عاجل
الأربعاء 24 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي .. رأس المال والمؤسسة الرسمية

افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي .. رأس المال والمؤسسة الرسمية

تلوح الإشارة الضرورية التي أشار بها بعض النقاد لعرض افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي تشارلي تشابلن، وهو عرض خاص من إنتاج رأس المال المصري لشركة (C.C. Cinema)، كملاحظة وعلامة تستحق المناقشة. 



وتحمل الإشارة المعترضة ملاحظة مهمة جوهرها أن العمل عملًا مسرحيًا تجاريًا وليس له علاقة بالتجريب. 

 

وهي مسألة تتصل بجوهر التجريب المسرحي، إذ إن التجريب عندما يحاول أن يكون تجاريًا بمعنى جماهيريًا، فهو سعي محمود، وإذ إن العلاقة بين المسرح والسينما تبقى تجربة مهمة ذات طابع تجريبي حاولها المخرج أحمد البوهي في تجربته اللافتة للنظر تشارلي تشابلن، والذي استهدف بها أيضًا الجهور العام، فهو في تقديري النقدي عرض ذو صلة بالمسرح التجريبي. 

 

أما المسألة التجارية التي تستهدف الأعمال التجريبية فهي جوهر مشكلة المشروع التجريبي المصري الحديث والمعاصر معًا. 

 

إذ إن الصفة الجماهيرية إذا ما اقترنت بقصد تجريبي لوافق ذلك فكرة وجوهر التجريب ذاته. 

 

التي نطمح إلى أن يتبناها رأس المال والمجتمع المصري المهتم بالمسرح والفنون التعبيرية. 

 

فالتجريب المسرحي الغربي بدأ في أوروبا كمشروع للهامش الثقافي الحر مدعومًا برأس المال الخاص ولم يكن مشروعًا منتسبًا للمؤسسة الرسمية للإنتاج المسرحي. 

 

وبعيدًا عن عرض تشارلي تشابلن، الذي أثار تلك الملاحظات، فإن الذهاب إلى الجمهور العام بمشروعات إبداعية جديدة وتجديدية وتجريبية يفهمها ويتلقاها ويقبل عليها لهو ضرورة قصوى، حتى لا نعيد إنتاج الماضي. 

 

وبتأمل تاريخ الدراما والمسرح يمكننا العودة إلى أصل تلك المشكلة بالعودة لقراءة الماضي، والتي حاولت فصل الفن الجميل رفيع المستوى عن جمهوره والتكريس لقطيعة بين الفنون التعبيرية الجمالية والجمهور العام. 

 

وترجع تلك المشكلة إلى تاريخ بعيد نسبيًا مع بداية الحداثة الغربية وأثرها على الحداثة في مصر والوطن العربي. 

 

إذ كان القرن الثامن عشر قد وضع مجموعة من القوانين النوعية، وتمكن من وضع نظام لعالم الفن المعقد. 

 

ويرجع نجاحه في ذلك إلى تفوقه ومهاراته متقطعة النظير، والتي بدت واضحة في خصوبة النماذج الأدبية وانتشار الصالونات والأكاديميات والنشرات الدورية. 

 

إلا أن كل ذلك كان مقصورًا على نظام المعلومات السائد في ذلك العصر. 

 

وقد كانت آنذاك التوترات القائمة والدفينة بين النظام الفردي والنظام الجماعي سببًا في شيوع إحساس استمر حاضرًا في القرن التاسع عشر، بالقطيعة بين الجمهور المستهلك وخبراته. والتي أصبحت تمثل قاعدة للنقد المسرحي الحديث. 

 

وهنا يأتي دور النقد في الإسهام في صنع تلك القطيعة بشكل تراكمي على مدار سنوات طوال. 

 

فقد تضاعف النقد وظهر جليًا يشارك الإبداع الحضور الجماهيري مع القرن التاسع عشر الذي تضاعفت فيه وسائل الإعلام، وقد ولدت كل وسيلة منها لملء فراغ معين. وهكذا أصبح للجمهور خبراء مثمنين وهم النقاد. 

 

ولكن الحقيقة ومع صعود الطبقة المتوسطة في كل أنحاء العالم وامتداد هذا الصعود بالتأكيد للقرن العشرين، فرضت تلك الطبقة واسعة الانتشار رؤيتها للفنون، فأصبح هناك تعقيد أكبر لمشكلة الفنون التعبيرية. 

 

ففي هذا المجتمع الحديث الجديد، أصبح التقليدي الجمالي مشكوكًا فيه بديهيًا. 

 

وتعتبر سلطة الجديد سلطة المتعذر مقاومته تاريخيًا.

 

إن المجتمع المعاصر الآن يعمل تحت قانون التبادل: قانون المثل مقابل المثل، وهو قانون الحسابات التي لا تترك باقيًا. 

 

وهو منطق يجعل من الفنون التعبيرية سلعًا متاحة بفهم الجمهور لها وتلقيها والذهاب لدعمها دعمًا ماليًا عبر قانون المثل بالمثل ألا وهو المشاهدة مقابل الدفع في شباك التذاكر.

 

وهذه الخاصية السلعية للمسرح وللفنون التعبيرية لا تعيبها ولا تصمها بعار ما، فهي مسألة طبيعية جدًا، ومعاصرة ومنطقية ألا وهي أن يكون المسرح مسرحًا تجاريًا.

 

السؤال الذي يلي ذلك هو سؤال النقد الموضوعي: هل العمل المسرحي التجاري عمل جميل بالمعنى النقدي أم لا؟

 

إنها حقًا السلعة (العرض المسرحي) التي تشمل مباني المسرح الضخمة المقامة في أماكن مهمة، تتاجر اليوم تحت هذا الشعار، والذي لا يمكن تحاشيه عند الإعلان عن السلعة (العرض المسرحي) بل هو شرط الاحتراف الأول.

 

وبالتالي فالنقد المسرحي المثالي الذي يهاجم قيم الاستهلاك وترويج السلعة ونظام السوق هو نقد يستهدف عالمًا مسرحيًا مثاليًا متاحًا بالمجان أو بدعم من المؤسسة الرسمية وهو أمر مشروع ووارد ومرحب به وواجب أن ندعم وجوده في المؤسسة الثقافية الرسمية للدولة.

 

لكن ذلك لا يغير من قواعد السوق التي أصبحت راسخة لحد بعيد.

 

إن مسرح (المسرح) الذي أقامه فندق موفنبيك قد أثر وفقًا لحركة السوق في المهرجان التجريبي، وهو كمبنى مسرحي فائق الجودة احتوى عرض تشارلي تشابلن من إنتاج شركة خاصة، وقد نجح في جذب دوائر اهتمام رسمية، تعلن بهذا الاختيار أن المؤسسة الرسمية للإنتاج المسرحي بوزارة الثقافة المصرية، ليس لديها منافسًا بهذه الجودة يصلح افتتاحًا لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي هذا العام.

 

إنها علامة اجتماعية يجب رصدها، في قياس علاقات اجتماعية مصرية جديدة في المسرح كسوق للبشر، ومع ذلك تبقى ملاحظات النقاد عن تجارية العرض يمكن فهمها وقبولها.

 

وذلك في إطار الفهم المثالي للنقد المسرحي الذي يكافح ضد ترويج المسرح كسلعة تجارية خوفًا وحرصًا على قيمة المسرح وجوهره المثالي كفضاء للحرية والقيم النبيلة والجميلة.

 

وفي ذات الوقت علينا القبول بهذه العلامة التجارية، لأنها تمثل مجموع التصفية النهائية لعلاقات اجتماعية جديدة، ولأنها حقًا، السلعة (العرض المسرحي) في حالتنا هذه تشارلي تشابلن يبقى عملًا تجاريًا يحاول الجمع بين ما هو ثقافي وما هو جماهيري معًا.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز