د. عادل القليعي
محمد عبده وروجيه جارودي والإسلام المعاصر
عندما ذهب الإمام محمد عبده في بعثته لإتمام دراساته العليا عندما ذهب إلى فرنسا ونظر إلى حال الشعب الفرنسي وتمسكهم بالمبادئ والقيم والأخلاق الحميدة التي يحض عليها الإسلام، من مودة ومحبة وسلام وشجاعة وفضائل ومثل عليا، قال قولته المشهورة، وجدنا إسلام ولم نجد مسلمين، أي وجدنا كل ما دعا إليه الإسلام واقع حي يمشي على قدمين، خلاف ما عاشه وعايشه في بلاده المسلمة بشهادات الميلاد وبخانة الديانة في البطاقة، عايش مسلمين مفرطين في دينهم أصبحت عباداتهم عادة، يذهبون للصلاة لأنهم وجدوا آباءهم وأمهاتهم هكذا، يزكون ولا يعلمون لماذا يفعلون ذلك وهكذا باقي العبادات.
معاملاتها مع بعضهم البعض يغلب عليها الأنانية المفرطة طارحين الإيثار خلف ظهورهم، لا يقبلون نصحًا ولا إرشادًا من أحد.
الجهل والفقر هو العنوان الرئيس لحياتهم. إلا ما رحم ربي.
وهذه خطيئة التعميم التي وقع فيها الإمام الشيخ محمد عبده على النحو الذي سنوضحه فيما بعد.
أما المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، فوجدناه يقول الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.
وأنا لا ألوم عليه في ذلك وأحسبه حسن الظن في ما ذهب إليه، لكن كثير ممن اعتنقوا الإسلام من الغرب دخل فيه طواعية بعد قراءات مستفيضة ومجادلات ومناقشات واستقراءات واستنباطات، أي اعتناق عن اقتناع عن طريق السماع تارة ومجالسة العلماء، وعن طريق الغوص في بطون الكتب سواء القرآن الكريم أو كتب الفقه وكتب السير والتراجم وكتب التفاسير، فأصبح مسلمًا لا بشهادة ميلاد وديانة أبويه، وإنما بشهادة ميلاد وخانة ديانة هو من سطرها بنفسه وخطها باجتهاده فبات إيمانه مكتمل الأركان، لماذا؟! لأن الإيمان هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان.
أما إنه زار بلاد للمسلمين وشاهد ما شاهده من تدن قيمي وأخلاقي وعدم الاهتمام بالطاعات ولا بالعبادات ولا بصلات الأرحام، فهذا ما جعله يقول قولته المشهورة.
لكن أجابهه بسؤال أيهما أفضل لك أن تبقى أنت كما أنت أم تعود إلى التيه والضلال، وهل بعد الحق إلا الضلال؟!
نعم مساوئنا كثيرة وسوءاتنا كثيرة وعللنا واضحة وضوح الشمس وتشتتنا وتشرذمنا وتحزبنا وانقساماتنا واضحة لا تخفى على أحد.
لكن هل سيظل الحال هكذا، يبقى الحال كما هو عليه؟!
لا يمكن أن يظل هكذا مصداقا لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، إذا التغيير يبدأ من النفس من كل إنسان يفتش في ذاته إذا أراد حقا أن يتغير إلى الأفضل والأحسن فليقدم ولا يحجم ويستنصر الله ويبدأ الخطوة الأولى، والله من وراء القصد.
لكن أواجه جارودي بسؤال ممن أخذت العلم الإسلامي، من الذين وضعوا المؤلفات التي قرأتها وساعدتك في اعتناق الإسلام، من الذي عرفك بالإسلام، أليس من عرفك الإسلام وطريقه داعية مسلم يدعو إلى الله على بصيرة، من الذي يجعل الآلاف من الأوروبيين يدخلون في الإسلام؟ الإجابة المنطقية الدعاة المسلمين فمن غير المنطقي أن يدعو إلى الإسلام غير مسلم فهل يعقل أن يكون ملحدا داعيا للإسلام أو صابئا أو مجوسيا أو هندوسيا؟!
أما الإمام محمد عبده فعندما عاد إلى مصر أراد أن يعيد للإسلام مجده ويجدد له شبابه بفكر تنويري أسس ركائزه وقواعده على العقل، بمعنى أراد أن يعيد قراءة الموروث الديني قراءة عقلية بمعنى الفهم والإدراك المبني على العقل لا على التلقين ومن هنا راح يعقد الندوات ويكتب في المنار ويصعد المنابر ويؤلف المؤلفات فوجدناه فسر القرآن بما يعرف بتفسير المنار ووجدناه ألف رسالة التوحيد التي وضح فيها المفهوم الحقيقي للتوحيد توحيد يجمع بين العلم والعمل، العقل والنقل، ووجدناه ألف الأعمال الكاملة.
وهذا دأب كل مصلح ديني ومجدد.
وإذا ما أسقطنا هاتين المقولتين على واقعنا المعاصر، على عالمنا الإسلامي المعاصر، فإنه لا ينبغي بحال من الأحوال أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ولا ينبغي أن نقوم بمصمصة الشفاه وإنما لا بد إذا أردنا إفاقة حقيقة أن نشخص الداء، هل حال عالمنا الإسلامي المعاصر مدعاة للفخر الآن، إن قلنا نعم، سأواجه الجمع بسؤال ما دليلكم على ذلك؟!
لا دليل ودليلي أنا على عدم ذلك باحات المسجد الأقصى تداس بالأحذية ولا أحد يجيب، الاعتداء على المرابطات ولا أحد يتحرك له ساكنا، مساجد خاوية على عروشها ومقاهي ممتلئة بزوارها ولا أحد يجيب.
عقوق وموبقات ومخدرات وحفلات ماجنة راقصة.
أي حال وصلت إليه أمة محمد، الصادق في ما قاله (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء)، وإذا ما هم أحد وانتصبت قامته داعيا إلى الله يضطهد ويستهزأ به وتلاحقه لعنات الرب الذي هناك (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).
ومن ثم بات الأمر ضروريا وملحا أن نشمر سواعد الجد، منافحين مدافعين عن ديننا بكل ما أوتينا من قوة فكرية لماذا؟! لأن ديننا أمانة في أعناقنا ومسؤولية في رقابنا سنسأل عنها أمام الله تعالى.
أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان