عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لقاء مع Tycoon الصحافة الإنجليزية!

الغربة الثانية 61

لقاء مع Tycoon الصحافة الإنجليزية!

"كل لحظة من النور أو الظلام هي معجزة حقيقية علينا أن نستغلها".. المقولة لأحد أهم الشعراء الأميركيين، والت ويتمان، الكاتب والصحفي والإنساني. 



تساءلت في حيرة: هل الدعوة للقاء عملاق الإعلام البريطاني روبرت ماكسويل لحظة من النور أو الظلام، وأنا المؤمن بأن الحياة ما هي سوى وقائع وأحداث، قد تكون بعضها عادية وأخرى مفاجئة، وقد يتكرر الكثير منها وبنفس السيناريوهات. 

 

تلك اللحظات التي تسبق أي شيء هي أجمل من الشيء ذاته، فالانتظار هو قمة اللذة، والأديب الكاتب الفرنسي ألكساندر دوماس يلخص كل الحكمة الإنسانية في كلمتين: "الانتظار والأمل". 

 

انتظاري للقاء كان أشبه بانتظار المطر أيام الصيف الحارة، حيث الشمس تأبى الرحيل. في الانتظار أصابني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة رغم أن الأمل في داخلي لا يزال ينبض بالحياة. 

 

عشت لحظات الانتظار لترسم توقعات واحتمالات أخوض بين تلابيبها محمّلًا بشغفٍ ومزيد من حكايا النبض وأهازيج الخيال، ساورتني مشاعر متناقضة، مزيج من الفرحة والخوف، ابتهاج وقلق. 

 

كان بيتر جاكسون مدير مبيعات الشركة أكثر إصرارًا في تلبية رغبة عملاق الإعلام روبرت ماكسويل للقاء معي.. بعد تحديد موعد اللقاء، ساورتني مشاعر متناقضة للقاء رجل إعلامي بريطاني شهير صاحب إمبراطورية كبيرة. وبدأت الاستعداد والترتيبات للقاء، باختيار وحشد فريق العمل المشارك معي الاجتماع لتعزيز وتسجيل النقاشات وكل الملاحظات وتدوين الأفكار، وكنوع من العزوة والسند. اخترت دافيد ديلينجير مدير المطابع، ورون بيكنجهام المحاسب، وستيفين كيفن من K.P.M.G المحاسب القانوني، وبالطبع بيتر جاكسون. 

 

الموعد كان الثانية بعد الظهر في مبنى ميرور جروب في ميدان هولبورن Holborn Circus. فترة الغداء من طقوس معظم رجال الأعمال في بريطانيا، حيث يعقدون اجتماعاتهم مستمتعين معه بغداء وشراب ممتع في أحد المطاعم الفاخرة في السيتي أو في شارع الصحافة "فليت ستريت". لكن متعة ماكسويل كانت في عقد اجتماعاته بمقر إمبراطوريته الإعلامية. 

 

 قادنا بيتر جاكسون بصفته من العاملين السابقين بالمجموعة الإعلامية، وأنا مصطحبًا زملائي في عزوة وسند بنعمة الطمأنينة إلى الطابق الخامس، حيث استقبلتنا بترحيب فائق سكرتيرة ماكسويل جين بادِيليِّ Jean Baddeley التي بادلت زميلها السابق جاكسون القبلات، وقادتنا إلى غرفة الاجتماعات الضخمة معتذرة عن تأخر رئيسها في اجتماع آخر لمدة عشر دقائق أخري. 

 

الغرفة واحدة من غرفتين للاجتماعات يتوسطهما مكتب قطب الإعلام، وكنوع من التكريم والترفيه وتسلية الضيوف، أوضحت "جين" سكرتيرته أن الأستاذ يتنقل بين الغرف الثلاث يمينه وشماله ومكتبه في اجتماعات ولقاءات على مدار الساعة فهو مفعم بالحيوية، يعمل ١٨ ساعة في اليوم ستة أو سبعة أيام بجدول يبقيه بعيدًا عن زوجته البالغة من العمر ٤٠ عامًا وأطفالهما السبعة، حيث يعيش في قصر شاسع إيطالي الطراز "هيدينجتون هيل هول" يطل على مدينة أكسفورد ويقيم فيه حفلات فخمة بحضور سياسيين ومشاهير وإعلاميين، وله ممتلكات خارج مدينة أكسفورد، حيث يمتلك فريق أكسفورد يونايتد لكرة القدم. ورغم هذا فهو يعتبر نفسه غبيًا لأن إغراء الصحافة الذي لا يقاوم حرمه من الحياة الأسرية. وجد نفسه في مجموعة "ميرور جروب" وإصداراتها التي تشمل Daily & Sunday Mirror، وSunday People وDaily Record وSunday Mail Scotland وLife Sport.

 

انزلق "الباب الجرار" لغرفة مكتب مضيفنا روبرت ماكسويل، ليطل بخطوات واثقة بجسده الضخم وقميصه "النصف كَمّ" رغم أننا في فصل الشتاء وملامح صارمة، وخلفه عشرة من رجاله ومساعديه، رأسه يكاد أن يلامس السحاب، ألقى بالتحية وجلس على رأس الطاولة، نظر بترفع وأنف شامخ وهو يراقبني وزملائي الأربعة بحاجب خبير مرتفع عن كثب، بدت ملامحه بتلك اللحظة رائقة على عكس دخوله منذ قليل، قسماته مرتاحة وجسده مسترخي وكأنه استلم جائزة أحلامه، وبعد لحظات من الصمت خرج صوت أجش بلكنة تشيكية، نسبة لمسقط رأسه في تشيكوسلوفاكيا:

 

{أنت بقى مودي حكيم؟! صديق النقابات، أنا طول عمري كنت صديقهم، لكنهم زعلانين مني، فقدت شعبيتي معهم على الرغم من ميولي الاشتراكية، بدأ نفورهم مني بعد أن خفضت ٢٥% من العمالة في المطبعة British Printing وعددهم ١٠ آلاف عامل وهي قوة عمالية مبالغة بالنسبة لحجم الإنتاج. لم أقبل إضرابهم عن العمل، وهددت بفصل أي عامل يجرؤ على الإضراب. لم أقبل أن يعاملوني بالأسلوب الذي تعاملوا به مع ميردوخ، ما دعاه أن ينفق أكثر من ١٠٠ ألف جنيه استرليني يوميا "فاتورة" الشرطة الإنجليزية لحراسة مطابعه من إضرابات العمال. أنا مدير اشتراكي، العمال لديهم وظيفتهم ولديّ وظيفتي. ما زلت أحبهم كإخوة لكن العمل هو العمل. لقد أخبرت النقابات أنهم إذا أقفلوا الصحيفة، فسيكونون عاطلين عن العمل ولن تكون هناك صحيفة. موقفي أثار حنق أعدائي فلقبوني كنايةً بوحيد القرن، فاستخدمت النقابات الطباعية اللندنية قوتها، ونجحوا في طردي من حزب العمال. اضطررت أن أغلق المطبعة في لندن وانتقلت بصحفي لخارجها فالنقابات خارج لندن أكثر تفهمًا}. 

 

ابتسم ماكسويل ابتسامة متعبة مع إيماءة من رأسه تعكس حالة من ألم، وأعاد ظهره للخلف، مد يديه وأسندهما على الطاولة أمامه، واسترخى في مقعده، ليكمل حديثه:     

{سمعت عنك الكثير وعن قصة كفاحك ومحاولة إثبات الذات، ولذا أحببت أن أراك، وأعرض عليك عرضًا، أرجو أن تفكر فيه.. تشاركني؟}    

 

لم أستوعب ما يقول، نظرت في وجهه باستغراب وجالت عيوني في المكان لتلتقي عيون كل الحاضرين، وقرأت الدهشة في عيون زملائي غارقة في تأمل صامت، وهي تضرب أخماسًا بأسداس حائرة في التفكير، وتتنازعها الهواجس وعدم فهم مجرى الأمر، وهل يحوي الطلب مكرًا وخديعة من رجل يظهر شيئًا ويريد غيره، رجل هو قطب إعلامي وعضو في البرلمان البريطاني، يمثل ويجسد الطفرة التي شهدتها بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية كرجل أعمال ناجحًا يمتلك العديد من الصحف وشركات النشر.. ويريد مشاركتي!

 

تشاركني؟ قذف بسؤاله الذي رماه فجأة وانتظر الإجابة! 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز