عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
في محبة سميحة أيوب... ورسالة اليوم العالمي للمسرح

في محبة سميحة أيوب... ورسالة اليوم العالمي للمسرح

أصدقائي المسرحيين في جميع أنحاء العالم، بهذا النداء بدأت سيدة المسرح العربي الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب كلمتها في يوم المسرح العالمي 27 مارس 2023، بعد أن تم ترشيحها من الهيئة الدولية للمسرح iTi لكتابة كلمة للعالم كله، في هذا اليوم التاريخي للمسرح، الذي تم الاتفاق عليه لتذكير البشر بقيمة النموذج الفني للمسرح. 



وعمر هذا اليوم يمتد منذ 1962 بمناسبة افتتاح موسم مسرح الأمم في باريس وهو المسرح الذي تدعمه اليونسكو باهتمام واضح من الأمم المتحدة، وهو إحدى العلامات المعاصرة على عالمية المسرح وقدرته على أن يكون تعبيرًا عن الاتصال الفعال بين البشر في كل أنحاء العالم.

وحسنا فعلت الهيئة الدولية للمسرح باختيار سيدة المسرح العربي، وكما جاء في حيثيات الاختيار ليس فقط لكونها فنانة عبقرية الأداء فحسب، بل لكونها عاشقة للمسرح، فقد تنفست سميحة أيوب عشقًا للمسرح لمدة سبعين عامًا متصلة.

وأضيف لحيثيات الاختيار تحليل لمسألة أنها عبقرية الأداء، فهي من هؤلاء الذين يتركون كل توافه الحياة الاعتيادية اليومية وكل ما يشغلهم لخلق حياة إبداعية ملهمة ومضيئة على خشبة المسرح، وحسبك أن تشاهد سميحة أيوب على خشبة المسرح لتعرف كيف تشرق روحها بهجة ونورًا مع مقدرة فريدة على امتلاك خبرات الاحتراف المسرحي. هذا وتعرف السيدة سميحة أيوب كرمز مسرحي مصري عربي، وخلال فترة عملي بجوارها في لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة تشرفت بها وبمحبتها، وعرفت كيف يتصرف الكبار بكل حرص واحترام للمهنة وللدور الإنساني المهم الذي يستهدف المسرح المصري وتأثيره المحوري في المسرح العربي وتواصله مع الثقافة العالمية.

وسيدة المسرح العربي تمثل ذلك النوع النادر من النجوم، الذين حرصوا على اختياراتهم الفنية طوال العمر. وبمراجعة أعمال سميحة أيوب المسرحية لا تجد إلا أعمالًا إبداعية لكتاب ومخرجين يجمعون بين القدرة على المزح بين الفرجة والفكر.

وهي لمن اقترب منها تملك تلك الروح القادرة على القيادة وضبط الإطار العام المحيط بها بتواضع نادر وبحسم محب وبمقدرة نادرة على الترفع عن صغائر الأمور وقدرة على إدارة الصراعات بحكمة وإنسانية، ومصدر ذلك كله خبرة إنسانية وثقافية رفيعة المستوى.

ولذلك تأتي كلمتها مثلها تحمل بساطة العمق ووضوح العبارة، ودقة الطرح الفكري، إذ يأتي جوهرها في إدراك المفارقة الدرامية التي يعيشها العالم المعاصر الآن، فهي تقول:

"لم يكن عالمنا الواحد أكثر التصاقًا ببعضه البعض منه اليوم، إلا أنه وفي ذات الوقت لم يكن أكثر تنافرًا وابتعادًا عن بعضه البعض، وهنا تكمن المفارقة الدراماتيكية التي يفرضها علينا عالمنا المعاصر".

وهي في سبيل ذلك ترصد حالات الحرب وعدم الاستقرار في المجتمع الدولي، وسلوك الجزر المنعزلة والسفن الهاربة، في رؤية إنسانية تستهدف استعادة دور المسرح كضمير إنساني يسعى للخلاص من تلك التصدعات التي يسببها الصراع الدولي.

وهو الدور الهام للمسرح والفنون والتي تتناقض في طريقة رؤيتها للواقع مع علوم السياسة والاقتصاد، وهو تناقض محمود لأنه يستهدف التكامل الإنساني، لصالح المجتمع الدولي.

ولعل همس سميحة أيوب المتزن المهذب كسلوكها الأنيق الرصين لهو تجديد لدعوة ضرورة منح السياسة الدولية مزيدًا من الإنسانية ومن قيم الحق والخير والجمال.

وهي في ذلك لم تنس في كلمتها إلى تعيين دور مهم للمسرح تذكرنا بوضوح إن تقول:

"نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف".

فالمسرح حقًا هو فعل الحياة وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة.

وتبقى كلمتها المهمة والتي هي إشارة دولية لأهمية المسرح المصري ورموزه والاعتراف الدولي به، تطرح أسئلة جديدة.

وهي أسئلة ضرورية وهامة، أبرزها سؤال هو: 

متى يستعيد المسرحيون المصريون إدراكهم لدورهم الرمزي وقيمته الكبرى التي كانت متوافرة للمسرح المصري في جيل سميحة أيوب؟

هذا الجيل المتزن الذي تشرفت بالعمل معه والتعلم على يديه.

أتذكر مخرجها الأثير الأستاذ سعد أدرش رحمه الله، ومساره المهني الذي لم يستهدف فيه جمع ثروة مالية، ولم يتصرف يومًا كشخص يعمل من أجل أن يسد رمقه الضروري. 

أنه هذا الاتزان وتلك المسافة الضرورية من الاستقلال الإبداعي رغم وجوده الدائم في قلب المؤسسة الرسمية الثقافية المصرية في عصور متتالية وبعضها مختلف عن بعضه في التوجهات العامة.

ما كل هذا النور؟

هو نور مصدره الثقة بوطنه وبأهله وبمجتمعه وبمحيطه المهني، ومصدره أيضًا الإدراك الحقيقي لدور الفنان المسرحي، ولوظيفة المخرج المسرحي التي تتجاوز حدودها المهنية بالضرورة نحو الاهتمامات العامة، بطبيعة المسرح ذاته، ذلك أن المسرح في جوهره هو تعبير عن حياة الناس.

وفي ذات السياق المتصل وفى نظرة للمستقبل يمكن طرح سؤال مستقبلي في عالم متصارع متقارب متباعد، وهو عالم واحد أيضًا.

أين تكمن طاقة المسرح الجديد؟

ولعل إجابتي المتواضعة تأتي من رصد فترات التحول الكبرى في تاريخ الإنسانية وكيف تحول معها وتغير المسرح. فبمراجعة تاريخ الدراما نجد أن الفترات التي أنتجت مسرحا جديدا بقي للمستقبل خالدًا، مثل إنتاج عصر النهضة الأوروبي والذي ترك لنا أعمالا هامة لشكسبير وموليير وكورني وراسين وغيرهم وأرسى تقاليد عالمية للمسرح قد جاء من جدة الخيال والتصور.

والتصور والخيال المبتكر، هما جناحا الإبداع المسرحي القادر على التواصل مع المجتمعات المحلية والدولية معًا. ماذا يمكن أيضا أن نسعى إليه في المستقبل من أجل مسرح قادر على التأثير في السياسة الدولية؟

إنه التمسك الضروري بمفهوم قديم للمسرح يتجدد ولا يفنى وهو مفهوم يلازم كل الإبداعات الكبرى التي دخلت عالم الخلود، ألا وهو مفهوم العدالة الشعرية.

وهو المفهوم الذي يسميه الناقد الإنجليزي الأشهر ألاراديس نيكول في كتابة العمدة المكون من خمسة أجزاء المسرحية العالمية، بتسمية دقيقة هي العاطفة الشاعرية.

إنها تلك العاطفة الحارة القادمة من شعر الحياة وعلومها وفنونها إنها روح القانون وروح الرحمة وروح العدل، إنها العطف على الإنسان.

خاصة ولأنه ومع الانتشار المذهل للتكنولوجيا الأثيرية، والسفر الفضائي الرقمي حول العالم لكل الإبداعات المسرحية والدرامية المتعددة، فإن الجمهور العام حول العالم المتأثر بروح القلق في عالمنا المعاصر لم يعد مهيًا حقا للكلاسيكية، ولا تلك الأعمال الكوميدية التي يكتبها الأكاديميون.

فهو وبحق جمهور معاصر يدرك ضرورة كسر الحدود التقليدية بين الفنون الجماهيرية التعبيرية وبعضها البعض، هو جمهور يحب الكوميديا المعاصرة الخاصة به، والأعمال الغنائية المبهجة. 

فإذا ما كان لهذا الجمهور الجديد أفقًا للترقب واهتمام بمشاهدة المسرح الجاد، فهم يريدون فنونًا أكثر حيوية مليئة بالحركة، على أن تكون متحررة من القيود المصطنعة، وبالتالي فهو جمهور يتطلع لحركة جديدة، ولأنواع مسرحية تتناسب مع الأفكار الجديدة في السياسة والفن.

وهذا لا ينفي ضرورة إدماج التقاليد المسرحية القديمة، بل وإعادة إنتاجها لتصبح قادرة على التفاعل مع روح العصر. وفي ذات الوقت ربما يصبح الهدف الأكثر سموا ونفعا هو ضرورة النظر للمستقبل بفنون مسرحية وتعبيرية قادرة على إعادة الصلة الوثيقة بين ما هو ثقافي وما هو شعبي من أجل تحقيق المتعة الجمالية والعاطفية الشعرية لتلك الفنون.

وذلك رغم كل تلك التوترات الحادة في السياسة الدولية في عالم معاصر، كم يحتاج لتلك العاطفة الشعرية التي تستعيد الروح الإنسانية وتنحاز لقيم الحق والخير والجمال.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز