عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإبداع الجماعي أم العقل المبدع المنفرد؟!

قراءة في دراما رمضان 2023

الإبداع الجماعي أم العقل المبدع المنفرد؟!

عندما بحث النقاد والصحفيون ودارسو الآدب والدراما عن الإطار الحاكم لعملية الإبداع لدى المؤلفين الكبار وجدوا طرقًا مختلفة ومتنوعة عن عملية ميلاد الأعمال الإبداعية الكبرى.



وفي مصر على سبيل المثال كان نجيب محفوظ يخطط لحبكة الرواية في سطور قليلة ثم يجلس لتنفيذ خطته يوميًا بدأب الصانع الماهر الذي يدخل مكتبه للعمل المنتظم.

 

بينما كان يوسف إدريس يكتب فجأة تحت وهج لحظات الكشف والرؤية الإبداعية.

ومع ازدهار الدراما التليفزيونية المصرية لعقود طويلة، وفي أحد عصورها الذهبية ظهر مفهوم يقارب الدراما التليفزيونية ممثلة في سيناريوهات أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن ومحمد جلال عبد القوي وغيرهم من علامات الكتابة المصرية للدراما التليفزيونية بالكتابة الروائية والقصصية الإبداعية.

 

وظهرت دراسات متعددة لفهم الكتابة للدراما المسلسلة المخصصة كي تكون مسموعة مرئية عبر الشاشة الصغيرة، كنوع من دراسات السرد الدرامي المتعددة.

 

ولذلك كان هناك عقل درامي واحد كبير يخطط ويكتب ويرسم الشخصيات والإطار العام ويحدد الرؤية الفكرية والجمالية ونوع الرسالة التي يود إرسالها للمتلقي العام.

 

أما ما حدث بعد ذلك فهو ظهور لنوع من التجمعات الإبداعية التي تقوم بكتابة تلك الدرامات التلفزيونية، وظلت تلك التجمعات الدرامية تتكاثر حتى أصبحت هي الظاهرة الأبرز في تقاليد الدراما التلفزيونية المصرية. 

 

فبملاحظة الإعلانات الترويجية لدراما الموسم الرمضاني هذا العام 2023 يمكن ملاحظة ظاهرة "ورش السيناريو" التي تظل حاضرة في الدراما التلفزيونية المصرية.

 

فما هي ورش السيناريو وكيف بدأت؟

إن تلك الورش هي اختراع أمريكي حصري في الكتابة للسينما، وحدث ذلك لأن هوليوود التي تصنع السينما الأمريكية للداخل وللخارج الغربي الأوروبي، ولدول العالم الآسيوي الأقصى، وللشرق الأوسط ومنه الوطن العربي والامتداد الإفريقي والإقليمي، تقف خلفها مؤسسات فكرية وترسم خططا وأهدافا ورؤى ورسائل موجهة للعالم كله، يمكن ملاحظتها في رسم الصور الذهنية لشخصية البطل الأمريكي المنقذ القادر على صنع المعجزات.

 

وتلك التصورات يقوم عليها وعلى رسم خططها مجموعة من الخبراء في المجالات الفنية والدرامية والعلوم ذات الأهداف الكبرى، ومنها خبراء العلوم السياسية وعلماء النفس، بل وبعض من الخبراء العسكريين والأمنيين.

 

لأنها خطط محددة، ويتم إرسال تلك التصورات المطلوبة والمحددة لمراكز الإنتاج الفني لتنفيذها، ومن هنا بدأت فكرة ورش السيناريو، أو مجموعات عمل الكتابة. 

 

لأن المؤلف المفكر الفرد المتطوع الذي يبدأ من إرادة ذاتية للإبداع مثل تشارلي شابلن المبدع الأمريكي الذي صار مواطنا مبدعًا عالميًا هو فكرة باتت نادرة في عالم هوليود المعاصر.

 

وقد انتقلت تلك الورش المعدة للكتابة لمصر والوطن العربي، ليعرفها المسرح التجريبي المصري والعربي في الأنواع المسرحية الحداثية وما بعد الحداثية، القائمة على تطوير ذائقة الارتجال التاريخية والإبداع الجماعي، وهي تجارب يديرها عقل واحد وهو "الدراما تورج" أو صانع الدراما المسرحية.

 

ولكن هذه الظاهرة- أي ظاهرة الورش- لم تعرفها السينما المصرية حتى الآن.

 

ولعل العودة إلى نشأة تلك الورش المخصصة للسيناريو يصنع إضاءة واضحة لكونها قادرة على أن تكون ظاهرة إتاحة كبرى في حال وجود ذلك التخطيط الذي يرسم أهدافا وخططا واضحة، يود المخطط الفاعل في مصر أن يرسل عبرها رسائل وأفكارًا وصورًا ذهنية محددة.

 

أما ما يثير القلق بشأن تلك الظاهرة في الكتابة للدراما التليفزيونية فأنها تظهر في أعمال عادية ذات طابع كوميدي ساخر، أو من درامات الحركة الجديدة.

 

وهو الأمر الذي يعطي إشارة إلى الجانب التقني الذي يجعل طريقة العمل الجماعي عبر ورش الكتابة هي الطريق الأسرع لإنجاز الدراما التليفزيونية التي تحقق رؤى النجوم عن ذواتهم، وصورهم الذهنية التي يريدون ترسيخها لدى الجمهور العام عنهم.

 

خاصة أن الإنتاج الدرامي الخاص، الذي تديره شركات يديرها منتجون محترفون، تقوم أولا بالبحث عن النجم الذي يحقق الأرباح، ثم تبحث له عن الدراما التي تستطيع من خلالها تحقيق النجاح المنتظر، وهو أمر مشروع ومقبول ومفهوم وضروري لتحقيق النجاح الجماهيري.

 

ولكن ماذا عن الكاتب المفكر الفرد الذي يطرح رؤى ويفتح آفاقا جديدة؟

 

كان وحيد حامد- رحمه الله- واحدًا من هؤلاء، وكان هو وأسامة أنور عكاشة، رحمه الله، والكاتب محمد جلال عبد القوي، هم النجوم في الدراما التليفزيونية.

 

وكان الكاتب النجم والمخرج النجم هو من يرسم المسارات ويصنع النجوم الجدد.

 

ولذلك فالكاتب المتفرد الفرد ظاهرة يجب الانتباه للحفاظ عليها، لأن ما بقي من الكبار ومنهم أيضًا محمد السيد عيد وغيره، هم ثروة قادرة على العطاء، وعلى تقديم الدراما القائمة على حبكة يصنعها عقل واحد مبدع ويقوم على تنفيذها بنفسه.

 

ومن الورش التي باتت هي الورش الأشهر والتي لا تحمل اسمًا لمؤلف واحد ورشة الملوك التي قدمت العام الماضي مسلسل "توبة" للنجم عمرو سعد، وهي تقدم له هذا العام مسلسل الأجهر من إخراج ياسر سامي.

 

أما الورشة الثانية التي تخص هذا العام فهي ورشة "بلاك هورس" التي كتبت مسلسل "إكس لانس" الذي يعود به محمد سعد للمنافسة هذا العام.

 

أما الدراما الثالثة التي تسمى "الهرشة السابعة" فيظهر فيها اسم مشرف على ورشة الكتابة وهو دينا نجم، بينما لا نجد هذا العقل المنظم الفرد الضروري لتنفيذ العمل معلنًا عنه بشكل واضح في الحالات الأخرى.

 

ولذلك سوف يتأكد في معظم تلك الدرامات حضور رغبات النجوم الدرامية وصورهم الذهنية عن أنفسهم، والصور التي يرغبون في صنعها.

 

ومع مطلع هذا الشهر الكريم سنشهد السباق الرمضاني الممتع، وإن بدت تلك أول ملاحظة درامية على موسم 2023. 

 

كل عام ومصر والأمة الإسلامية والبشر في أرجاء الدنيا الأربعة في خير وصحة وسلام وسعادة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز