فن الدبلوماسية وسمات القيادة فـي حل الأزمات
تُقسَّم الأزمات إلى عدَّة أنواع، منها المفتعلة كالحروب ورفع أو خفض الأسهم في سوق الأوراق المالية الدولية أو في أسعار النفط، لتحقيق أهداف معيَّنة، سواء كهدف) تكتيكي أو استراتيجي) أو أزمات غير مفتعلة، وهي الطبيعية كالبراكين والسيول والأعاصير والزلازل.. وغيرها والتي ليست هي من أعمال البَشر.
ذانك النوعان هما مدمِّران للجنس البَشري؛ إذ لم تُوضع في بوتقة احتواء وتحديد حلحلة الأزمة، وهنا تظهر سِمات القيادة وحِكمتها وخِبرتها وجرأتها في اتِّخاذ القرارات السليمة وبأقلِّ الخسائر في ذلك (لأنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين صناعة القرار واتِّخاذ القرار)، بعيدًا عن عِلم الإدارة ومحدودية الصلاحيات والتي قد تزيد من انتشار الأزمة؛ لذلك تؤدِّي القيادة وفنونها ومنها مركزية وسرعة اتِّخاذ القرار التي تُجفِّف وتحدِّد ملامح الأزمة، وبالتَّالي تضع المفاتيح المناسبة لحلِّها ضِمْن جدول زمني متَّفق عليه. رُبَّ سائل يسأل: ما علاقة فنِّ وعِلم الدبلوماسية في حلِّ الأزمات؟ وهل الدبلوماسية تُعدُّ من مفاتيح حلِّ الأزمات على مختلف أنواعها؟ ولماذا تُعدُّ الدبلوماسية أحد الأبواب التي يستعين بها هرم الدولة في بعض الأحيان لمساعدة بلاده في اجتياز المِحنة التي تعصف بها؟ وهنا نقول بأنَّ الدبلوماسية هي السياسة الخارجية للدولة، وقِسم آخر يعرِّفها بعِلم المفاوضات والبروتوكول والإتيكيت. والتعريف الشامل هو: بأنَّها مجموعة من المفاهيم والقواعد والإجراءات والأعراف الدولية التي تُنظِّم العلاقات بين الدول والمنظَّمات الدولية؛ بهدف خدمة المصالح العليا للدوَل والشعوب، ولكن مع التغييرات التي شهدها النظام الدولي، تغيَّر تركيز ومحتوى الدبلوماسية بشكلٍ كبير؛ ليشمل السياسات العُليا للدوَل من خلال البعثة الدبلوماسية، وواجباتها هي جمع المعلومات المهنية والعلاقات العامَّة والمفاوضات، وإيصال المعلومات إلى المركز، وانتظار الأوامر للتحرُّك استنادًا إلى نوع الأزمة أو الحدث والتوجيهات الصادرة من مركز القرار.
هنا تؤدِّي القيادة دَورًا محوريًّا في تحقيق الهدف بالتعاون مع البعثة الدبلوماسية الموجودة على أرض الواقع. ومثال ذلك، ما يحدث في السودان الشقيق حيث تقوم البعثات، التي تتميَّز بقيادتها المُحنَّكة، بإجلاء رعاياها دُونَ خسائر تذكر. وأيُّ خللٍ يعني عدم حرفية الكادر الدبلوماسي، لذلك تؤدِّي البعثة الدبلوماسية، سواء على مستوى السفير أو القائم بالأعمال وكافَّة كادرها الدَّور الجوهري بإيصال المعلومات الدقيقة إلى المركز؛ لكَيْ يتمَّ منح البعثة الصلاحيات والقيادة في تنفيذ المهام بعيدًا عن الروتين الإداري لغرض عبور الجالية إلى بَرِّ الأمان. لذلك على البعثة الدبلوماسية أنْ تتَّخذَ الخطوات السريعة لاحتواء وحلِّ الأزمة خارج ساعات الدوام الرَّسمي، ومن هذه الخطوات هي: التخطيط السليم لإجلاء الجالية، تحديد المسار والوقت والعدد، جمع المعلومات الدقيقة، وضع الخطط البديلة، التنفيذ وتقويم النتائج وتجاوز السلبيات. كما أنَّ على البعثة الدبلوماسية أن تبدأ بمبادرة التنظيم من خلال مهارات الاتصال والتواصل مع أفراد الجالية، وهنا تكمن الأخطاء من بعض السفارات التي ليس لدَيْها أيُّ إحصائية دقيقة عن عدد الجالية المقيمة، لذلك على السفير تشكيل خليَّة أزمة على مدار 24 ساعة دُونَ مَللٍ أو كَللٍ لغرض إبحار الجالية إلى بَرِّ الأمان، وهذه هي من سِمات وكاريزما القيادة المميّزة (للسفير، القائم بالأعمال، كادر البعثة).
إنَّ من أهمِّ سِمات القيادة هي: التنظيم، تحديد الأهداف، توزيع المسؤوليات، كتابة التقارير بمنتهى الدقَّة في نقل المعلومات، تصنيف وتقسيم الأعمال، تحديد مواصفات ومؤهلات العاملين، وضع الإطار العام لتنفيذ الخطط ضمن إدارة الوقت، تجميع مصادر معلومات من المُهِم إلى الأهمِّ، إيجاد التوازن بين الأهداف المتحققة والمتبقية، الترابط بين التنظيم الرَّسمي وغير الرَّسمي والتحقُّق من المعلومات الواردة ضِمْن الدبلوماسية الشعبية، وبالتَّالي فإنَّ هذه السِّمات هي التي تُحقِّق التنظيم الفعَّال وإنجاز الأهداف.
وفي الختام فإنَّ مهام القيادة هي أن تكُونَ حلقة الوصل بين القاعدة وهرم القيادة، وعليها تحقيق أهداف وخطط المؤسَّسة وتصوُّراتها المستقبلية، وتُسهم القيادة في صهر جهود العاملين في زاوية إنجاز الأهداف ضِمْن مبدأ القيادة الرشيقة وفنِّ إدارة الوقت، وتفرض السيطرة على العوائق التي تقف في وجْه تحقيق الأهداف والعمل على إيجاد حلول جذرية لها، وعلى القائد دائمًا أن يسعى ويحرص على تدريب أفراد مؤسَّسته وتقديم الحوافز لهم، وأن يضع مبدأ العقاب والثواب للوصول إلى ما هو مخطَّط له. كما يؤخذ بعَيْنِ الاعتبار كيفية رؤية القائد لنفسه ومركزه وألَّا يكُونَ أنانيًّا مُحبًّا ومغرمًا بمنصبه وكرسي القيادة، ويتحوَّل من قائد مميَّز ومُحنَّك ذي أخلاق أصيلة إلى قائد ديكتاتوري لا يرى إلَّا نفسه.
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت