د. حسام عطا
محمد أبو العلا السلاموني.. وداعًا أيها النبيل المسرحي
هؤلاء الذين عاشوا عمرًا مديدًا من العطاء، سرهم العمل الشاق الممتع معًا، إنه العمل اليومي المنتظم قرين مهنة الكتابة، وبدونه لا يوجد إنجاز مهني أو إبداعي.
وقد رحل عن عالمنا الأحد الماضي الثامن عشر من يونيو 2023 الكاتب المسرحي الكبير محمد أبو العلا السلاموني، وهو أحد أبرز المبدعين المصريين المنتظمين على العمل والإبداع بعد رحلة طويلة من العمل والإبداع والإدارة الثقافية.
أيقونة الانتظام المهني المخلص محمد أبو العلا السلاموني المولود في مصر 1941.
أحد أبرز جيل السبعينيات المصري في العمل المسرحي لمشروع التراث والتاريخ والاستلهام للفن الشعبي.
هذا رغم أنه بدأ عمله المسرحي بالكتابة للواقعية النفسية في إطار البناء التقليدي للمسرحية الغربية في صياغتها الحديثة، ويتمثل ذلك في مسرحيته الشهيرة تحديد التهديد. قدم محمد أبو العلا السلاموني أربعين نصًا مسرحيًا تم عرضها في جميع مسارح مصر، وبعضها تم عرضه في الوطن العربي، وبعضها ينتظر عرضها بالتأكيد في المستقبل القريب بإذن الله.
وكتب أنواعًا مستلهمة من التاريخ كانت علامات لعلاقة المسرح والتاريخ مثل رائعته عن محمد علي رجل القلعة، ولعل علاقته بالتاريخ هي العلاقة الأكثر حضورًا في عمله المسرحي في قراءتي لأعماله المسرحية.
وهو كمهني مبدع محترف لم تفارقه القضايا المصرية الوطنية في كل ما أبدع، وهو صاحب تجربة احترافية في القطاع الخاص المسرحي بجوار الاهتمامات الأبرز في الثقافة الجماهيرية ومسرح الدولة.
ويظهر ذلك في تجربته "المليم بأربعة" والتي عالج فيها قضية الاتجار بالدين مستلهمًا واقعة توظيف الأموال الكبرى المنسوبة للريان.
وأيضًا مسرحيته التي تتحدث عن علاقة الفن بالإرهاب وهي "بحبك يا مجرم" وهما من إخراج المخرج الكبير جلال الشرقاوي رحمه الله ومن إنتاج مسرح الفن.
كان في القلب من المسرح الشعبي، وصدر له مؤخرًا كتابًا بهذا العنوان عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان بيان للمسرح الشعبي، وقد كان هو وجيله الكاتب الكبير يسري الجندي رفيق دربه ومجموعة كبرى من جيل السبعينيات منهم على سبيل المثال محمد الفيل، السيد حافظ عبد الغني داود، وغيرهم قد قدموا إنجازًا في هذا المشروع الهام الذي أنجز فيه الراحل الكبير شوقي عبد الحكيم دون إعلان نظري للمسألة الشعبية.
وكذلك كان المخرج المفكر في مشروع المسرح الشعبي عبد الرحمن الشافعي، والراحل د. صلاح سعد والذين دفعوا بكل إخلاص لجعل المسرح الشعبي المصري قضية هوية مصرية سواء على مستوى الشكل أو المضمون.
حصل السلاموني على دبلوم المعلمين العامة 1959، وليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة عين شمس 1968.
عمل مدرسًا عام 1959 وظل طابع المعلم حاضرًا في سلوكه وعمله واشتباكاته اليومية.
تم انتدابه للعمل بالثقافة الجماهيرية 1972، وظل بها، وعلامة على جودتها عمره الوظيفي، وقد كان مديرًا لمسارح الأقاليم في مصر في فترة ازدهارها ومعناها كمشروع مسرحي مصري متكامل.
وقد سعدت بصحبته ومحبته والعمل معه في تلك الفترة سواء بالإخراج أو الممارسة النقدية التطبيقية، وشهدت كم كان حريصًا على جوهر ومعنى العمل المسرحي كعمل ثقافي.
وقد كان عمله في الإدارة الثقافية بمثابة اختيار مهني استمرارًا لعمله في الكتابة والإبداع، مهتمًا بالبشر والمبدعين حريصًا على تحقيق الدور والهدف، سالكًا أقصر الطرق وأكثرها استقامة وهو الاعتماد على الجدية والخلق الرفيع.
حيث كانت تجربتي معه كمنتج مسرحي في مسرحية "بياع الأقنعة" التي كتبها الراحل صلاح الوسيمي ولعب بطولتها منفردًا الممثل المصري المتفرد سامي سرحان ومجموعة من غير المحترفين من الممثلين، وهي تجربة مدهشة، من إنتاج فرقة السامر المسرحية.
فقد كان محمد أبو العلا السلاموني يدير الإنتاج المسرحي كما تدار المدارس العليا بنظار من طراز رفيع، هكذا عهدته هو وصديق عمره الراحل الكبير يسري الجندي في إدارة وإنتاج المسرح في كل أنحاء مصر، حيث الأطراف كانت مصدرًا للاهتمام والإبداع وكانت قادرة على تعديل سلوك المركز الثقافي المحترف في العاصمة.
وكان ذلك يمر عبر الالتزام بالاتفاق والأدب والحزم والإدراك لقيمة وجهد المسرحيين، وأهميتهم والسعي لاستمرار إبداعهم والاعتراف به، وخلق حساسية مشتركة وإضاءة إعلامية وجماهيرية في كل أنحاء مصر المحروسة.
كان السلاموني محركًا فاعلًا في جيل رائع شكل مفهوم الجماعة المسرحية، ولذلك ولأنه لم يكن فردًا فقط منفردًا في فراغ، فقد تحقق مشروع مسرحي مهم لهذا الجيل، وقد أنجزوا جميعهم وصاروا علامات في الثقافة المصرية والعربية، وفي القلب منهم محمد أبو العلا السلاموني.
ولكنهم كانوا جميعهم باقة ورد رائعة أهدت لمصر الإبداع والنور والإنسانية والمحبة. إذ لا وجود على الإطلاق لهذا المبدع المنفرد.
أما عن إنسانيته المفرطة فقد كانت أمرًا خاصًا لا يعرفها إلا من صادقه واقترب من عالمه الشخصي الخاص.
هو مواطن مصري متوافق جدًا مع الواقع، كتب للدراما التليفزيونية وحصد فيها جوائز مهمة لكنها لم تأخذه إطلاقًا من مشروعه الأصلي المهم، ألا وهو مشروع المسرح بمعناه الجماهيري الثقافي والإبداعي.
منضبط منظم بنى بيته من كده وعلم الأبناء، ونظم العلاقة بين الإبداع وتفاصيل الواقع، وعاش كريمًا بلا مبالغة داعمًا للأصدقاء في أوقاتهم الصعبة، متوازنًا مدركًا أن الله عز وجل يبسط الرزق عليه وعلى الناس.
حكيم مصري نادر قادر على الترفع والقبض على القيم الرفيعة كالقابض على طيب العطر، إذ ما صادفته مسك منه ريح العطور المبدعة، متعه الله بطيب عطر الجنة إن شاء الله، فقد كان من أهل الخلق والأدب والفضل والإبداع.
















