الخميس 18 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

"فورين بوليسي": يتعين على أوكرانيا الاستفادة من تجربة جنوب شرق آسيا في التعامل مع القنابل العنقودية

القنابل العنقودية
القنابل العنقودية

   رأت دورية "فورين بوليسي" الأمريكية أنه من الضروري لأوكرانيا الاستفادة من تجارب دول جنوب شرق آسيا، فيما يتعلق بالقنابل العنقودية قبل استخدامها في حربها مع روسيا .

وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن إدارة بايدن استجابت، الشهر الماضي، للطلبات الأوكرانية بتزويد كييف بالقنابل العنقودية، مضيفة أنه على الرغم من عدم توقيع أوكرانيا أو الولايات المتحدة على اتفاقية الذخائر العنقودية، إلا أن هذه الخطوة قوبلت باستياء من حلفاء الولايات المتحدة، مثل كندا وألمانيا والمملكة المتحدة.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن العديد من الدول حول العالم وافقت قبل خمسة عشر عامًا، على عدم استخدام الأسلحة المثيرة للجدل مرة أخرى مطلقًا، والتي تنثر القنابل الصغيرة بشكل عشوائي على مساحة واسعة وتشكل خطرًا خاصة على المدنيين لعقود بعد ذلك.

 

وأشارت الدورية الأمريكية إلى أن الرئيس بايدن وصف خطوة إرسال القنابل العنقودية إلى أوكرانيا بأنها "قرار صعب"، حيث كان البيت الأبيض قد انتقد بشدة روسيا لنشرها الأسلحة المثيرة للجدل منذ غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) دافعت عن تزويد كييف بالقنابل العنقودية من خلال الإشارة إلى أن احتمال فوز موسكو بالحرب سيكون "أسوأ شيء للمدنيين في أوكرانيا".

 

وأضافت أنه على الرغم من أن أوكرانيا لا تزال تنتظر الدبابات والذخائر الأخرى التي وعدت بها الولايات المتحدة، إلا أن القنابل العنقودية وصلت على الفور.. وأكد الجيش الأوكراني أنها أثبتت فعاليتها في ساحة المعركة.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن هذه الخطوة استدعت تعليقات من قادة البلدان التي لا تزال تتعامل مع تداعيات القنابل العنقودية على أراضيهم، إذ حث رئيس الوزراء الكمبودي، هون سين، كلاً من الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على عدم استخدام هذه الأسلحة؛ "لأن الضحايا الحقيقيين هم الأوكرانيين". كما وصفت وزارة الشؤون الخارجية لدولة لاوس - في بيان - البلاد بأنها "أكبر ضحية للذخائر العنقودية في العالم"، وعلى الرغم من أن البيان لم يذكر كييف أو واشنطن، إلا أن لاوس أعربت عن "قلق عميق" بشأن الاستخدام المحتمل.. إلى جانب انضمام سفراء الولايات المتحدة السابقين في كلا البلدين إلى الاحتجاج.

ورأت "فورين بوليسي" أن دول جنوب شرق آسيا لديها دروس وخبرات في هذا الأمر؛ إذ أنها واحدة من أكثر المناطق تلوثًا بالألغام الأرضية وغيرها من الذخائر غير المنفجرة (UXO) وقد تعاني من تداعياتها لعقود، كما أن معظم المخلفات تعود إلى حرب فيتنام وحملات القصف الأمريكية في كمبوديا ولاوس. وأضافت أنه بالنسبة للمجتمعات، فإن آثار الصراع لم تنته بعد، ففي كل عام لا تزال الذخائر غير المنفجرة - بما في ذلك من القذائف العنقودية - تقتل وتشوه المدنيين، مما يجعل الأراضي غير آمنة للأجيال القادمة.

وأشارت إلى أن قرار إدارة بايدن أثار مخاوف بين دعاة إزالة الذخائر غير المنفجرة في جنوب شرق آسيا، حيث انتقدت سيرا كولابدارا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "موروثات الحرب" (Legacies of War)، وهي مجموعة مقرها الولايات المتحدة تهدف إلى إزالة الذخائر العنقودية غير المنفجرة، قرار الولايات المتحدة قائلة: "نحن نساعد في تلويث مناطق جديدة بينما لم نتمكن حتى من تنظيف الفوضى التي أحدثتها في أماكن أخرى".

 

وأعربت عن قلقها من أن توفير القنابل العنقودية لأوكرانيا قد يشكل سابقة للصراعات المستقبلية، على الرغم من سنوات من التقدم نحو حظر الأسلحة.

ولفتت الدورية الأمريكية إلى أن كولابدارا لديها تجربتها الخاصة مع الذخائر العنقودية، حيث ولدت في جنوب لاوس بعد أكثر من عقد من سقوط آخر قنبلة على البلاد، وانتقلت إلى الولايات المتحدة مع عائلتها في عام 1990، لكنها تتذكر بوضوح كيف كان والدها، الذي كان يمتهن الجراحة، يتعامل مع الأشخاص المصابين بالقذائف غير المنفجرة والأطراف المبتورة، حيث كان عادة يجري الجراحات لأطفال في مثل عمرها آنذاك.

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه أثناء حملة القصف الأمريكية بين عامي 1964 و1973، والتي أطلق عليها اسم "الحرب السرية"؛ لأنه لم يتم الكشف عنها للجمهور الأمريكي في ذلك الوقت، أسقطت الطائرات الأمريكية ما يعادل حمولة طائرة واحدة من القنابل في لاوس كل ثماني دقائق لمدة تسع سنوات.

ووفقًا لحكومة لاوس، فقد قُتل أو جرح أكثر من 50 ألف مدني بسبب الذخائر غير المنفجرة في العقود التي تلت ذلك، بعد انتهاء الحرب في جزء كبير من البلاد، مضيفة أنه على الرغم من أن عدد الإصابات السنوية تراجع بحلول عام 2022 إلى أقل من 50 سنويا، إلا أن معظم الحوادث مازالت مميتة وأن ما يقرب من نصف الضحايا هم من الأطفال.

ولفتت الدورية الأمريكية إلى أن النشطاء في مجال إزالة الذخائر غيرالمنفجرة ومخلفات الحروب يخشون كذلك من أن التمويل الدولي لإزالة الذخائر غير المنفجرة قد يجف قبل تطهير الأراضي بالكامل، مشيرة إلى أن الحجة القائلة بأن الأراضي الأوكرانية ستحتاج إلى تطهيرها من الذخائر الروسية - مع أو بدون قذائف عنقودية أوكرانية - تبدو غير معقولة لأولئك الذين لديهم خبرة مباشرة مع بقايا القنابل العنقودية.. حيث قال المدير العام للمركز الكمبودي للأعمال المتعلقة بالألغام (CMAC)هينج راتانا، إنه بغض النظر عن كيفية نشر الذخائر في أوكرانيا، فإن "تأثير القنابل العنقودية سيكون طويل الأمد وسيؤثر على المدنيين الأبرياء".

وأوضحت الدورية الأمريكية أن (CMAC) هي وكالة حكومية تعمل على تطهير البلاد من بقايا القنابل الأمريكية، فضلاً عن الذخائر غير المنفجرة الأخرى من الحرب الأهلية في البلاد؛ مما يعني أنها منظمة تتمتع بخبرة قيمة لمشاركتها مع أوكرانيا، مشيرة إلى أن عمليات التطهير في كمبوديا استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، وقد أبلغت المنظمة بالفعل عن 30 ضحية في عام 2023. وأضافت أن التثقيف بمخاطر الألغام في جنوب شرق آسيا أدى إلى خفض أعداد الضحايا على مدى عقود.

وفي هذا الصدد، دعا المدير العام للمركز الكمبودي للأعمال المتعلقة بالألغام، بضرورة تحذير المدنيين الأوكرانيين، وخاصة الأطفال لفترة طويلة قادمة، من الذخائر الصغيرة للقنابل العنقودية والتي غالبًا ما تبدو غير ضارة.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه مع عمليات إزالة الألغام الجارية في أجزاء من أوكرانيا، عرضت كمبوديا بالفعل خبرتها في تطهير الأراضي، حيث استضاف مركز (CMAC) في يناير الماضي فريقًا من خبراء إزالة الألغام الأوكرانيين للتدريب على تقنية يابانية جديدة للكشف عن الألغام، كما التقى متخصصون من كلا البلدين معًا في بولندا للتدريب الشهر الماضي، وتجري مناقشة التعاون المستقبلي مع أوكرانيا.

وقالت الدورية الأمريكية إنه على الرغم من تجربتهما مع الذخائر غير المنفجرة، لم توقع كمبوديا ولا فيتنام على اتفاقية الذخائر العنقودية؛ إذ أشارتا إلى أن جيرانًا مثل الصين وتايلاند رفضوا التوقيع أيضا.

ولفتت إلى أنه على الرغم من هذه المخاطر، إلا أن الكثير من الأوكرانيين رحبوا بقرار الولايات المتحدة بتوريد القنابل العنقودية، موضحة أنه في الوقت الذي تتساءل فيه وسائل الإعلام الأوكرانية عن مدى خطورة الأسلحة على المدنيين، فإن هناك بالفعل أدلة متوافرة في مكان قريب، فقبل أن تبدأ واشنطن بتزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، استغلت كييف مخزونها من الذخائر العنقودية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، وقصفت بها الأراضي التي تحتلها روسيا، حيث وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، حوادث قتل أو جرح فيها مدنيون بقنابل عنقودية أوكرانية صغيرة حول مدينة إيزيوم، وهو ما تنفيه وزارة الدفاع الأوكرانية.

ونقلت "فورين بوليسي"عن مايك بيرتون، ضابط سابق في سلاح الجو الأمريكي شارك في مهمة لإسقاط القنابل العنقودية فوق لاوس، وهو الآن عضو في مجلس إدارة مؤسسة "موروثات الحرب"، قوله "إذا كنت تقاتل من أجل حياتك، فأنت تريد أي نوع من الأسلحة.. إنني أتفهم ذلك، إلا أنه لا يعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة عندما يتعلق الأمر باستخدام القنابل العنقودية، بغض النظر عن كيفية نشرها".

وأضاف بيرتون أنه لم يتوقع أبدًا أن تزود الحكومة الأمريكية أوكرانيا بقنابلها العنقودية، متسائلا: "هل ستكون الولايات المتحدة هناك أيضًا لتنظيف الفوضى ، وتوفير الأطراف الصناعية، ومساعدة الأشخاص الذين أعمتهم الانفجارات؟".

كما نقلت "فورين بوليسي" تحذير الناشط في مجال الإعاقة في لاوس، فونجساوات مانيتسونج، من أن "الأوكرانيين بحاجة إلى التعرف على عدد الأشخاص الذين سيصابون، ليس فقط الآن ولكن أيضًا بعد الحرب"، موضحة أن مانيتسونج لديه خبرة مباشرة في أعقاب حملات القصف الأمريكية، ففي عام 2008، فقد بصره وكلتا يديه عندما مرر له صديقه قنبلة صغيرة معتقدًا أنها لعبة.

وأعرب مانيتسونج عن انزعاجه من رؤية القنابل العنقودية التي شوهت وطنه مرة أخرى بدعم من الولايات المتحدة، مضيفا: "هناك الكثير من المعاقين في لاوس الذين لا يستطيعون العيش حياة طبيعية ويحتاجون إلى دعم من الولايات المتحدة لكنهم لا يحصلون عليه".

تم نسخ الرابط