآمرين من ذوي الخوذ الزرقاء (المشتغلين في مهام تابعة للأمم المتحدة) ومتآمري الانقلابات مثل تشياني.

فمنذ نهاية الحرب الباردة، قام المجتمع الدولي والأمم المتحدة على نحو متزايد بتمويل جيوش الدول غير الديمقراطية أو الضعيفة ديمقراطيا لتلبية الطلب المتزايد على مهام حفظ السلام. وكانت دول مثل النيجر حريصة على الاضطلاع بهذه المهمة. وفي السنوات الخمس التي تلت نهاية الحرب الباردة، سمحت الأمم المتحدة بإنشاء 20 مهمة جديدة لحفظ السلام، الأمر الذي تطلب زيادة في عدد القوات بمقدار سبعة أضعاف تقريبا، من 11 ألفا إلى 75 ألفا. واليوم، يتجاوز هذا العدد 90 ألف جندي من قوات حفظ السلام المنتشرين في جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت نفسه، تراجعت الديمقراطيات الغنية (الدول الغربية) عن دورها في حفظ السلام، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على دول مثل النيجر. وفي حين كانت المهمات السابقة تتضمن إلى حد كبير المراقبة على طول خطوط وقف إطلاق النار المحددة بوضوح، فإن مهمات ما بعد الحرب الباردة - والتي يشار إليها أحيانا باسم الجيل الثاني من عمليات حفظ السلام - كانت أكثر دموية، حيث يتم الآن تكليف القوات بشكل منتظم بتأمين وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في الحروب الأهلية.

وفي عام 1990، كانت أكبر الدول المساهمة بقوات حفظ السلام، هي: كندا، وفنلندا، والنمسا، والنرويج، وأيرلندا، والمملكة المتحدة، والسويد - وكلها ديمقراطيات ليبرالية. ولكن بحلول عام 2015، حلت محلها دول من آسيا وأفريقيا أقل ديمقراطية ولها تاريخ من عدم استقرار الأنظمة.

وفي حين أن تأثيرات حفظ السلام على الدول التي تنتشر فيها قوات حفظ السلام إيجابية وراسخة، فإن التأثيرات على الدول التي ترسل قوات - مثل النيجر - محل خلاف شديد. وفي هذا الصدد، يرى بعض المحللين أن حفظ السلام له تأثيرات مفيدة بشأن إرساء الديمقراطية بين الدول التي ترسل قواتا، لاسيما تعريف هذه الدول بمعايير حقوق الإنسان وتحفيزها على اتباع سيادة القانون لأن "العصيان" -أو الانقلابات- من شأنه أن يعرض الحوافز المربحة التي تحصل عليها جراء مشاركتها في هذه المهام للخطر، حيث تنفق الأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار على عمليات حفظ السلام سنويا، ويتردد أن بعض الدول خاصة الأقل نموا تشارك بقوات حفظ السلام من أجل التربح والاستفادة ماديا.

ولكن محللين آخرين يرون أن عمليات حفظ السلام لها تأثيرات مختلطة، إذ من المحتمل أن تؤدي إلى ترسيخ الحكم الاستبدادي والمساهمة في النزعات الانقلابية في الديمقراطيات الهشة مثل النيجر.

ففي حين أن حفظ السلام قد يعمل على تعزيز القيم العالمية، إلا أن هناك أمثلة كثيرة للغاية يتم فيها التسامح مع الانتهاكات وتعزيز المعايير غير الليبرالية بدلا من ذلك. فعلى سبيل المثال، أصبح المجتمع الدولي يعتمد بشكل مفرط في عمليات حفظ السلام على دول تنتشر فيها الانتهاكات، وبالتالي أصبح مترددا في فرض عقوبات عليها. والواقع أن بعض الدول استخدمت مشاركتها في مهام حفظ السلام لبناء قوات مسلحة أكثر قوة. والنتيجة هي في كثير من الأحيان جيش أكثر تمكينا، ما يخل بالتوازن مع السلطات المدنية الأخرى، وغالبا ما يكون ذلك في دول لها تاريخ سابق من الانقلابات.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن النيجر شهدت نموا هائلا في دورها في حفظ السلام، حيث تساهم اليوم بحوالي 1000 جندي وفرد أمن (مقابل ثمانية فقط في عام 2000). وخلال تلك الفترة، أغدق المجتمع الدولي الأموال على النيجر -أرسلت الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 500 مليون دولار في العقد الماضي بالإضافة إلى التدريب والدعم- لتحسين أمنها وتعزيز جيشها. كما أغدقت الأمم المتحدة الثناء على النيجر، وشكرتها على مساهماتها في حفظ السلام.

وأصبح المجتمع الدولي أيضا مترددا في انتقاد قوات حفظ السلام التابعة لدول مثل النيجر، وغالبا ما يظل صامتا في مواجهة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو التراجع الديمقراطي، ما منح هذه القوات ما يمكن وصفه بـ "الرخصة" لتجاهل قواعد المنظمة الأممية أو القلق بشأن ربط المساعدات بإرساء الديمقراطية.

وقد ظهر هذا التردد في أعقاب انقلاب النيجر، حيث أعرب متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن "قلقه العميق" إزاء الأحداث في النيجر، لكن المنظمة الأممية لم تصل إلى حد إصدار عقوبات أو وقف المساعدات في أعقاب الانقلاب. وبينما قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في باديء الأزمة ممثلة في نيجيريا بقطع الكهرباء عن النيجر، إلا أن المجموعة رفضت اتخاذ إجراءات أكثر قوة، ما سمح بانتهاء المهلة النهائية (الأسبوع الممنوح لإعادة بازوم للسلطة) دون عواقب.

وفي حين أن الأسباب المحتملة للانقلابات غير محددة، إلا أن الدول التي ترسل قوات حفظ سلام حاصلة على قدر أكبر من التدريب والخبرة الأجنبية تكون الأكثر عرضة للانقلابات، وغالبا ما تكون عناصر قوات حفظ السلام نفسها، مثل تشياني، هي المسؤولة عن هذه الانقلابات. وتشير الأدلة الواردة من النيجر إلى أن حفظ السلام ربما لعب دورا في الأحداث الأخيرة، حيث زود المجلس العسكري بوسائل أكبر - بما في ذلك جيش أكثر قوة وجرأة- للتدخل في الشؤون السياسية للبلاد.

وأخيرا، تؤكد "فورين بوليسي" أهمية أن تنظر الأمم المتحدة في اتخاذ إجراءات لمنع تسرب الأموال أو المواد المخصصة لحفظ السلام لاستخدامها في غير أغراضها من خلال مزيد من التدقيق والرقابة أو فرض عقوبات على قوات حفظ السلام التي تنتهك قواعد المنظمة، داعية في الوقت نفسه الديمقراطيات الغنية إلى الاضطلاع بدورها ومسؤولياتها وتعويض النقص في عمليات حفظ السلام من خلال المساهمة بأعداد أكبر من القوات بنفسها، بدلا من دفع أموال للآخرين للقيام بذلك.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز