عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
استبدال الجامعة بنظام شرق أوسطى يضم دولاً غير عربية مرفوض

أمين عام جامعة الدول العربية على شاشة إكسترا نيوز أحمد أبوالغيط:

استبدال الجامعة بنظام شرق أوسطى يضم دولاً غير عربية مرفوض

أجرى  الكاتبُ الصحفىُّ أحمد الطاهِرى حوارًا خاصًا مع عميد الدبلوماسية العربية الأمين العام لجامعة الدول العربية «أحمد أبوالغيط»، على شاشة «إكسترا نيوز»، تناوَل عددًا من المَحاور المهمة على المستويين العربى والدولى.



واستهل الحوار بمناقشة التطورات الإقليمية المتلاحقة وآخرها الإعلان «المصري- التركى» بالارتقاء لمستوَى العلاقات مَرّة أخرَى إلى مستوَى السفراء، والذي جاء متزامنًا مع مَسار آخر وهو التقارب «السعودى- الإيرانى»..

 هل يمكن القول الآن أن هناك حالة من الهدوء النسبى ما بين الإقليم العربى وجوار هذا الإقليم، وكيف يمكن الاستفادة من هذا الأمْر؟

- بالفعل هذا ما يحدث، وهى ملاحَظة تحدّثنا بشأنها مع الإعلام الدولى فى نهاية مؤتمر القمّة العربية الأخير فى «جدة»، والذي تابع قرارات القمّة العربية الأخيرة يوم 19 مايو الماضى سوف يكتشف أن القرارات الخاصة بتركيا وإيران قد تم تخفيف حدتها وكان هناك مقدمات لذلك، بمعنى أن الخلاف «المصري- التركى» كان قد أخذ طريقه إلى التهدئة منذ ثلاثة أشهُر سابقة القمّة، وكذلك الأمْر نفسه بالنسبة للخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران، ومع هذا الهدوء انعكسَ ذلك على قرارات القمّة العربية الأخيرة.

بالطبع لا ننكر بأن الدولتَيْن الكبيرتَيْن للجوار العربى «تركيا- إيران» وإبان ما كان يُطلق عليه «الربيع العربى» وأنا أسميه «التدمير العربى» وما ترتب على تلك الفترة من فشل بعض الدول وضياع دول أخرَى فى الفترة من 2011 حتى 2022 وتصرّف تلك الدول بتصرفات ما كان ينبغى لها أن تقدم على ذلك، وكان الهدف هو تحقيق مصالح تركية ومصالح إيرانية داخل المحيط العربى.

ولكن الدول العربية الكبرَى استطاعت أن تجمع شتاتها وتشحَذ همّتها، وعلى رأس تلك الدول الدولة المصرية والمملكة العربية السعودية وتم إيقاف هذا التدخل..وعلى الجانب الآخر بدأت هذه الدول تعى أن تلك التصرفات قد أضرها أكثر مما كانت تتصور؛ فهدأت من حدّة مواقفها وعدّلت من سياستها تجاه دول الجوار العربى.

وقد تقبلتْ الدول العربية ذلك، وبالتالى تحسّنت العلاقات بينها.

ولا ننسَى أنه كان هناك لقاءٌ بين وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية التركى فى تركيا والقاهرة، والجانب السعودى كذلك تحرّك على نفس المُحددات بالنسبة لإيران، وكان هناك دَورٌ لبعض الدول العربية فى هذا التقارب مثل «سَلطنة عُمَان» و«العراق»، بالنسبة لمسار «السعودية- إيران»، وهناك أحاديث أخرَى تشير إلى جهد «سَلطنة عُمَان» بالنسبة لتهدئة الأوضاع على الجانب «المصري- التركى»، وكذلك لعبت قطر دَورًا جيدًا حينما رتبت لقاءً بين الرئيس السيسي والرئيس أردوغان على هامش مونديال قطر لكرة القدم، وهذه الأحداث تعكس أجواءً طيبة فى المستقبل.

كيف يمكن البناء على هذه التطورات؟

- تم الاتفاق بين الرئيس السيسي والرئيس أردوغان على تطوير العلاقات، ولا ننسَى أن ذلك له تأثير كبير على علاقة الجامعة العربية بتركيا؛ لأنه كان هناك منتدى يسمى بالمنتدى «التركى- العربى»، وهذا المنتدى تم تجميده منذ عام 2014 بسبب تصرفات الجانب التركى تجاه بعض الدول العربية.

وأنا أرَى أن ما يحدث الآن سوف يكون له تأثيرٌ مباشرٌ على عودة الجامعة العربية للحِوار المباشر مع تركيا.

صحيح أنه لا يوجد منتدى «إيرانى- عربى»؛ لأن إيران لها تصرفات كثيرة سلبية على دول عربية كثيرة سواء فى «لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن»، ولكن ما يحدث الآن يمكن البناءُ عليه للوصول إلى ثوابت للعلاقات العربية وتلك الدول.

 الأمين العام للجامعة العربية.. على ذكر القمّة العربية الأخيرة فى «جدة» وعودة «سوريا» مَن الذي عاد؟ هل الذي عاد هو مقعد سوريا فى الجامعة أَمْ عادت سوريا مرّة أخرَى إلى محيطها العربى؟ 

- هذا يتوقف على الأداء السورى داخل الجامعة، فحتى هذه اللحظة هناك وفدٌ سورىٌ سوف يَحضر ومندوبية تُفتَح وعضوية كاملة لسوريا فى الجامعة العربية.. ولكن عندما يجلس مندوب سوريا داخل الجامعة سوف نرَى أداءَه.

وأنا أتوقع أنه سيكون أداءٌ هادئا ومتزنًا، وسوف يسعَى لتحقيق مواقف إيجابية مثل ما نراه فى أعمال الجامعة، وأتمنى ألا يكون هناك مرارة لدَى الوفد السورى أو الأداء السورى تجاه الجامعة؛ لأن الجامعة هى انعكاسٌ لإرادات عربية، وكان هناك دول عربية أخذت مواقف فى 2011 و2012 تحت مظلة وضع كنا جميعًا نعلمه ونعانى منه ومن التدخلات الأجنبية فى سوريا.

وبالتالى أتمنى أن تكون العودة السورية عودة إيجابية للقاء والمصالحة والبناء، فسوريا لديها وضعٌ صعبٌ ولم تشفَ بعد منذ 2011، فعندما يتحدث رئيس المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين ويقول إن هناك7 ملايين سورى لاجئ خارج البلاد وأن هناك من 3 إلى 4 ملايين نازح داخل سوريا وما تم تدميره من مُدن بأكملها جرّاء الحرب الأهلية هناك، مطلوب أن ينتهى كل هذا ومطلوب أيضًا إنهاء التدخلات الأجنبية هناك.

وهناك أيضًا مطالبات من الحكومة السورية، وهذا ما سوف تقوم به اللجنة المنوطة داخل الجامعة العربية مستقبلاً.

 هل هذا ما يُفَسّر الترحيبَ المنضبط إذا جاز التعبير بسوريا من جانب القادة العرب فى كلمات الافتتاح بالقمّة العربية؟

- نعم بالفعل هذا صحيح.. كما أن هناك لجنة اتصال مُشَكّلة من خَمس  دول «مصر والسعودية والعراق والأردن ولبنان»، بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية، وهى اللجنة المنوط بها استمرار الاتصال والحِوار وتشاهد البرنامج السياسى والذي على أساسه سيتم العمل على إنهاء كل المُشكلات الضاغطة، وأتوقع من الحكومة السورية وكل الأطراف هناك  أنها سوف تقدّم ما تستطيعه للعمل على إنهاء الصراع هناك وتجاوز ما حدث فى 2011 و2012 وإعادة الهدوء إلى سوريا.

 على ذِكْر التوافقات العربية هناك إشارة واضحة بدورية انعقاد القمم العربية سواء قمّة الجزائر وبَعدها قمّة جدة بأن هناك قرارًا ضمنيًا عربيًا لإتاحة المجال أكثر للجامعة العربية لكى تباشر دورها..

ومن هذه الفرضية سوف نتوقف أمام عدد من الأطروحات التي صدرت فى الجلسة الافتتاحية فى القمّة.

ما جاء فى كلمة الرئيس السيسي فيما يخص التوافق العربى فيما بينهم وأيضًا مع المجتمع الدولى والأمن المائى العربى.. صحيح أن هناك عددًا من القادة العرب تحدّثوا صراحة فى كلمتهم على ما أتذكر فى كلمة مَلك البحرين بضرورة دعم ومساندة مصر والسودان فى ملف مياه النيل.

كيف يمكن للجامعة العربية أن تلعب دورًا فى الفترة المقبلة فى هذا الأمر؛ خصوصًا أنها نجحت فى ملفات أخرَى، مثلاً ملف تصفية الأجواء «العربية- العربية»؟

- الوضع الدولى وضعٌ بالغُ الخطورة؛ لأن هناك احتدامًا بين قوَى نووية كبرَى مثل روسيا وحلف الأطلسى، وهناك ملامح حرب جديدة بين الصين والولايات المتحدة والعالم الغربى، وأنا أثق أن جميع الدول العربية ترصد تلك المتغيرات بشكل كبير وترصد أن هذا الوضع لن ينتهى قريبًا وأنه سيستمر لفترة قادمة من الزمن.

 أيهما أخطر؛ هل هى الفترة التي نمرُّ بها الآن أَمْ الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى؛ لأن هناك الكثير من القراءات التي تشبّه هذه المرحلة بتلك؟

- أنا أرَى أن الوضع الآن خطير جدًا مثلما حدث فى الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بنحو 5 أعوام، أى فى عام 1910والذي يرَى- مَثلاً- احتدام الوضع بين الدول الغربية فى عام 1935 قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ يرَى أن فيه ملامح متشابهة للغاية، بمعنى أنه فى 1910 ألمانيا القيصرية تبنى إمكانيات عسكرية وبَحَرية تهدد فرنسا وبريطانيا التي كانت وقتها رمانة الميزان بالنسبة للعالم، وعندما ننظر إلى العام 1935 نرَى أن ألمانيا مرّة أخرَى تُعَبّر عن غضبها بإعادة التسليح والدخول فى أراضى دول مجاورة أدت إلى الصدام المسلح فى عام 1939.

نعود إلى اليوم فنرَى صدامًا مسلحًا بين روسيا هذه القارة العملاقة النووية على أراضيها وحدودها مع أوكرانيا ومع وجود حلف الأطلسى على حدود أوكرانيا من الغرب، وبالتالى هى فترة حساسة وخطيرة جدًا.

كما أن الصين مندفعة فى بناء ذاتها وقدراتها واقتصادها وأساطيلها.

 هل تستفيد الصين الآن من تراجُع الكثير من المفاهيم الخاصة بالعولمة؟

- الصين إنتاجها القومى رهيبٌ يقترب من ثلاثة أرباع الإمكانيات الأمريكية، وخلال عَشر سنوات سوف تتجاوز الولايات المتحدة فى قدراتها الاقتصادية، والقدرة الاقتصادية تعنى قدرات عسكرية بتكنولوچيا فائقة وتحالفات كبيرة؛ خصوصًا مع روسيا.. وبالتالى نحن أمام لحظة خطيرة فى حياة الإنسانية، فأنا فى بعض الأحيان أقول إن ما شاهدناه فى الأزمة الكوبية عام 1962 الخاصة بالصواريخ تتضاءل وتتقازم بجانب ما نراه اليوم الحرب الكورية تتضاءل أمام ما نراه الآن، وهذا بسبب أن الأطراف النووية مشتبكة مع بعضها على الأرض فى صراع مسلح نجد أن الروس يحاربون بجنودهم على الأراضى الأوكرانية هى دولة على حدودهم وليست بعيدة عنهم بآلاف الأميال وليست كالحرب الكورية التي حدثت بين الولايات المتحدة والصين قديمًا، وهذا وضع خطير.

أنت تسألنى عن العولمة ومفاهيم العولمة.. بالطبع العولمة اهتزت بسبب هذه الحرب واهتزت أيضًا منذ عهد الرئيس «ترامب» والذي قال إن أمريكا أولاً وأننا سوف نستعيد وضعية أمريكا فى العالم ولن نقدم للمجتمع الدولى ما يمكن أن يُلحق الأذى بأمريكا مثلما كانت بعض السياسات الليبرالية تتهم بأن أمريكا هى التي تتحمَّل العبءَ الأكبر فى بناء حلف الأطلسى، وأن أمريكا هى التي تحمّلت إعادة تأهيل أوروبا الغربية، وأنها هى التي تتحمّل تأمين حركة التجارة الدولية حول العالم.

اليوم نرَى انزواءً للعولمة إذا تحققت خطورة العودة إلى حرب باردة جديدة أو مواجهة جديدة- مثلاً- فى 2030 لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن الحرب الباردة الأولى بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة والتي انطلقت فى 1947 مع إنشاء حلف شمال الأطلسى كانت محكومة بسياق قيادات تخشَى الرادع النووى، وكان هناك عامل آخر وهو عدم وجود تجارة بين السوفييت والعالم الغربى، وبالتالى كانت المصالح الغربية تسير وإعادة تأهيل اليابان تسير والعالم الثالث يقوم ببناء نفسه.

ولكن الحرب الباردة لو بدأت اليوم بين الصين وأمريكا والاتحاد الأوروبى يكفى أن أقول لك إن حجم التجارة السنوية بين هذه الأطراف الثلاثة فى هذه اللحظة التي نتحدّث فيها تريليون دولار، أى ألف مليون دولار، وإذا اهتز هذا الميزان سوف تهتز فكرة العولمة التي هى الانفتاح التجاري والتجارة الحُرّة والنقل البحرى، وأن العالم متشابك وفكرة العالم المتكامل مع بعضه ويتحول إلى ما يسمى بـ«الچيوبولتيكس» أو السياسة العسكرية، وهى ما تشبهنا بـ 1910 و1936..

 يعنى هذا ما يؤكد ما خرجت به الأخبار عن أنه بالرّغم من تدعيات الحرب «الروسية- الأوكرانية» الاقتصادية على العالم كله؛ فإن الإنفاق العسكرى قد تضاعف؟

- نعم بالطبع، ونحن لا نستبعد بحلول عام 2030 إذا استمر الوضع على ما هو عليه أن تظهر كتلة جديدة وهى «الأورو- آسيوى»، هل هذا عدم انحياز جديد، لا؛ هو تحالف عضوى بين الاتحاد الروسى والصين يمتد من الحدود الأوكرانية ويصل إلى المحيط الهادى أو على شاطئ الصين الشرقى، وسوف تكون كتلة كبيرة جدًا بتوجُّه كتلة أخرَى أقوَى اقتصاديًا اسمها الكتلة الغربية متمثلة فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية، وخطورة ذلك يتمثل فى خطأ الحساب، لو أخطأوا فى الحساب يمكن جدًا أن تستخدم الأسلحة النووية وتتحول من حرب باردة إلى حرب نووية، هذا ما يجعل الإنسان يستشعر الانزعاج.

 من المؤكد أنك توقفتَ أمام الرسائل المتبادلة بين أطراف الصراع أمام القمّة العربية سواء كانت كلمة الرئيس الأوكرانى أو رسائل الرد من جانب الرئيس الروسى من خلال بيان الكرملين للقادة العرب، وأنا أعلم أنك قارئ جيد للتاريخ، وأنك قرأت معظم إن لم تكن كل كتب «هنرى كيسنجر» والذي كان له رأى وقت أزمة شبه جزيرة القرم بأن أوكرانيا دولة حديثة نسبيًا وما زالت قدراتها الدبلوماسية فى التفاوض ليست كقوة روسيا فى هذا المجال.. هل ظهر هذا فى الرسائل المتبادلة أمام القمّة فى أن الرسائل الروسية ذهبت مباشرة إلى القضية الفلسطينية وأنهم سيتبنون المبادرة العربية، ونحن مع حل الدولتين، فى حين أن الكلمة الأوكرانية جاءت وكأنها تلقى اللوم على الجالسين، عِلمًا بأن جميع مَن كانوا فى القاعة باستثناء «سوريا» فى تصويت الأمم المتحدة انحازوا لمبادئ الأمم المتحدة؟

- هذا الكلام دقيق جدًا، ودعنى أقول إن الرئيس الأوكرانى «زيلينسكى» منتمٍ بشكل كبير جدًا إلى العالم الغربى المتعاطف مع المخاطبات الإسرائيلية، وبالتالى فإنه لن ينتقد إسرائيل أبدًا، وهذا بالضبط ما تحدثتُ به إلى الدبلوماسيين الغربيين وقلتُ لهم: كنت أتوقع حينما تحدّث الرئيس «زيلينسكى» وطلب من الحُكام العرب أن يطالبوا روسيا بالإفراج عن السجناء الأوكران داخل السجون الروسية أن يتحدّث أيضًا ويقول إنه يجب الإفراج عن السجناء الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، أمّا الجانب الروسى فله موقف تقليدى وتاريخى فى دعم القضية الفلسطينية.

 العالم الغربى غَضّ البَصَرَ عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى 2014 ولم يعترض؟

- أمّا النقطة الأخرَى فى أن العالم الغربى قد غَضّ الطرف عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى عام 2014 ولم يعترض لأن شبه جزيرة القرم جزءٌ من الأراضى الروسية حتى عام 1953 كان هناك زعيم سوفيتى اسمه «خوروشوف» هذا الرّجُل طالب مجلس النواب الروسى أن تمنح شبه جزيرة القرم إلى جمهورية أوكرانيا والواقعة فى إطار الاتحاد السوفيتى والذي كان يتألف من 16 جمهورية، وعندما انحل الاتحاد السوفيتى تنبّه الروس أن شبه جزيرة القرم تتبع لهم، ولمَن لا يعلم بأن الجيش المصري قد حارب فى شبه جزيرة القرم عام 1853 والتي استمرت إلى عام 1856 مع الجيش العثمانى ومع بريطانيا ومع فرنسا ضد روسيا؛ لأن روسيا كانت قد أخذت القرم من تركيا، وكانت تتوسع على حساب تركيا، وهى قصة قديمة جدًا، والغرب يعلم هذا جيدًا فصَمَتَ وترك القرم لروسيا فى عام 2014.

 هل هذا الصمت كان رضا بواقع تاريخى أَمْ أنه كان فخًا يُنصَبُ لروسيا لتزيد أطماعها؟

- لا؛ الموضوع أكبر من ذلك، وهو أن حلف شمال الأطلسى فى عام 2008 قد اجتمع فى «بوخارست» على مستوَى القمّة وأعلنوا أن الحلف سيضم جمهوريات أوكرانيا وچورچيا من جمهوريات الاتحاد السوفيتى القديم إلى عضويته، وبالتالى استفزت روسيا.

فحلف شمال الأطلسى يرَى من وجهة نظره أن أمنه يستلزم التوسع وضم أعضاء جُدُد إليه.. أمّا روسيا باعتبارها الوريث الشرعى للاتحاد السوفيتى فيرَى أن هذا تهديدٌ مباشرٌ لمصالحها.

والروس من عام 2001 إلى 2014 يطالبون برعاية مصالحهم الأمنية، وبالذات فى شبة جزيرة القرم، فعندما لم يجدوا تجاوبًا قاموا بضمها بالقوة.

أمّا نحن كعرب عندما نرصد هذا الوضع الدولى المتأزم فعلينا أن نتحد سَويًا ونتحرك سَويًا ويجمعنا فكرٌ واحدٌ وهو ألا نتدخل فى صراعاتكم؛ لأن مصالحنا تتطلب هذا، وأعتقد أننا كعرب نجحنا فى هذه الفترة من عام 2022 إلى اليوم، فقد حاولنا منذ اندلاع الصراع هناك فى فبراير 2022 أن نقرّب وجهات النظر بين الطرَفَيْن، وهو ما قام به وفدٌ من العديد من وزراء الخارجية العرب وأمين عام الجامعة إلى كل من روسيا وأوكرانيا، كما أتى إلى الجامعة هنا وزير الخارجية الروسى فى أغسطس الماضى، وفى الشهر نفسه خاطب المجلس مستشار الأمن القومى الأوكرانى، وكذا العديد من المقابلات والاجتماعات.

وبالتالى؛ فإن العرب أدركوا أن لهم مصالح يجب الحفاظ عليها وعدم التدخل لصالح أى طرَف والمحافظة على المبدأ الذي ينص على الحفاظ على وحدة وسلامة الدول وأراضيها وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرَى، وهذا ما لم يتحدّث عنه الرئيس زيلينسكى فى كلمته أمام القادة العرب، وأنا فى تقديرى أنه كان يقصد الرئيس السورى بسبب دعم سوريا لروسيا فى الأمم المتحدة.

لكن ما أريد أن أقوله إن هذا الكلام يقودنى إلى نقطة فى غاية الأهمية؛ هل إذا كانت هناك حربٌ باردة قادمة ولو قلنا إن هناك احتدامًا فى الوضع الدولى هل سيكون هناك عدم انحياز جديد؟

وهذا ما سيكون مطروحًا للنقاش بين الدول العربية ولكن الوضع الدولى اختلف كثيرًا عن عامَىْ 55 و61.

 الأمن القومى العربى كُلٌّ لا يتجزَأ، والحديث الآن عن السودان وأهميتها كمحور أساسى ومهم للأمن القومى العربى وكدولة مطلة على البحر الأحمر ولها تأثير كبير على جزء مهم من الوطن العربى، وحضرتك قارئ للاستراتيچية أن المحيط الجغرافى للسودان وأعنى هنا منطقة جنوب الصحراء فهى أيضًا تعانى بحالة من السيولة والاضطرابات.

كيف يمكن للجامعة العربية أن تتحرك بقوة لعودة السودان مرّة أخرَى هادئ ومستقر؟

الأمر الآخر أن البعض فسّر تصريحات معاليك تجاه السودان أنك تساوى بين الأطراف هناك؟

- توقعتُ منذ عام أن يحدث هذا الصدام فى السودان؛ لأنه لا يمكن للقوات المسلحة السودانية أو أى قوات مسلحة فى أى دولة عربية أن تسمح بوجود ميليشيا مسلحة على أرضها، وقوات التدخل السريع هى ميليشيا مسلحة، ولم يسبق لى إطلاقًا أن تحدثت عن تكافؤ بين الاثنتين لأننى مؤمن بأنه دائمًا يجب المحافظة على المؤسَّسات الرسمية الشرعية للدولة الوطنية، وبالتالى كان صدور هذا القرار للقمّة.

 نرجع للملفات الرئيسية التي كانت حاضرة أيضًا فى القمّة العربية وإن تبدلت أولويات كل دولة عن الأخرَى حسب محدّداتها فى سياستها الخارجية، لكن كان من اللافت للنظر هو تلاقى منطلقات «مصرية- سعودية» وإن اختلفت المفردات، بمعنى أن مصر تتحدّث بأنه لم يعد من المقبول أن تترك الشعوب العربية رهينة للفوضى.. كيف تدعم منظومة العمل والأمن العربى بأكمله؟ 

- تدعمها جدًا إذ اتفقت مصر والمملكة على سياق محدد مدعومًا أيضًا من دولة مثل الإمارات صاحبة تأثير كبير اليوم ومدعومة أيضًا ببعض التوجهات من دول شمال إفريقيا فسوف يؤدى ذلك إلى تغيير جوهرى فى الوضع العام العربى بالكامل والعالم الخارجى.

والذي أريد أن أقوله إن التأثير المأساوى الحزين لعام 2011 وما بَعده وانعكاساتها على دول المشرق الذي كان يرفع لواء العروبة والقومية والبناء العربى والتنمية وكان يتجه نحو الدول التي تخدم مواطنيها هذا المشرق ضرب ضربًا مبرحًا فى هذه الفترة، وبالتالى ومع إنقاذ مصر لنفسها ثم تلاقيها مع الخليج أصبح ذلك نقطة تأثير كبيرة على المسرح العربى، وأنا أرَى أن هناك وعيًا عربيًا كبيرًا اليوم بأن «ليس لنا إلا أنفسنا» وأن العمل مع بعضنا البعض لإنقاذ هذا الإقليم.. هذا الإقليم غنى وليس فقيرًا، ولكن يحتاج إلى تدبر أبنائه لأمورهم بشىء من الفهم للتهديدات الخارجية التي تحيط بهم، وأنا أرصد فى الفترة الأخيرة منذ عام 2014 إلى اليوم أن العرب يزداد وعيهم كل يوم وأنهم يتأكدون أن ليس لنا إلا أنفسنا وبضرورة زيادة التكامل العربى والوحدة فى عملنا المشترك.

ولكن دعنى أقول إن المأساة العربية لا تعود إلى غزو العراق فى 2003؛ ولكن تعود إلى ما قبل ذلك بالفترة التي أسىء فيها ما يسمى بالحُكم الرشيد.

 أنا أشعر هنا أنك تشير إلى 5 يونيو 1967؟

- صحيح 5 يونيو 1967 كشفت الكثير، صحيح أننا استعدنا وضعنا بانتصار أكتوبر 1973 والتي ردت الحياة لمصر وبَعد أن فقدنا الثقة فى أنفسنا.

5 يونيو 67 أخذت الكثير من مواردنا وتركيزنا وأدت إلى اهتزاز شديد لمصر.

 أنت حضرتَ 5 يونيو 67 وكنتَ دبلوماسيًا شابًا فى وزارة الخارجية، وفى كتاب «شهادتى» قلتَ إنه وصل بك الأمر أنك فكرت فى الانتحار، وشهدت أيضًا 28 يناير 2011 وأنت وزير للخارجية؟

- نعم كنت وقتها فى مؤتمر القمّة الإفريقية فى أديس أبابا وأنت كنت معى ورأيتك تبكى وقلت لى وقتها إن الجيش لن يترك مصر وأنا قلت لك إن مصر دولة كبيرة وعظيمة وإذا اهتزت فعندها قواتها المسلحة والتي لن تتركها وسوف تحمى الأرض المصرية، وعند عودتى إلى مصر قلت إن القوات المسلحة المصرية عليها مسؤولياتها وسوف تمارس مسؤولياتها، وقد تفهّم الشعبُ المصري ذلك فى وقتها.

ولذلك عندما نزل الشعبُ فى 30 يونيو 2013 استجابت القوات المسلحة لنداء الشعب.

 تمر علينا فى هذه الأيام 10 سنوات على ثورة 30 يونيو؛ هل يأتى على بالك السؤال إذا لم تقم تلك الثورة وإذا لم يستجب القائد العام للقوات المسلحة وقتها لنداء الشعب وما هو مصير مصر اليوم؟

- لا، لا؛ لأن القوات المسلحة المصرية هى سبيكة تصاغ داخل أفران حامية جدًا اسمه الوطنية المصرية، وهذا ما كنت أراه فى أبى وكان ضابطًا بالجيش، ولذلك أقول إنى كنت على ثقة من حدوث ذلك.

ولكن هناك أيضًا النصيب والرحمة الإلهية بمصر بأن يكون هناك رَجُل وقتها قادرٌ على تحمُّل المسؤولية فتحمَّل مسؤوليته لأن شعبه طلب منه ذلك.

وأتذكر بأن هناك وفدًا إعلاميًا كبيرًا زار إحدَى وحدات القوات المسلحة آنذاك وطلب من الجيش التدخل.

ولذلك؛ فإن مصر لها طبيعة خاصة تختلف عن بقية دول الإقليم لأنها تمتلك قوات مسلحة كبيرة وقوية ولا يوجد فيها عشائرية ولا قبلية ولا طائفية، فالسبيكة هنا مختلفة تمامًا.

 

 هل تنظر بعين الارتياح أو بعين الارتياب إذا جاز التعبير وأنت تطالع أحاديث أو مقالات تطالب بتحديث ميثاق الدول العربية؟

- أى شىء يُرضى الدول العربية وتتوافق عليه يكون لزامًا على الأمين العام تنفيذه، ولكن ما يثيرنى أحيانًا هو قول البعض من المفكرين فلنذهب بعيدًا لكى ننشئ نظامًا عربيًا جديدًا.

كيف ستنشئ نظامًا عربيًا جديدًا؟! كيف فى وسط كل هذه الخلافات والنزاعات؟!.. الأول يجب أن تحافظ على الموجود وبعد ذلك تطوره وتدفعه إلى التقدم.

فهناك مَن ينادى بنظام شرق أوسطى، بمعنى أن نُدخل إيران ونُدخل تركيا ونُدخل إثيوبيا وإسرائيل فى الإطار العربى، فكيف يُعقل هذا؟!

 معنى السّرد الذي حدث الآن أن الوطن العربى عانى على مدار الـ100 عام من سوء التقدير والخطأ؟

- نعم هذا صحيح، فاندفاع العرب لتحقيق الاستقلال لم يترك المجال لوجود الوعى أن الاستقلال له مسؤولياته والتزاماته أمام شعوب المنطقة فاتجه البعض فى اتجاهات خاطئة أدت إلى هذه المأساة.

 الحديث الآن عن لبنان.. البعض يتحدّث عن التقارير الواردة عن اكتشافات الغاز الخريف القادم قد يكون لها دور دافع لتنقية الأجواء فى لبنان ولسد الفراغ الرئاسى وأن يستقر لبنان الآن؟

- أنا أتفق تمامًا مع ذلك، ولكن هناك أيضًا التدخلات الخارجية يجب على الخارج أن يرفع يده عن لبنان، ومسألة الغاز والنفط ثروات للخير، ولكن أحيانًا تكون وباءً يلحق بمجتمع، والحكمة هنا أن تصيغ القوانين والتشريعات لكى تضمن استخدام هذه الثروة فى تحقيق أمانى الشعب، فإذا تحقق ذلك فإن لبنان سوف يستقر ويذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.

منذ عامَيْن كان لى شرف إجراء مقابلة تليفزيونية معك وكان لك وقتها تقديرات تخص القضية الفلسطينية وفيما يخص البُعد الديموجرافى ومسألة الصراع الممتد منذ سنوات ولا توجد خطوة للأمام من أجل الحل؟

- كل ذلك نتيجة للنوايا الإسرائيلية والمواقف الإسرائيلية والتي كانت تسعى منذ البداية إلى خداع الفلسطينيين وعدم الاستجابة لمفهوم الدولة الفلسطينية ولم يكن لديهم النية للحل منذ كامب ديفيد فى 78 حتى اليوم، بمعنى أن مصر اقترحت وأنا كنت من ضمْن هذا الوفد فكرة الدولة الانتقالية ثم الحُكم الذاتى ثم الانتقال إلى الدولة الفلسطينية؛ فرد الإسرائيليون من البداية للفلسطنيين الحق فى حُكم أنفسهم ولكن عن طريق الحُكم المَحلى فقط.

واستمررنا فى الكفاح حتى الآن دون وجود حل نتيجة الإسرائيليين أنفسهم لأنهم يرون أنفسهم دولة منتصرة وهم ليسوا قادرين على فهم أن هذا الانتصار سيكون وبالاً عليهم فى يوم من الأيام.

ونصيحتى لهم اليوم؛ اقبلوا المصالحة مع الفلسطينيين الآن واقبلوا وجودهم على أرض لا تتجاوز 20 % من فلسطين التاريخية؛ لأنه فى حدود عام 2050 سيكون عدد السكان هناك ما بين 20 إلى 25 مليون شخص سيكون منهم 12 مليون فلسطينى على الأقل وسيزداد العدد تبعًا فكيف ستحكمونهم؟!

 دائمًا ما نرَى فى الصور التي تأتى من الأخبار وفى العديد من الفعاليات التي تشترك فيها مع الرئيس عبدالفتاح السيسي أن هناك قدرًا من التقدير المشترك بينك وبين الرئيس السيسى؟

- الرئيس السيسي شخصية عظيمة، ولعلّى لم أقل هذا من قبل.. الشخصيات الوطنية العظيمة تأتى على فترات متباعدة فى تاريخ الأمم والرئيس السيسي من هذه الشخصيات هو مستعد للتضحية بحياته لنصرة بلده، وفى التاريخ المصري قادة قلائل عملوا لنصرة هذا البلد والرئيس السيسي يأتى فى مقدمتهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز