

د. حسام عطا
وداعاً شوقي حجاب.. هلال الفن البسام
شوقي حجاب (6 أغسطس 1946 – 26 يوليو 2023) هذا المبدع الكبير الذي لا يتكرر يبقى شاعراً متفرداً ونموذجاً للجمع بين الحساسيات الفنية المتعددة، فهو مؤلف مسرحي وسيناريست ومخرج أفلام وثائقية عمل في مصر والسعودية وعدد من الدول العربية كخبير تعليم مع الأمم المتحدة، وساهم في عدد من الأفكار والصناعات الثقافية الهامة للأطفال في مصر والوطن العربي.
وهو بالإضافة لدراسة الإخراج السينمائي هو صانع عرائس ومخرج عرائس متفرد، وصاحب إنجازات تأسيسية في مسرح القاهرة للعرائس، وهو صاحب دور مهم في تأسيسه، وربما لا يعرف الكثيرون هذا الدور نظراً لتعدد اهتمامات الشاعر الكبير الراحل شوقي حجاب.
شوقي حجاب هو الشاعر، وهو تجسيد لهذا اللقب بمعناه القيم عندما كان الشاعر الإغريقي يكتب النصوص ويخرجها في ذات الوقت، وهو تجسيد معاصر لهذا المعنى في الجمع بين الحساسيات الفنية المعاصرة.
هو مبدع حساس للغاية هوايته الأساسية جمع المحبة والاقتراب من البشر.
عرفته وهو في عنفوان القوة يبدو بطوله الفارع وعضلاته المفتولة كمصارع مصري عاشق للسير في منتديات القاهرة العامرة، وجلسات وسط المدينة التي كانت ساهرة بكل ما هو مبهج من أهل الثقافة المصرية والفنون.
كان هذا القوي الطيب يبدو لي شديد الجاذبية فهو حريص جداً على الاهتمام بي وبشخصي المتواضع، وبدأ علاقته بي غاضباً من اعتمادي على المسرح العالمي في معظم أعمالي المسرحية الباكرة في التسعينيات.
لكنه كان طيباً ساخراً محباً للحكي، وكنت في بداية علاقتي به في وهج التمرد الأول، وكان هو لي ذلك الفتوة العارف بالحياة والإبداع والذي يجيد الاستماع والمحبة والسؤال ويحب معظم من أحببت ويكره معظم من كرهت.
ووقعت في غرام قطعته الفنية النادرة هلال القدس البسام وهي قصة شعرية للأطفال.
وحاولت وهو معي تقديمها ولم يفلح هذا السعي، إلا أننا كنا قد أصبحنا صديقين مقربين جداً. وكان شوقي وجمع الأصدقاء لديه مرفأ رائعاً مريحاً أذهب لأهجع فيه وأرتاح عنده.
وبقي شوقي حجاب- رغم أمراض العمر المتقدم الشاق، ورغم شكوى الجسد المنهك من طول المشوار- يحمل قلب طفل وخيال مبدع وولع فنان يحلم بأن يجعل من الحياة عالماً من الألوان والورود والضحكات واللهو المباح.
كان حكيماً جداً يطلق لتسامحه اللامحدود كل الآفاق الإنسانية كي يعلو فوق الخلافات وصغائر النفوس البشرية وغرائب وعجائب سلوك الحياة والناس.
كان حقاً طاقة للمحبة والإنسانية والإبداع.
هو الابن البكر البار للشاعر الكبير صلاح جاهين، ومنه أخذ بساطة اللغة الشعرية وحب العمل للأطفال.
بيني وبينه أصدقاء مشتركون من كل الأجيال، وكان بينه وبين الخال الأبنودي ما بين الأخ وشقيقه، كان هو والأبنودي في تضامن إنساني اجتماعي نادر، عاصرته بنفسي وكان يجاهر بمحبته وخيره ويعلن ذلك في كل مكان.
وقد كانا يتشاركان في التفكير الإبداعي وفي محبة وإبداع وفن الموسيقار الراحل عمار الشريعي. كان المرفأ الأول به عند وصوله القاهرة هو عبد الرحمن عرنوس مواطنه الأصلي الصديق، وأخذه عرنوس إلى طريق دراسة الفنون بالمعهد العالي للفنون المسرحية ثم المعهد العالي للسينما، والذي تخرج فيه.
بدأ عملاً مبكراً في برامج الأطفال مع سلوى حجازي ونجوى إبراهيم ورغم شهرة (بقلظ) الرائع و(كوكي كاك) وعم (شكشك) وغيرهم من الشخصيات إلا أن تنوع أشعاره للكبار والصغار وأشعاره بالفصحى الرائعة وحضوره المسؤول في لجان ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، ودعمه للبشر وحضوره الفاعل الحي الداعم لأجيال من أحمد زكي النجم الأسمر وسعاد حسني الرائعة ومروراً بأعماله لصفاء أبو السعود ولبلبة، وحضوره الدائم في ترتيبات مشروعات فنية هامة كثيراً ما كان ليس له مصلحة مباشرة فيها إلا محبة الأصدقاء، وأمله في إسعاد الآخرين، يبقى وهجاً إبداعياً لا يتكرر.
كان داعماً للجميع وكان عرافا ومعالجا ومتفهما لتمرد الجميع، وكان بيته العامر مصنعاً للإبداع والأحلام من كل الأجيال، وهو نموذج حي نادر لفكرة الجماعة الثقافية المصرية.
وكان مثقفاً رفيع المستوى يقرأ في الأصول الأجنبية ويترجم عنها ويعمل بها، وهو واحد من مؤسسي ثقافة الطفل المصري المعاصرة وكان حضوره الفاعل بين هامش الثقافة المصرية ومتنها قادراً على الدفع بأفكار ملهمة ويمنح فرصاً لأشخاص عدة.
كان يؤمن ككل المبدعين الكبار أن العمل للأطفال وفنونهم هو أجل وأنبل الأعمال وأكبر خدمة للثقافة الوطنية.
أسطر تلك السطور مسرعاً إثر عودتي من صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر الذي تعذب بالألم كي يتطهر بإذن الله مما علق به، وكي يرحل صاحبه متسامحاً مغفوراً له بإذن الله تعالى بحق كل ما أسهم به وما أضاف من نور وإبداع وجمال، في جنة الخلد المبدع الكبير شوقي حجاب، لروحك الطاهرة السلام.