د. حسام عطا
مسرح الأطفال .. سؤال عن فضاء اللعب الشعبي المصري المشترك
بدأت باحثًا عن عمل إبداعي جديد للأطفال فلم أجد إلا ندرة قليلة متناثرة لا تحظى بالاهتمام، سألت نفسي بعد ما يقرب من عقد من الزمان خرجت فيه اختياريًا من عالم مسرح الأطفال بعد إعادة تقديم مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس عام 2013، وما لاحظته من تغير في ترتيب أهداف وطرق عمل المؤسسات العاملة في مجال ثقافة الطفل وأيضًا في تراجع ترتيبها في قائمة أولويات العمل الثقافي بشكل عام.
وكنت قد راكمت خبرة وأعمالًا مسرحية عديدة للأطفال في المركز الثقافي في القاهرة وفي مسقط رأسي أسيوط.
سنوات طوال مررت خلالها بالتفاعل مع المسرح العالمي وروائع ميترلنك ووليم شكسبير وبرتولد بريخت والمسرح العربي ممثلًا في سعد الله ونوس وتراث المسرح التقليدي الصيني وتراث ألف ليلة وليلة العربي وبالتأكيد الحكايات الشعبية المصرية، والتي تسببت واحدة منها جمعها وأشرف على كتابتها وإنتاجها للمركز القومي لثقافة الطفل الكاتب الكبير يعقوب الشاروني، وهي مسرحية "البير العجيب" والتي حصلت على جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان بوردو الدولي لمسرح الأطفال في فرنسا عام 1990.
وعندما لاحظت اكتشاف أم مثقفة لكتاب باللغة الإنجليزية تبيعه واحدة من دور النشر المصرية بعنوان الحب يصنع أسرة وهو يشير إلى تقبل وتفهم وتربية مبكرة تؤكد أن المثلية الجنسية تستطيع أيضًا أن تصنع أسرة وحبًا.
عدت أشعر بأن ابتعادي عن مجال ثقافة الطفل هو خطر مهني يهدد الدور المهني الذي اخترته لذاتي وكنت ولا زلت أراه واجبًا ثقافيًا وطنيًا.
هذا الكتاب الخطير استطاع أن يلفت نظر أم مصرية مثقفة لتتحدث عنه على صفحتها الشخصية منذ فترة قليلة ماضية على تطبيق التواصل الاجتماعي فيسبوك، فما كان من دار النشر إلا أن انتبهت وقررت عدم عرض الكتاب للبيع والتدقيق لاحقًا في ما يتم استيراده من كتب ليقرأها الأطفال المصريون.
هذا عن دار نشر مصرية يبدو من سلوكها حقًا أنها لم تكن منتبهة لما تبيع.
فماذا عن مئات القنوات التليفزيونية التي تقدم أعمالًا للأطفال جرى الحديث حول وجود إشارات ودلالات ضارة فيما تقدمه من محتوى على المستوى الشعوري واللاشعوري.
تزامن ذلك مع ملاحظتي لعدد من أطفال العائلة والأصدقاء وهم في علاقة وثيقة مع الأجهزة المحمولة التي تعرض أعمالًا متصلة موجهة للأطفال، وربما يكون هذا الاتصال الوثيق الذي يربطهم بالأجهزة اللوحية والمحمولة وغيرها أكثر متانة من الاتصال بالواقع الاجتماعي المحيط بهم.
مما أسهم في وجود نوعًا من إدمان الواقع الافتراضي يهدد قدرة الأطفال على التفاعل مع الواقع والحياة اليومية تفاعلًا صحيحًا.
وقد وصفه عدد من خبراء علم النفس التربوي بأنه نوعًا من الإدمان المفرط الذي يحتاج للعلاج.
فعدت إلى الآباء المؤسسين للنهضة المصرية الحديثة في مجال التربية والتعليم لأذكر نفسي بمفهوم التربية فوجدت رفاعة رافع الطهطاوي يرى: "أن التربية هي فن تنمية الأعضاء الجسمية والعقلية، وطريقة تهذيب النوع البشري، ذكرًا كان أم أنثى، طبقًا لأصول معلومة، يستفيد منها الصبي في هيئة ثابتة يتبعها، ويتخذها عادة، وتصير له دأبًا وشأنًا وملكة".
وعدت أتأمل هذه الأم المصرية المثقفة لأتذكر أهمية تعليم الفتيات، وهو ما دعا إليه الطهطاوي عام 1837 عندما كان عضوًا في مجلس المدارس، وإنشاء أول مدرسة لتعليم البنات وهي المدرسة السنية.
ولولا تعليمهن ما فهمت تلك الأم الرائعة خطر مثل هذا الكتاب الذي حذرتنا منه ومن أمثاله مما يستدعي الانتباه في تربيتهم، لأن المنع هنا والرقابة غير كافية وغير فاعلة، إنما الدفع بالأطفال في مجالات الأنشطة الاجتماعية ضرورة واجبة، أولًا لإبعادهم عن مخاطر العالم الافتراضي وثانيًا لفهم سلم القيم الذي يتم البناء عليه، وهو ما لا تملك تلك الأم الواعية بمفردها أن تصنعه من حالة تكاد أن تندثر بفكرة المشاركة الاجتماعية التي اعتدنا عليها.
ولذلك فقد رحت أفكر جديًا في البحث عن تطوير المسرح التفاعلي الذي يجمع بين عناصر الاحتراف المسرحي وبين إتاحة الفرصة للمتلقي للخروج من التلقي السلبي/ المشاهدة إلى التلقي الإيجابي الفاعل عبر فعل المشاهدة/ المشاركة.
وهو نوع مسرحي ناجح ومتطور في المسرح المعاصر. ولذلك فقد ذهبت إلى عالم الألعاب، أقصد ألعاب الأطفال. ولما بحثت وجدت بوضوح لا يقطعه شك أن عالم الألعاب الشعبية المصرية للأطفال، والذي يعود بجذوره إلى مصر القديمة كما هو مسجل على جدران المعابد المصرية القديمة، وما بقي من آثار حقيقية لألعاب وأدوات لعب تم استخدامها للمصريين القدماء من الأطفال كي يتم تربيتهم تربية سليمة، واستمرت تلك الألعاب حاضرة حتى الآن، بل وبالطبع ابتكرت الجماعة الشعبية المصرية عبر تاريخها ألعابًا أخرى، كنا نلعب بعضها عندما كنا صغارًا وكانت في معظمها ألعابًا تمتزج بالغناء، ومثيرة للخيال ولروح التعاون وإدراك الآخر وللحركة والجري والبهجة، والإمساك بالواقع حيا حقيقيًا وتعزيز العديد من المهارات العقلية والجسمانية والاجتماعية. ولا أحتاج إلى سرد وذكر عددًا كبيرًا من تلك الألعاب الشعبية المدعومة بعدد كبير من الأغاني الشعبية والتي هي ألعاب ملهمة جدًا لهذا النوع من المسرح التفاعلي الذي يتحول فيه الطفل من دور المتفرج السلبي إلى الفاعل المشارك. ولما بحثت في نصوص المسرح المتاحة في حدود معرفتي لم أجد نصًا واحدًا يستلهم تلك الألعاب الشعبية وأغنياتها وقدرتها الفاعلة على ربط الطفل بالواقع، ولذلك فكرت أن أدعو إلى الاهتمام بهذا الأمر. بالتأكيد أن التغير الملحوظ في طبيعة المجتمع بمختلف تجمعاته، ومع وجود المدن ذات الطابع السكاني الجديد، تغير فضاء اللعب من أمام البيت أو الساحة إلى داخل مساحة التجمع الأسري أو الأندية أو ما شابه ذلك من تجمعات. إلا أن تلك التجمعات الجديدة وفضاء ممارسة اللعب قد بدأ يتراجع، ومعه تراجعت الألعاب الشعبية المصرية. فهل نفكر في استرجاعها عبر الأفراد المتميزين مثل تلك الأم الرائعة التي حذرتنا من كتاب ملون خطير يباع في مكتبة مصرية.
هل ندعو وزارة الشباب والرياضة وطلائعها إلى استعادة تلك الألعاب الشعبية، وكذلك النوادي المصرية الخاصة؟
هل ندعو مراكز الطفل بمختلف الهيئات الثقافية لذلك؟
بالتأكيد كل ذلك متاحًا وإن كان علينا التفكير الجاد في استلهامها الضروري في أعمال إبداعية مسرحية في الفضاء المفتوح تحقق مفهوم اللعب الإيهامي وإتاحة الفرصة للمتلقي كي يشارك مشاركة حقيقية تعزز من قدرته على التفاعل مع الواقع الحي الحقيقي والمجتمع من حوله.
ليس أمرًا عابرًا أن نسأل عن فضاء اللعب المشترك لأطفالنا، ولا عن ضرورة الحفاظ على الألعاب الشعبية المصرية كجزء من هويتنا الثقافية. إنها ضرورة لوحدة النسيج الاجتماعي المصري في الحاضر والمستقبل.
















