في تصريحات خاصة لبوابة روزاليوسف
السفير الصيني بالقاهرة يشرح أسلوب الممارسة الديمقراطية في الحكم بالصين
هدى المصري
تُعتبر "الدورتان السنويتان" لمجلس نواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني موضوعا مهما في النشاطات السياسية للشعب الصيني، كما تُمثلان أفضل نافذة يعرف من خلالها العالم الممارسات الصينية لـ"الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة".
الديمقراطية الشعبية الصينية بعملياتها الكاملة "تتمحور حول الشعب"
وفى تصريحات- خاصة لبوابة روزاليوسف - تحدث لياو ليتشيانج سفير الصين بالقاهرة ، عن مفهوم الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية الذي طرحه شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، و إجابة الصين على هذا السؤال ..ماهى الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية؟
قال لياو ليتشيانج إن الديمقراطية هي شكل سياسي تشكّل بعد آلاف السنين من الاستكشافات في المجتمع البشري، ولعبت دورا مهما في مسيرة التنمية البشرية. لكن في ظل العملية الديمقراطية العارمة منذ القرن العشرين، شهدت بعض الدول ركودا ووقع البعض في حالة الاضطراب وشهد البعض الآخر الانهيار.
و أضاف: ويواجه عالم اليوم "الفائض الديمقراطي" و"السرعة الزائدة للديمقراطية" من ناحية، ومن ناحية أخرى "العجز الديمقراطي" و"التلاشي الديمقراطي". ماذا حدث للديمقراطية؟ هل ما زالت نافعة؟ إن الإجابة على "سؤال الديمقراطية" وفهم "معضلة الديمقراطية" أمر يتعلق بالتنمية السلمية للعالم ومستقبل الحضارة البشرية.
وقال سفير الصين إن بلاده اختارت الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية وفقا لظروفها الوطنية، و بعد مسيرة شاقة من التجريب والاستكشاف والممارسة والتطوير. وإن الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية السمة الأساسية للسياسة الاشتراكية الديمقراطية، وهي تجسد بوضوح طبيعة الدولة الاشتراكية والمكانة الأساسية للشعب، وتجعل سيادة الشعب تنعكس بشكل أفضل في الحياة السياسية والاجتماعية، كما تساهم في تجسيد إرادة الشعب بشكل أفضل وحماية حقوق الشعب بشكل أفضل وتحقيق مصالح الشعب بشكل أفضل وتحفيز حيوية الشعب وإبداعه بشكل أفضل، وتجعل الشعب الأسياد الحقيقيين للبلاد.
وأوضح لياو ليتشيانج بأن الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية في الصين يمكن فهمها من الجوانب الثلاثة التالية:
ألتزام الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية بسيادة الشعب.
نص الدستور الصيني على أن جميع السلطات في يد الشعب، حيث يمتلك الشعب حق التصويت والحق في المشاركة الواسعة في حوكمة الدولة وفقا للقانون. ففي النظام السياسي الصيني، يعتبر مجلس نواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي كيانين مؤسسيين مهمين لممارسة الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية.
ويعد المؤتمرين الوطنيين "للمجلس الوطني لنواب الشعب واللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني" منصة مهمة لجمع الآراء والتشاور السياسي وبلورة التوافق ورسم الخطط العريضة.
وأضاف : في هذه الأيام، تعقد الصين الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني والدورة الأولى للجنة الوطنية الرابعة عشرة للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، حيث قام أكثر من 5000 نائب من مختلف المناطق والأحزاب والفئات بالتباحث حول تفكيرهم وأعمالهم خلال العام المنصرم وتحليلهم للوضع الحالي وتطلعاتهم للمستقبل، بما يوصل صوت الصينيين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة من كل أنحاء البلاد إلى مسمع القيادة من خلال منصة المؤتمرين.
وتشير البيانات إلى أنه في السنوات الخمس الماضية، قام حوالي 3000 نائب في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني بالذهاب إلى المستوى القاعدي والتعامل مع الجماهير للاطلاع على وضعهم وآرائهم وتجميع ملاحظاتهم، ورفعوا 2282 مشروعا و43750 اقتراحا، الأمر الذي يوفر مرجعا هاما لصنع القرار بشأن القضايا الحزبية والوطنية.
وفي نفس الفترة، استلمت اللجنة الوطنية الثالثة عشرة للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني ما مجموعه 29323 اقتراحا، ورفعت 23818 منها بعد المراجعة، لغاية نهاية فبراير عام 2023، تمت معالجة 99.8% منها.
في الصين، لا بد لجميع القرارات الهامة وجميع القضايا المتعلقة بالمصالح الحيوية للشعب أن يمر بالتشاور والنقاش الواسع والمستفيض في مجلس نواب الشعب والحكومة والمؤتمر الاستشاري السياسي والجمعيات الاجتماعية والمنظمات القطاعية، حتى يتم إعداد السياسات والإجراءات التي تتوافق مع إرادة الشعب ومصالحه على أساس التوافق المتبلور خلال التشاور. على سبيل المثال، في عملية تأليف "القانون المدني"، باعتباره الأول من نوعه في الصين الجديدة والملقب بـ"موسوعة الحياة الاجتماعية"، قامت الحكومة بجمع آراء الجمهور 10 مرات وتلقت أكثر من مليون ملاحظة من 420 ألف مواطن. والمثال الآخر، تقوم الصين بصياغة خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية كل خمس سنوات، وخلال عملية صياغة الخطة الخمسية الرابعة عشرة السارية حاليا، تم إجراء المشاورات المستفيضة وجمع آراء الجمهور، وتم استخلاص أكثر من ألف اقتراح من مليون تعليق من مستخدمي الإنترنت، وعلى أساسها تم إدراج 366 تعديلا للخطة، ولم يتم إقرار الخطة إلا بعد إدراج 55 تعديلا آخر وفقا للملاحظات والاقتراحات من أعضاء المجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي.
وأشار السفير الصينى الى ان الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية تهدف إلى خدمة المصالح الأساسية للأغلبية الساحقة من الشعب. إن الديمقراطية في طبيعتها التواصل مع الشعب والاطلاع على آرائهم وحاجاتهم والعودة بالخير عليهم، قائلا: لم تكن الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية ديمقراطية شكلية وصورية، بل تسعى إلى إسعاد الشعب ورفع مستوى معيشتهم بشكل حقيقي.
ففي السنوات العشر الماضية، تمكنت الصين من انتشال حوالي 100 مليون شخص من الفقر المدقع، مما خلق معجزة غير مسبوقة في مجال مكافحة الفقر؛ كما يزيد متوسط الزيادة السنوية للوظائف في المدن 13 مليون وظيفة، ما يعادل عدد السكان لدولة متوسطة الحجم.
كما أنشأت الصين أكبر منظومة الضمان الاجتماعي وشبكة التأمين الطبي في العالم، التي تغطي أكثر من 1.3 مليار نسمة؛ وتباع المنتجات للمناطق النائية إلى كل أنحاء البلاد من خلال البث المباشر عبر الإنترنت؛ وركب المزارعون في الجبال والشباب في المدن السكك الحديدية عالية السرعة للعمل في الخارج وتحقيق أحلامهم؛ وأصبحت الحياة الخضراء ومنخفضة الكربون موضة جديدة، حيث يقود الصينيون 50% من سيارات الطاقة الجديدة في العالم على أكبر شبكة الطرق السريعة في العالم؛ وقام مليار مستخدم الإنترنت الصيني بالاطلاع على أخبار العالم عبر الإنترنت والتواصل فيما بينهم والتعبير عن آرائهم.
فأظهرت الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية حيويتها الكبيرة على أرض الصين، وجعلت الشعب الصيني أكثر ثقة بديمقراطيتهم، وجعلت طريق الديمقراطية للصين أوسع فأوسع.
واستطرد لياو ليتشيانج قائلا: إن الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية تستكشف طريقا جديدا للقضية الديمقراطية البشرية.
وكما يقول المثل العربي: ما حك جلدك مثل ظفرك، و لا يوجد في هذا العالم نموذج الديمقراطية الذي ينطبق على جميع الدول، ناهيك عن النظام الديمقراطي المثالي والمتفوق. استعراضا لمسيرة الصين للاستكشاف الديمقراطي منذ العصر الحديث، دفعت ثمنا باهظا بسبب استنساخ النماذج الأجنبية ببساطة.
في عالم اليوم، تفضي الديمقراطية التي تفرضها "الثورة الملونة" إلى النتائج الكارثية وعلى حساب الشعوب الأبرياء، سواء كان في أفغانستان أو ليبيا أو العراق.
ولقد أثبت التاريخ والحقائق أنه في عملية استكشاف الطريق التنموي، لا يمكن اللجوء إلى الاستنساخ والمحاكاة، والممارسة هي الطريق الوحيد المؤدي إلى الحقائق.
وأوضح السفير الصينى أن اليوم، خلقت الصين الديمقراطية الصينية النمط من خلال الاستكشاف المستقل، ومكّنت 1.4 مليار صيني، أي خُمس سكان العالم، من أن يصبحوا الأسياد الحقيقيين للبلاد مع الحقوق والحريات الكبيرة، الأمر الذي يعزز ثقة الدول النامية في تطوير الديمقراطية، ويستكشف طريقا جديدا للقضية الديمقراطية البشرية، فإنه مساهمة الصين المهمة للحضارة السياسية البشرية وتقدم هائل للمجتمع البشري.
وأشار سفير الصين بالقاهرة إلى أن في السنوات الأخيرة، حققت مصر، تحت القيادة الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسي، إنجازات مبهرة في بناء الوطن، وكتبت فصلا رائعا في الاستكشاف المستقل للطريق التنموي الذي يناسب ظروفها الوطنية، وقدمت مساهمة مهمة في تعزيز الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط.
وقال لياو ليتشيانج إن مصر تولي اهتماما بالغا للربط بين تحقيق التنمية وتعزيز الديمقراطية، حيث تعمل على تمكين وتعزيز الحقوق الأساسية للفئات المستضعفة من خلال المبادرات مثل "حياة كريمة" المطروحة من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، سعيا لتوطيد الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي على أساس المساواة. في عام 2021، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهي أول استراتيجية شاملة وطويلة الأجل لمصر في هذا المجال وخطوة مهمة أخرى لمصر في الاستكشاف المستقل للطريق التنموي. ومنذ عام 2022، أطلقت مصر "الحوار الوطني" لبناء "الجمهورية الجديدة" وخلق مستقبل أفضل، وجمعت آراء جميع الأوساط الاجتماعية، الأمر الذي يكتسب أهمية كبيرة لبلورة التوافق وتخطيط التنمية وتحقيق الرؤى المستقبلية.
وحاليًا، تتسارع تغيرات القرن وتزداد المنافسة بين القوى الكبرى شراسة، وتزداد الصراعات الجيوسياسية احتداما، وتستمر التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية في الازدياد الكبير. على هذه الخلفية، تواجه دول العالم المخاطر والتحديات قل نظيرها في التاريخ، وذلك يتطلب بشكل ملح تجاوز الخلافات المؤسسية والعمل يدا بيد.
وتحرص الصين على العمل مع مصر وغيرها من دول العالم على تكريس القيم المشتركة للبشرية كلها المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وتكريس روح الاحترام المتبادل وإيجاد القواسم المشتركة مع الاحتفاظ بالخلافات، بما يثري الحضارة السياسية البشرية، ويدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.