عاجل
الإثنين 24 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
فنون القرن الحادي والعشرين.. حلم وحدة الوجود

فنون القرن الحادي والعشرين.. حلم وحدة الوجود

من المعروف والمستقر أن الفنون بمختلف أنواعها تعتمد على قوانين الإدراك الإنساني. 



والإدراك يعتمد على الحواس المعروفة، أقصد الحواس الخمس، وما هو بارز منها في جماليات الفنون حاسة الإبصار أي الرؤية وحاسة السمع. 

بعض من الفنانين في الفنون الأدائية أدمجوا حواس أخرى كحاسة الشم عبر إطلاق الروائح، وبعضهم حفز حاسة اللمس في الاتصال المباشر بين الفنان والجمهور، إلا أنها استخدامات استثنائية للحواس. 

أما الآن ومع عالم القرن الحادي والعشرين فقد توسع عالم الحواس في الفنون إلى إدماج حواس جديدة لم يعرفها الإنسان. 

ففي سعى لمزيد من الاتحاد بين البشر وبعضهم البعض، ومزيد من الاتصال بين البشر والطبيعة، بدأ الفنانون المهتمون بعالم التكنولوجيا، وبالتغيير الجيني، وبالاستخدام العلمي التقني للعلوم الجديدة القادرة على إضافة أعضاء بشرية تكنولوجية بديلة أو مكملة بجسد الإنسان، بدأ السعي نحو خلق حواس جديدة لنا نحن البشر، إذ إن الفنانين الجدد يسعون لخلق مساحات إتاحة جديدة إنه، فن السايبورج. 

والسايبورج Cyborg هو إنسان معدل عبر التغيير الجيني، وهو مزود بعدد من الرقائق والوصلات الإليكترونية التي تضيف إليه قدرات جديدة لا تتوافر للإنسان العادي. 

إنه بشر مثلنا لكن نصفه ممزوج بالآلات. 

ويعد النموذج الأكثر شهرة له هو عالم التقنية والعلوم البريطاني بيتر سكوت مورجان الذي غادر عالمنا يونيو 2022. 

وبعيدًا عن وفاته التي أعلنها عبر استخدام الشبكة الدولية للمعلومات بعد انهيار جسده البشري وعدم قدرة التكنولوجيا على منحه ذلك الخلود الافتراضي الذي كان يسعى إليه سكوت كواحد من أبرز البشر الذين تحدوا المرض والإعاقة، وبعيدًا عن مناقشة تلك العلوم التي أصبحت حقيقة عبر الإدماج والتغيير الجيني للحيوان والنبات والتي باتت ممكنة في البشر إلا أنها ما زالت مقيدة بأخلاقيات العلوم وبموانع دينية عديدة. 

فإن الفن أصبح هو المجال الحيوي لعمل السايبورج، وهكذا بدأ عدد من الفنانين السير قدمًا في هذا الاتجاه. 

ولذلك وتحت عنوان الوسائط المتعددة الممسرحة “A multimedia theatrical advanced”، بدأت تلك العروض المتفردة لفن السايب، أو للأعمال الفنية التي تستخدم السايب، وهي ليست سيبرانية بمعنى أنها تستخدم عالم التواصل الاجتماعي والاتصال عن بعد الذي تتيحه الفنون الرقمية digetalorty عبر الشبكة الدولية للمعلومات واستخدام الكمبيوتر، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، ذلك أنها- أي فنون السايب- تسعى لاستخدام التكنولوجيا من جسدنا وعقلنا وتغيير إدراكنا للواقع. 

وواحد من تلك العروض المتاحة على الشبكة الدولية للمعلومات، والتي تطرح أسئلة عن إمكانية مذهلة كي نتصل بالطبيعة نحن البشر عن طريق التكنولوجيا، هو عرض لفنانة أمريكية من فناني السايبورج تقوم بتوصيل جسدها من قدمها بحذاء إلكتروني قادر على استشعار الزلازل. 

وهي تدمج فنها بعلم ينمو داخل النظم السيبرانية منذ 2013، موصول بمستشعرات قياس الزلازل. 

وهي تجلس أمام الجمهور لتمارس الاتصال بالحركة الطبيعية للأرض من خلال أجهزة المستشعرات في قدمها، وهي تعبر عن شعورها الإبداعي وتجربتها الحسية الجديدة، بأنها تفهم أن مراكز الزلازل في الأرض هي القلب النابض لكوكبنا. 

وهي في ذلك تعبر عن حركة الكوكب المستمرة وعن إيقاع الصفائح الحية الداخلية، إذ تراها ذات طابع موسيقي مدهش، مما يجعلها تتحدث عن فرص ملهمة جديدة إذا ما تم اتصالنا الحسي الجديد بالطبيعة والكائنات الأخرى، فهي قادرة على إلهامنا وتعليمنا مفاهيمًا جديدة من قوانين حياتها وتطورها الخاص. 

إنها إذن محاولة فنية تستخدم العلم للقفز على تطورنا الطبيعي الإنساني في العلوم والفنون. 

إذ إننا كما يرى فنانو السايب لا يجب أن ننتظر التطور الطبيعي، إننا نتطور الآن. 

ولديه صديق فنان أيضًا من فناني السايب يرتدي قرونًا تكنولوجية ذكية جدًا تسمح له بالقدرة على إدراك الألوان وعالمها المختلف بطريقة جديدة لا تدركها حواسنا البشرية التي نعرفها، فهو يستطيع إدراك الألوان من الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء، وهو يسعى لوصلنا بما يراه كجمهور عبر استخدام التكنولوجيا بتقنية تشبه اتصال "البلوتوث" في أجهزة الهواتف المحمولة.

كما تسعى هي كي نسمع معها دقات النقر لمركز الحركة والزلازل الداخلية للأرض، كي نرقص كمتفرجين معها في وصلة الرقص القادمة مع موسيقى الهزة الأرضية. 

هذا وقد أعلن فنانو السايبورج عام 2017 جمعية العابرين للأنواع في محاولة للخروج من الحواس الخمس البشرية، نحو حواس جديدة يعرفها الحيوان والنبات والذكاء الاصطناعي وأجهزة قياس ورصد الطقس والمناخ والزلازل بل والاتصال مع كواكب أخرى، أبرزها الاتصال مع إيقاع القمر عن سفن الفضاء التي سافرت إلى هناك. 

مما يعزز نظامًا جديدًا للتواصل عابر للأنواع أي متصل بالطبيعة والكائنات الأخرى، في إطار وحدة الأجناس والمخلوقات. 

وهو وحدة فلسفية كثيرًا ما حدثتنا عنها كتب الفلاسفة والمتأملين في خلق العالم والموجودات، وما كان الإنسان يحلم يوما بتحقيقها عبر استخدام التكنولوجيا. 

إنه تواصل ممكن، وهو يشبه ذلك التواصل الذي يحدث عبر استخدام الإنترنت، ليتصل طرف بآخر، طرف في العالم في الناحية الأخرى. 

وهكذا تصبح الأرض هي الملحن مؤلف القطعة الموسيقية، وتصبح جميع الأنواع ملهمة لفنون جديدة بقوانين إبداعية جديدة تتسق مع الحواس الجديدة التي تتيحها المقدرة على إدماج الجسد الإنساني بالتكنولوجيا. 

ولا تزال تلك الحركة الفنية تعمل، إذ أن أهداف السايبورج المعلنة بجدية هي مساعدة البشر على أن يكونوا "سايبورج" أي إدماجهم في عالم التكنولوجيا عبر أجسادهم البشرية. 

والدفاع عن حقوقهم الجديدة المتسقة مع إدراكهم الجديد للواقع والحياة، وتسويق قيم السايبورج كحركة فنية جديدة. 

ومنح الجنس البشري إمكانية التطور للأمام، وهي في النهاية حركة اجتماعية فنية ذات طابع علمي تقني تسعى لمجتمع موازٍ يمكننا فيه ابتكار مجموعة من الحواس الجديدة مضافة للحواس البشرية المعروفة. 

إنه حقًا عالم مختلف، عالم القرن الحادي والعشرين المليء بالتمرد والخيال والابتكار، وعلينا أن نتأمله جيدًا، لأنه عالم جديد يتغير فعلًا. 

وليس على سبيل الخيال أو الأحلام أو التفكير، بل هي تغيرات وأحداث واقعية تجري بيننا نحن البشر، في عالم حقًا هو قرية واحدة، قادرة على التواصل معًا في أي لحظة من كل جهات الدنيا الأربع. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز