عاجل
الأربعاء 3 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
العنف الاجتماعي الآن .. قراءة ثقافية

العنف الاجتماعي الآن .. قراءة ثقافية

دهس بالسيارة لسبب معلن شديد البساطة أفضى إلى قتل وإصابات.



ابن يقتل أباه لامتناع الأب عن دفع المال لشاب تجاوز الثلاثين من عمره.

 

أخ يقتل أخاه لخلافات مالية بسيطة.

 

أزواج يقتلون زوجاتهم، وزوجات يقتلن أزواجهن في إطار الخيانة الزوجية، وفي حالة مفزعة القاتل هو الأخ العشيق الآثم في علاقة مع زوجة أخيه.

 

هذا ما تلاحقنا به الصحف والمواقع الإخبارية بشكل شبه منتظم في الأيام القريبة الماضية.

 

ما يجعل السؤال عن العنف الاجتماعي في مصر الآن سؤال ضرورة يطرح نفسه بقوة.

 

وربما يكون السؤال الملح موجهًا إلى المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بشكل عاجل جدًا. فالمدهش، ورغم العقاب الجنائي الرادع، لكن تكرار تلك الجرائم العبثية ذات الطابع الفوضوي بات أمرًا ملحوظًا.

 

بالتأكيد وبالمقارنة بتعداد السكان المصري الكبير، تبدو تلك الجرائم غير معبرة عن أخلاق المصريين أهل التسامح والعفو والمحبة والإنسانية فهي استثناءات مفزعة لا تمثلنا بالتأكيد.

 

إلا أن تكرارها الملحوظ رغم ذلك يجب أن يكون إنذارًا لنا للانتباه.

 

وضرورة الانتباه تحتم على كافة مراكز الأبحاث العلمية ذات الصلة بالعمل لبحث وتحليل تلك الظواهر.

 

ومن منظور ثقافي وبالعودة لعلم الدلالة الذي يستخدم في بعض من الأحيان لتحليل الظواهر الاجتماعية، يمكننا وفقًا لنموذج المحرك الفاعل أن نحلل الظاهرة. 

 

وهو تحليل مبدئي يستهدف حث الجهات العلمية المختصة للنظر في ظاهرة العنف الاجتماعي الصادم والفوضوي والمخالف للفطرة الإنسانية ولطبيعة الشعب المصري العظيم.

 

والمحور الأول في نموذج المحرك الفاعل هو محور المرسل/ المرسل إليه.

 

والمرسل في حالتنا هو العنف الفوضوي العبثي والمرسل إليه هو الناس في مصر بكل طبقاتهم الاجتماعية واختلافاتهم المتعددة.

 

إنه هنا يمثل محور القيم المفزعة الجديدة، القدرة على القتل السهل السريع.

 

أما المحور الثاني فهو محور الفاعل/ المفعول به، وهو محور الإرادة. 

 

وهنا تأتي إرادة الشخص القاتل قادرة بكل سهولة ولأسباب تبدو مبدئيًا أسبابًا غير جدية، تحكمها نزعة وجودية عدمية جدًا لأنها تأتي لأسباب ولنزاعات يمكن حلها بطرق العفو عند المقدرة والإصلاح أيضًا، أو البحث عن بدائل متاحة ومتعددة غير ذلك الأفق الضيق التعس، وبالتأكيد باللجوء إلى القانون. 

 

أما المحور الثالث فهو محور العوامل المساعدة/ والعوامل المضادة، وهو الذي يخلق ملابسات الحدث، ويحدد العناصر المضادة والمساعدة سواء كانت ظروفا موضوعية أو ذاتية نفسية. 

 

والمدهش في معظم حالات العنف المفضي إلى القتل هو غياب الظروف الموضوعية والذاتية لمنع حدوث هذا الفعل المخيف. 

 

مما يتطلب دراسة نفسية جادة وفهم لصمت الظروف المحيطة وغياب الضمير والحس الإنساني وتسليط الغضب والحقد والأنانية والكراهية على إرادة هؤلاء الأفراد الاستثنائيين العبثيين والذين يتحولون في لحظات من مواطنين إلى مجرمين قتلة. 

 

هل نسأل عن التعليم والثقافة والدين والفنون؟

 

هل نسأل عن القيم الحاكمة للسلوك الاجتماعي العام؟ 

 

هل نسأل عن غياب ذلك الشخص النموذج المتسامح الطيب الملتزم المكافح من أجل حياة أفضل عن نماذج القدوة والتأثير والصعود الاجتماعي؟ 

 

بلا شك يحتاج الوجدان الجمعي المصري الآن لقراءة مختلفة. 

 

وتحتاج قيم القوة والجنس والمال التي عززتها الفنون التعبيرية المصرية منذ عقود مضت إلى مراجعة. 

 

تحتاج إلى تعزيز قيم الحق والخير والجمال، وهي المشتركات الأساسية للهوية المصرية. 

 

تحتاج إلى تعزيز قيم العلم والإنسانية واحترام القانون كمصدر للنجاح الاجتماعي ولتصدر سلم المكانة والاقتدار في المجتمع المصري. 

 

بلا شك نحتاج لترتيب سلم القيم والأخلاق في مصر نحتاج لتعزيز ثقافة الحوار والتسامح. 

 

وهي مسألة يجب أن يحدث فيها تغير ضروري على مستوى الصور الذهنية في الدراما والإعلام وفي المدرسة والجامعة والشارع. 

 

فهل يصدقنا الآن صناع المشاهد العنيفة وغرف الخيانة الزوجية في الدراما التليفزيونية وغيرها؟ 

 

فهل يصدقنا الآن صناع الضحك الخشن بلا هدف وصناع الغناء المحرض على القتل؟ 

 

يحتاج هؤلاء القتلة لمراجعة نفسية اجتماعية دقيقة، ويحتاج المشهد الاجتماعي المصري لفهم حقيقي ولحلول ناجزة لمنع تلك الاضطرابات الوجودية العبثية المفضية للقتل. 

 

من المعروف لدى أهل القانون أن أحكام الإعدام لم تردع القتلة عبر التاريخ، وأن العقوبات المشددة لم تمنع عالم الجريمة، إلا أن ذلك النوع المستحدث من العنف العبثي الاجتماعي الفوضوي يحتاج إلى وقفة حاسمة فهو إنذار واضح لا يمكن تجاهله. 

 

حفظ الله مصر وشعبها العظيم.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز