عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
يا شيخ سلامة.. الطريقة المبتكرة في عروض السير الذاتية

يا شيخ سلامة.. الطريقة المبتكرة في عروض السير الذاتية

في قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون يقدم قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية عرضًا مسرحيًا يستهدف إمتاع الجمهور العام الذي ينساه الكثيرون من المسرحيين المصريين الجادين، في زهو أحلامهم المسرحية التجريبية وغيرها.



وبلا سعي وراء الإضحاك السهل الخشن يقدم الشاعر والمؤلف يسري حسان والمخرج محمد الدسوقي عرضًا يستطيع صناعة الضحك وصناعة الترفيه والمتعة، ويقدم في ذات الوقت مسألة فكرية مطروحة منذ مدة طويلة، ومتكررة في أسئلة أهل الإعلام، وفي كتابات النقاد، ألا وهي مسألة الذوق الفني العام في مصر، وعلاقته بمسألة الإنتاج الفني.

 

وتأتي تلك المناقشة في عرض يا شيخ سلامة، في الإشارة إلى ذلك النوع الفني المسرحي الغنائي الاستعراضي الذي جمع بين الفرجة والفكر والالتزام بتقاليد المجتمع المصري، ودعم القيم الإنسانية الرفيعة والاهتمام بالعودة للمسرحيات العالمية المهمة وتمصيرها وتقديم البطولات وسير العظماء في التاريخ العربي والمصري.

 

وقد كان القرن التاسع عشر في مصر، قرنًا فنيًا ثريًا مرتبطًا بمشروع الخديو إسماعيل لتحديث مصر، واستلهام النمط الأوروبي في العمارة وتخطيط المدن، ومنها بالتأكيد دور المسارح ودور الغناء والموسيقى، التي تكاثرت في القاهرة والإسكندرية وعواصم مصر؛ إثر الحضور المؤثر لبناء دار الأوبرا الخديوية، والتي تم افتتاحها في الأول من نوفمبر 1869.

 

 

يعرف المختصون جيدًا أن المسرحية العربية في قالبها الحديث على النمط العالمي الغربي قد بدأت في بيروت ودمشق، إلا أن القاهرة والإسكندرية هي التي صنعت الظروف العامة المواتية لسليم النقاش أبن أخ مارون النقاش، ولأحمد بن خليل القباني وغيرهما من الشوام المهتمين بالمسرح، كي تزدهر أعمالهم المسرحية وتراكم مواسم مسرحية باكرة في الإسكندرية والقاهرة، وعدد من حواضر المدن المصرية في أنحاء القطر المصري كافة.

 

وتلك النهضة المسرحية- خاصة في المسرح الغنائي الاستعراضي، وهو النوع المسرحي المصري الأكثر جاذبية للجمهور- صاحبتها نهضة كبرى في أقاليم مصر كما في عاصمتها في الآداب والفكر والترجمة، وفي فهم القانون، وفي حيوية وحياة المجتمع المدني المصري آنذاك.

 

 

إنه علامة ورمز مصري كبير من العلامات البارزة والرواد الذين ساهموا في جعل مصر رائدة وصاحبة دور قيادي محوري في الفنون والثقافة في المنطقة العربية، هو الشيخ سلامة حجازي، الذي ولد وعاش وأبدع في الفترة من 1852 – حتى 1917.

 

 

إنه علمٌ كبير من أعلام النهضة المصرية والعربية الحديثة، وهو مزيج رائع من حساسية الطفل الذي يفقد الأب، ليشب منتبهًا لتفاصيل التفاصيل، بطفولة تتعجل الدخول لعالم الكبار، فقد عانى فقد الأب وهو في الثالثة من عمره ورباه جده لأبيه في الإسكندرية وحفظ القرآن وتعلم فنون الإنشاد وهو لا يزال في الحادية عشرة.

 

 

كما أنه تعلم فنون النظم ووزن النغم على يد شيخ فقيه في اللغة والموسيقى، وهو الشيخ خليل محرم.

 

 

ولأنه من هؤلاء الذين يحفظون أفضال الله الذي هيأ لهم من يعلمهم ويقدمهم للحياة العامة، فقد قدم الشيخ سلامة حجازي الشيخ سيد درويش، وساهم في نجاحه، ومنحه الاعتراف الكبير، وكذلك اكتشف في طماي الزهايرة، القرية الهادئة، صوتًا صار فيما بعد يعرف بكوكب الشرق، إنها ولا تزال درة التاج في الغناء المصري والعربي السيدة أم كلثوم.

 

 

وحتى لا يأخذني حديث سيرته الذاتية وأعماله وإبداعاته في المسرح والغناء والموسيقى، وهي سيرة ثرية جدًا بعيدًا عن العرض المسرحي "يا شيخ سلامة"، أود الإشارة لتلك الحبكة الدرامية الذكية والبسيطة والعميقة معًا وهي حبكة مبتكرة أيضًا، تلك التي كتبها المؤلف يسري حسان وهو يبدأ من الحارة التي ولد وعاش فيها الشيخ سلامة حجازي في الإسكندرية، وهي ذات الحارة التي يعيش فيها مجموعة من منتجي أغاني المهرجانات المصورة.

 

 

ومن هنا تحدث المقارنة بين عالمين، عالم القرن التاسع عشر، وعالم القرن الحادي والعشرين في ذات المكان وفي مصر الرائعة المبدعة.

 

 

والمقارنة صعبة جدًا جدًا، وخلالها وعبر الشخصية الساردة التي تقص سيرة الشيخ سلامة، وهي الباحثة الموسيقية التي قدمتها نهلة خليل، يتم عرض تلك السيرة حية ونسمع عددًا من ابتهالات وأغنيات الشيخ سلامة من المطرب والمنشد المبدع علي الهلباوي، الذي أدخلنا إلى بهجة الغناء المصري الأصيل مؤديًا شخصية الشيخ شديدة الثراء، وكان منضبطًا ويحمل طاقة انفعالية وعاطفية جاذبة، وهو من هؤلاء الموهوبين القادرين على الجمع بحرفية واقتدار بين التمثيل والغناء معًا.

 

 

بينما شكلت مجموعة المهرجانات وهي:

 

الممثل خفيف الظل المبهج مراد فكري صادق في دور الشاب المطرب الذي يحب زميلته وجارته في الحارة المطربة سلمى عادل في دور بغاشة، وهي صاحبة صوت جميل وقدرات استعراضية وقدرات واضحة في فن الممثل، وتجمع ما بين القدرة على صنع البسمة والشجن معًا، وهي مفاجأة قدمها لنا المخرج محمد الدسوقي، وكم تحتاج الحياة المسرحية لمثل هؤلاء الموهوبين.

 

 

وأيضًا صاحب الخبرة المسرحية الواضحة أحمد شومان في دور (فتلة) مطرب ومساعد مخرج المهرجانات بخبرة تصنع التوازن في المشهد المسرحي.

 

 

أما الفنان القدير حسني عكري، فلا أعرف وهو في هذا المستوى المتمكن جدًا من أدوات الممثل المسرحي، لماذا لا نراه كثيرًا في مسرحياتنا المصرية فهو خبرة وموهبة وفهم في دور المخرج المتصابي "خشبة".

 

 

وأيضًا يأتي الشاب الموهوب حسام ياسين مبهجًا في دور مساعد المخرج المتصابي.

 

 

هذه المجموعة يقدمها العرض وهي تتناول المخدرات وترتدي الملابس زاهية الألوان وتعبر عن جهل كبير، إنها تبدو كتشكيل عصابي يخاف حضور الشرطة.

 

 

وقد ساهم حضور الخبرات المسرحية الطويلة يوسف عبيد وسيد محمود وصابر عبد الله في ضبط الإيقاع التمثيلي ما صنع إيقاعًا مسرحيًا عامًا مبهجًا ومنضبطًا وقادرًا على طرح الفكر والبهجة معًا.

 

 

ويأتي ذلك في مناظر بسيطة أحسنت صياغة فراغ القاعة المحدود للمهندس حمدي عطية، وأيضًا ملابس هبة محمود التي حرصت على طرز ملابس القرن التاسع عشر، وعلى انسجام المجموعة اللونية لملابس العرض التي ساهمت في صنع ذلك الشعور بالبهجة.

 

 

استعراضات المصمم أشرف شرف ذات طابع حيوي، واستطاعت التفاعل مع الفراغ المسرحي بطريقة تشعرك بالثراء المشهدي.

 

 

أما موسيقى وألحان علي الهلباوي فهي ماسكة الخيط بين الجدية والبهجة في مسرحية يا شيخ سلامة، التي اعتمد مؤلفها أساليب بسيطة مستلهمة من نصوص القرن التاسع عشر ومنها الخطاب المباشر للجمهور وإلقاء التحية والسلام والصلاة على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

 

 

والوضوح المباشر في طرح المقولات الفكرية، وذلك عبر صوت المؤلف الراوي الواضح في شخصية الباحثة الموسيقية.

 

 

وأيضًا الحبكة المسرحية السهلة البسيطة بلا ادعاء ولا تعقيد ولا مبالغات.

 

 

وفي هذا الاتجاه سار المخرج محمد الدسوقي صاحب الخبرة التاريخية في عروض مسرح أقاليم مصر، خاصة في مسقط رأسه في مدينة بورسعيد.

 

 

وظهرت هذه الخبرة في الأسلوب السهل الممتنع في صنع حيوية العرض المسرحي والقدرة على صناعة مساحات من البهجة والمتعة والجدية.

 

 

إنها حقًا طريقة مبتكرة في عروض السير الذاتية.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز