عاجل
الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر وسلطنة عُمان نموذج للعلاقات الحكيمة الراسخة المتنامية

مصر وسلطنة عُمان نموذج للعلاقات الحكيمة الراسخة المتنامية

بدعوة كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، يحل شقيقه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد؛ ضيفًا عزيزًا على مصر، في زيارة هي الأولى للقاهرة منذ توليه مقاليد السلطة في سلطنة عُمان 2020، خلفًا للسلطان قابوس تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته.



 

وتمثل تلك الزيارة أهمية بالغة، من حيث التوقيت وملفات النقاش، والبعد التاريخي للعلاقات الثنائية بين البلدين، والمتغيرات الإقليمية والدولية، والتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي.

 

فالعلاقات المصرية - العُمانية، تعد نموذجًا فريدًا للثبات والرسوخ، والنجاح، فلم تشهد منذ نشأتها أي نوع من التوتر، رغم إخضاعها لاختبارات مصيرية في لحظات تاريخية حاسمة.

 

ولعل أبرز تلك المواقف رفض سلطنة عُمان مقاطعة مصر، عقب اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني 1979، التي رفضتها دول عربية، واتخذت قرارات حماسية بالمقاطعة دون دراسة متأنية، وما لبث الجميع أن عدل عن قراره.

 

وعقب ثورة 30 يونيو احترمت السلطنة إرادة الشعب المصري، كما تنأى بنفسها عن التورط في دعم ميليشيات متمردة في دول عربية شهدت توترات خلال السنوات العشر الأخيرة، مثل سوريا وليبيا واليمن.

 

السياسة الخارجية العمانية تتسم بالهدوء والحكمة والعقلانية، والنأي بالنفس عن الانحياز في الخلافات العربية، والإقليمية، ما جعل السلطنة وسيطًا مقبولًا من الفرقاء في العديد من الخلافات لتؤدي دور الوساطة في الحلول. 

 

كما تمتاز السياسة الخارجية المصرية، بثوابت راسخة تتمثل في دعم ثبات الدولة الوطنية بمؤسساتها، والنأي بالنفس عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل الدائم على الحفاظ على ثوابت التعاون العربي وتعزيز العمل المُشترك لتعظيم القدرة على مواجهة تحديات الأمن القومي العربي.

 

وتأتي أهمية زيارة السلطان هيثم بن سعيد- حفظه الله- امتدادًا للعلاقات التاريخية الوثيقة، من التعاون في شتى المجالات، وبناءً على مخرجات زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عُمان يونيو 2022، وما تبعها من اتصالات دائمة للتشاور وتبادل الرؤى بين الزعيمين بشأن العديد من ملفات التعاون والقضايا الدولية ذات الاهتمام المُشترك.

 

سياسيًا: تزيد التغيرات الإقليمية من أهمية تلك الزيارة ونتائجها المرتقبة، فتأتي عقب يومين من القمة العربية في جدة، وهي القمة التي شهدت عودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية والمشاركة الأولى للرئيس بشار الأسد بعد 12 عامًا من القطيعة، وهو الحق الذي دعمت مصر حصول سوريا عليه، دعمًا للحفاظ على وحدة سوريا والدولة الوطنية.

 

وفي الوقت ذاته شهدت علاقات المملكة العربية السعودية تقاربًا وتفاهمًا مع إيران وعودة العلاقات الدبلوماسية بعد قطيعة تاريخية، وهو تطور ملحوظ يُنتظر أن يكون له آثاره الإقليمية.

 

إيران طرف فاعل في العديد من الملفات، بينها الملف اليمني عبر ميليشيات الحوثي، التي مثلت تهديدًا لأمن السعودية ما دفعها لحسم أمرها بمواجهة عسكرية في اليمن، كما لإيران دور في دعم نظام بشار الأسد في سوريا، خلال السنوات المنقضية.

 

وامتازت سلطنة عُمان بعلاقات متوازنة مع إيران لم تتأثر سلبًا في أعقد الأزمات الإقليمية، كما حافظت على علاقات متوازنة مع اليمن التي تربطها بها حدود برية وتلعب دورًا دبلوماسيًا صامتًا في إنهاء الصراع بها، في حين تقبع إيران على الشاطئ المقابل لبحر عمان.

 

ومما لا شك فيه أن التجارب التاريخية والاختبارات الحادة التي تعرضت لها الأمة العربية في السنوات الأخيرة أثبتت حكمة الرؤية المصرية في ضرورة الحفاظ على ثبات وقوة الدولة العربية الوطنية، والتعامل الحكيم مع الأزمات والخلافات في ظل تهديدات تتنامى، وآخرها ما تتعرض له دولة السودان الشقيق من تهديد ناجم عن تمرد قوات الدعم السريع.

 

وتمثل مصر داعمًا تاريخيًا قويًا لحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل يونيو 1967، وتثمر وساطتها الدائمة وقفًا لنزيف الدماء، ولمصر دورها الفاعل في جميع قضايا الإقليم لإحلال السلم في دول الجوار والدول العربية التي شهدت هزات سياسية ومن ثم فإن تنسيق المواقف يدعم تلك السياسات الحكيمة للبلدين، ويعزز من فرص توسعة قاعدة تبنيها عربيًا.

 

اقتصاديًا: تنامت العلاقات المصرية- العمانية بشكل ملحوظ حيث بلغ حجم التبادل التجاري عام 2022 بين البلدين 1.1 مليار دولار، مُقابل 650 مليون دولار، خلال عام 2021 ما يعني ارتفاع حجم التبادل التجاري بنسبة 64.4% خلال عام، ويسعى الرئيس السيسي والسلطان هيثم بن طارق لمضاعفة حجم التعاون الاقتصادي وتيسير الاستثمارات المتبادلة لمستثمري الدولتين في مصر والسلطنة.

 

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغت قيمة الاستثمارات العُمانية في مصر 1.2 مليون دولار، خلال الربع الأول من العام المالي 2022-2023 بنسبة زيادة 100% في حجم الاستثمارات.

 

وكانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان يونيو 2022، بدعوة من شقيقه السلطان هيثم بن طارق، قد شهدت عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية وعرض فيلم وثائقي عن الفرص الاستثمارية في مصر، وما شهدته البلاد من تطوير في البنية التحتية والمشروعات القومية والبنية الاستثمارية من تشريعات وتنمية تخلق فرصًا استثمارية.

 

ولعل الحفاوة الكبيرة التي قوبل بها الرئيس السيسي في سلطنة عُمان، وما قوبل به السلطان هيثم أمس بالقاهرة، وتبادُل الزعيمين أرفع أوسمة بين البلدين، والزيارة المرتقبة اليوم للعاصمة الإدارية الجديدة، وما أنجز بها من مشروعات حضارية، وما تتيحه من فرص استثمارية وما شهدته مصر في السنوات الأخيرة من طفرة تنموية في كل مجالات التنمية العمرانية والصناعية والزراعية والسياحية؛ تخلق فرصًا إضافية لجذب مزيد من الاستثمارات العُمانية في مصر.

 

ولعل أهم ما يربط البلدين هو المحبة بين الشعبين، وما تتمتع به الجالية المصرية من حفاوة وترحاب في سلطنة عُمان، وما تتمتع به الجالية العُمانية في مصر من محبة وتقدير، فالعلاقات السياسية الراسخة نابعة من قاعدة علاقات شعبية تاريخية، ولعل التبادل التجاري يعود إلى عُمق تاريخ البلدين منذ رحلات المصريين القدماء قبل الميلاد إلى "ظفار"، حيث تجارة البخور و"اللبان"، التي امتازت به ظفار منذ تلك الحقبة ولا تزال السلطنة مصدرة له.

 

تمثل الزيارة الكريمة دفعة قوية لتنمية العلاقات بين البلدين الشقيقين؛ لتثمر المزيد من الخير للشعبين الشقيقين، في كل المجالات، وتعزز من تنسيق المواقف والرؤى تجاه قضايا الإقليم والدور المحوري للبلدين في دعم الحلول السياسية السلمية لأزمات السودان واليمن وسوريا وليبيا، بما يعزز بنيات الدولة الوطنية وسلامتها، لصالح شعوبها والأمن القومي العربي.

 

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز